كتب نجم الهاشم في “نداء الوطن”:
القاضي فادي صوّان الذي كان معيّنا محقّقا عدلياً في قضية تفجير مرفأ بيروت يكاد يكون بلا صورة وبلا صوت. ثمّة صورة وحيدة يتمّ نشرها مرفقة بالأخبار التي تُنشر حوله. لم تتبدّل هذه الصورة لا قبل تكليفه ولا أثناء تأديته مهمته العدلية ولا بعدما تمّ كفّ يده وإبعاده عن هذا الملف، الذي يمتد من مرفأ بيروت إلى مرافئ جورجيا واليونان وتركيا والموزمبيق إلى سائر دوائر ومراكز “القرار” في الجمهورية اللبنانية الذين عرفوا بأمر الباخرة وبخطورة النيترات ولم يفعلوا شيئاً.
إعتصم الرجل بالصمت أثناء تحقيقاته وإن كان بعض من التقوه نقلوا عنه بعض تعابيره الواثقة من عمله أو سرّبوا ما قاله عبر تقارير لاستغلالها من أجل الإساءة إليه. وبقي معتصماً بالصمت عندما تمّ التهجّم عليه وعلى مهنيته وموضوعيته وبعدما صدر قرار محكمة التمييز باستبعاده عن المهمة التي آلت إليه بعدما تم تداول أكثر من اسم قاض غيره لتوليها.
بعض من يعرف القاضي صوان يعتبر أنه قاض نزيه وموضوعي ومهني ولا يتوانى عن تطبيق العدالة والقانون، مع أنّ الصورة التي حاول بعض منتقديه إعطاءها عنه بعدما مضى في تحقيقاته في ملف المرفأ لم تكن مطابقة لهذا الواقع. من الطبيعي أن يكون هناك خلاف حول شخصية هذا القاضي بسبب الملفّ الكبير الذي تولاه والإشكالات الكثيرة التي اثارها، خصوصاً أنه دخل مغارة السلطة ودوائر القرار محاولاً شقّ طريق له ليتقدم التحقيق نحو كشف بعض معالم الجريمة الصعبة والمنظمة والعصية على الحلّ، نظراً لقدم الملف والتعتيم الذي لفه ومحو الأدلة ومحاولات الإستمرار بهذه العملية بعد الإنفجار والكارثة التي أحدثها، وكأنّه مطلوب عدم معرفة الحقيقة وبقاء الكارثة مسجّلة ضدّ مجهول.
القاضي صوّان لم يردّ على الإهانات التي تعرّض لها وعلى التشكيك بمهنيته. بعض صمته ناتج عن طبيعة شخصيته وبعضه عن التزامه بمناقبية القضاء وعدم الإدلاء بتصاريح، مع أنّه لو أراد لكان بإمكانه أن يفعل مباشرة أو بطريقة غير مباشرة من خلال تسريب معلومات من التحقيق، تدعم وجهة نظره وتوضح الإتجاه الذي اتبعه في التوقيفات والإدعاءات.
لو قدِّر له أن يحكي لربما كان قال أنه قبِل تولّي الملفّ وهو مدرك خطورته وصعوبته. خطورة ناتجة عن حجم الجريمة المنظمة وصعوبته من خلال تركيز الأنظار عليه وانتظار تحقيق المعجزات في وقت قياسي، بعدما تولى غيره من مسؤولين في السلطة التعهّد بانتهاء التحقيق خلال خمسة أيام.
لو قدر له أن يحكي لكان قال إنّه منذ بدأ عمليات التوقيف بدأ يواجه صعوبة في المتابعة. كل توقيف كان يترافق مع تشكيك ومع محاولات تدخل سياسي للقول إنه توقيف سياسي وينبع من خلفيات لدى القاضي. وهو واع لهذه المسألة ومدرك أنّه سيكون عرضة للإتهام من أجل التشكيك بموضوعيته وهذا ما أدى لاحقاً إلى اتهامه بالإنتقائية والإستنسابية. وهو فهم بعض الإنتقادات على أنها تهديدات ولكنه لم يبالِ بها.
