كتبت ماجدة عازار في صحيفة نداء الوطن:
بعدما قرّرت محكمة التمييز الجزائية برئاسة القاضي جمال الحجار نقل ملف التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت من يد القاضي فادي صوان الى قاضٍ آخر، بالرغم من مخالفة عضو الهيئة القاضي فادي العريضي لهذا القرار، سألت “نداء الوطن” كلاً من الوزير السابق رشيد درباس ورئيس مؤسسة JUSTICIA لحقوق الانسان الدكتور بول مرقص، وعضو المجلس السياسي في “التيار الوطني الحر” المحامي وديع عقل رأيهم في دستورية نقل الدعوى، والمسار القانوني المرتقب.
درباس: الحصانات ليست زينة للناس
أكّد درباس بداية أن لا مجال للحديث عن دستورية قرار محكمة التمييز “لان القرار القضائي يُبحث بقانونيته وليس بدستوريته. ثم يحق لافرقاء الدعوى ان يلجأوا الى طلب رد القاضي او الى طلب نقل الدعوى للارتياب المشروع في اي مرحلة من مراحل المحاكمة، وللوسيلة الاولى شروطها المحددة قانوناً، وللوسيلة الثانية شروطها المختلفة، علماً ان طلب نقل الدعوى للارتياب المشروع لا يرفع يد القاضي عن النظر بها الا اذا صدر قرار من الجهة المطعون امامها بكفّ يده. في هذه الحالة التي نحن في صددها كان من المفروض أن يستمر صوان في النظر بالدعوى لانه لم يصدر قرار برفعه او بكف يده عن النظر فيها. وبعد ذلك اضطرت محكمة التمييز لاتخاذ قرار تطلب اليه ان يستمر بالتحقيق بعدما اعادت الملف اليه”.
وأضاف: “بعدما أودع صوان الملف لدى محكمة التمييز، وبعدما نظرت المحكمة بطلب نقل الدعوى للارتياب المشروع واطلاعها على جواب القاضي صوان وعلى اجوبة الاطراف الاخرى، اتخذت قرارها استنادا الى واقعتين ماديتين ملموستين: الواقعة الاولى أن صوان متضرر من انفجار مرفأ بيروت وانه يملك منزلاً في الاشرفية تعرّض لاضرار كبيرة، رغم انه لم يتخذ صفة الادعاء الشخصي ولكن هذه الواقعة المادية يمكن، كما رأت المحكمة، ان تنشئ في نفس الجهة الطاعنة ريبة مشروعة بأنه ربما قد يتأثر حين النظر في الدعوى بما اصابه من اضرار. وعليه، فان المحكمة عندما وجدت ان الارتياب مشروع لا يعني انها قد ادانت القاضي، فمشروعية الارتياب قد لا تكون مطابقة لحقيقة موقف القاضي ولكن القانون قال، لكي يطمئن الخصوم الى حسن سير العدالة اذا لمس طرف من الاطراف مبرّراً لارتيابه بالوقائع الثابتة، فإن المحكمة التي قدمت المراجعة امامها تحكم بنقل الدعوى”.
وتابع: “السبب الثاني هو ان صوان في معرض جوابه على طلب النقل قال انه وبسبب فداحة الجريمة والاهمال الكبير والزلزال الذي اصاب بيروت لن يتوقف امام الحصانات، والحصانات ليست زينة للناس بل هي مكرّسة بموجب قوانين، او بالدستور او بالقانون، فاذا أعلن القاضي سلفاً انه لن يتقيد باحكام القانون او باحكام الدستور يكون قد خلق واقعة مادية من شأنها ان تثير الارتياب المبرّر لدى جهة من جهات الدعوى المنظورة امامه.
والنقطة الثالثة التي اثيرت ايضاً ان قاضي التحقيق العدلي لا يخضع لمثل هذا التدبير، اي طلب نقل الدعوى للارتياب المشروع، جواب المحكمة كان ان النص لم يستثن احداً من القضاة، فهذا النص يسري حتى على رئيس مجلس القضاء الاعلى. وعليه فان المحكمة قد رأت ان عدم امكانية تعيين قاض آخر من قبلها لا ينفي امكانية تعيين القاضي، تبعاً لنظرية توازي الاشكال لان الجهة التي عينت القاضي صوان عليها الآن ان تبادر الى تعيين قاضٍ آخر. ربما هذا القرار سيكون ايضاً موضع تجاذب، وقد لا يستهوي البعض ولكني انصح بعد كل ما حدث للتحقيق من اضرار جسيمة ان يلتزم الناس برصانة العمل القضائي، لان العمل القضائي ليس محط تأييد او ازدراء او معاداة من قبل فئات او فئة، الحكم القضائي هو عنوان الحقيقة فلنترك الحقيقة تأخذ مجراها لانه عندما نرى قاضياً يتعرض لكثير من المديح او لكثير من الهجاء، فان القاضي بذاته يجب ان يتنحى لانه بلا شك سيفقد اتزانه، ولقد قال الامام علي: القاضي هو الذي لا يزدهيه اطراء ولا يستميله اغراء ولا يضعفه استقواء”.
مرقص: عوامل ضاغطة
أما مرقص فأكد ان “الأصول القانونية تقضي راهناً بنقل الدعوى الراهنة من القاضي صوان ورفع يده عنها كي يتولى النظر فيها محقق عدلي آخر، يعيّن وفقاً للفقرة الأخيرة من المادة 360 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي تنص على أن يتولى التحقيق قاضٍ يعيّنه وزير العدل بناء على موافقة مجلس القضاء الأعلى”.
وإذ رفض التعليق على الملف ابدى خشيته “من عاملَي الضغوط السياسية والتأخير اللذين يصاحبان هذا التغيير الدراماتيكي في سير التحقيقات العدلية، حيث أن تعيين محقق عدلي جديد قد يستغرق وقتاً ويأخذ جدلاً كما حصل مع تعيين القاضي صوان بين وزيرة العدل ومجلس القضاء، ثم أن المحقق العدلي الجديد لن يكون في وسعه التصدّي مباشرة للتحديات التي تصاحب هذا الملف، بل عليه درس خيوط التحقيق من بدايته وإعادة رسم منهجيته، مع ما قد يصاحب ذلك من استمرار التوقيفات وتأخير الوصول إلى نتائج في التحقيق لشهور اضافية كي لا نقول لسنوات. إلا ان ما يشفع في ذلك هذه المرة وربما ينعكس إيجاباً على الدفع في عجلة التحقيقات هو توافر عوامل ثلاثة ضاغطة: الرأي العام المتابع، الإعلام والوقفة الصلبة لنقابة المحامين في بيروت التي اتخذت صفة الادعاء الشخصي، وتحرك نقيبها في اكثر من اتجاه محلياً ودولياً لتسهيل مهمة التحقيقات”.
وأوضح ان “الخطوة التالية تكمن في ترشيح وزيرة العدل احد القضاة الجزائيين المخضرمين والمشهود له باندفاعه وحياديته واجتماع مجلس القضاء الأعلى للموافقة على تسميته. والعنصر الجديد هنا، ليس في اختيار الشخص المناسب فحسب، وثمة عدد من القضاة الذين يناسبون هذه المهمة، لكن في السؤال عن مدى سهولة قبول القاضي الذي يقع عليه الترشيح في تولّي مهمة صعبة كهذه سبق أن عَرفت تجربة مُرّة مع سلفه، وهي اساساً محفوفة بالمخاطر الشخصية والعائلية والتحديات الموضوعية لجهة تشعّبات الملف دولياً والضغوط السياسية والإعلامية والشعبية معاً”.
عقل: لتحقيق دولي
بدوره، تحدث عقل في القانون فأكد على قانونية قرار محكمة التمييز، أما الامور التفصيلية التي تبينت لاحقاً كواقعة امتلاك صوان منزلاً متضرراً فكان يجب ان تؤخذ في الاعتبار والتنبه لها حين تعيينه، لأن اي فريق في الدعوى سيستفيد من هذه النقطة وسيستغلّها، وهنا مكمن الخطأ اذ لا يمكن ادارة ملف بهذه الخطورة والدقة واهمال نقطة كهذه تطيّر ملفاً وقد خدمتهم قانونياً. أما سياسياً فرأى عقل ان اي طرف سياسي او قضائي لا يركز على من هو صاحب نيترات الامونيوم وكيف دخلت الى لبنان وعبر اي شركات، وكيف حصل الانفجار فمعناه انه لا يريد ان تكشف الحقيقة.
واذ استصعب ظهور الحقائق أكد وجوب الّا ندع القضية تموت لان كثيرين يفعلون المستحيل لتموت، وعليه اذا كان لا بد من تحقيق دولي فليكن، خصوصاً وان هناك بارقة امل كبيرة جداً في سويسرا بملف تحويل الأموال الى الخارج، فعسى ان تكون ايضاً بارقة امل جديدة في ملف المرفأ، لأن التحقيق الدولي وخارج اطار الاشتباك اللبناني سيمكّن من الوصول الى حقيقة من دمّر نصف عاصمة لبنان”.