لو قدِّر له أن يحكي لربّما كان قال إنه كان يعرف أسباب توقيف كل من تمّ توقيفه. وأنّه لم يدّعِ على أحد لو لم تكن لديه معلومات من خلال التحقيق عن أنّه يتحمل مسؤولية مباشرة توجب الإدّعاء عليه. فمن هؤلاء من يُخفي معلومات أو كان يعرف أو لعب دوراً أو عرف ولم يفعل شيئاً بينما كان يمكنه أن يفعل. وهو لذلك قد يقول إنه يغادر الملف مرتاح الضمير لأنه لم يتجنَّ على أحد.
لو قُدِّر له أن يحكي لكان قال إنّه ماذا يمكنه أن يفعل وحده إذا لم تتجاوب معه أجهزة الأمن اللبنانية التي بعضها الكثير مقصِّر ولا يقبل تحميله أي مسؤولية. وماذا يمكنه أن يفعل إذا لم تتجاوب معه السلطة من خلال تحريك طلبات الحصول على المعلومات حول رحلة الباخرة ومالكيها ومشتري النيترات ومدخِّليها إلى مرفأ بيروت، وهي تحقيقات تحتاج إلى تعاون دولي من الـ “أف بي آي” إلى أجهزة الأمن الأوروبية والتركية والجورجية والقبرصية والروسية. وهو يمكن أن يكشف أنّه لم يحصل على معلومات من الروس بعدما حاول الحصول عليها عن طريق الأنتربول، خصوصاً حول هويّة مالك الباخرة وحول عملية تحميلها من جورجيا. وهو يمكن أن يقول أيضاً أنه لم يكن ممكناً بالنسبة إليه تجاهل المعلومات التي تحدثت بالوثائق عن دور رجال الأعمال السوريين الثلاثة في شراء النيترات لمصلحة النظام السوري. وربما كانت هذه المعلومات التي لم تصل إليه مباشرة هي السبب في التسريع بإبعاده عن الملف لأنه دخل في المحرمات.
يعرف صوان أنه لم يرتكب جرماً عندما اشترى مع زوجته منزلاً في الأشرفية بعد الحصول على قرض مصرفي. ويعرف أنه لم يرتكب خطيئة عندما قبض تعويض 13 مليون ليرة كما ورد في تبرير قبول كف يده والطعن بصدقيته. هذا المبلغ لا يتعدى 1300 دولار. وهو قبضه كما الآلاف من المتضررين. وهذا الأمر لا يجعله طرفاً في القضية بل حجم العملية التخريبية المدمِّرة هو الذي يجعله يقاتل من أجل البحث عن الحقيقة مهما كانت الصعوبات. قارن البعض بينه وبين القاضي الياس عيد الذي كان محقّقاً في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل أن تتولاها لجنة التحقيق الدولية. عيد كان المأخذ عليه أنه كان يحصل على بونات بنزين من جهاز أمني كان رئيسه مشتبهاً به في قضية الإغتيال، وتمت المطالبة بإقالته مع قادة أجهزة الأمن في تلك المرحلة في عهد الوصاية السورية. هذه المسألة لا تشبه تلك.
أخذوا عليه أيضاً قوله أنه سيفعل أي شيء لكشف الحقيقة ولن يتوقف عند حصانات. لم يقل أنه سيتجاوز القانون والحصانات. كان يتحدّث عن التصميم الموجود لديه لكشف الحقيقة من دون الخوف من اتهام من يتثبّت من إدانته وتحميله المسؤولية. لم يقل أنه سيتجنّى على أحد.
قيل عنه أيضاً أنه انتقى من اللائحة التي رفعها إلى مجلس النواب بعض الأسماء. وهو لو أراد أن يدافع عن نفسه لكان قال إنه انتقى من تبيّن له بأنه يتحمّل مسؤولية ولم يقفل الملف عند هذه الإدعاءات، ذلك أن باب الإستدعاءات كان مفتوحاً لديه ويمكن أن يدرج عليه أي اسم يرتقي من مرتبة المشتبه به فقط إلى مرتبة المتهم حتى تثبت براءته.
هل يحين الوقت لكي يدافع صوّان عن نفسه؟ هل المحقّق الذي سيأتي بعده سيتمكّن من متابعة التحقيق؟ لا شك في أنّ ما سيفعله هذا المحقق سيعطي صوّان حقّه، إذا اعتبر أن كل ما فعله كان صائباً وربّما سيحكم عليه إذا هدم كل ما فعله. بين هذه وتلك يبدو أن أي محقق جديد لن يكون باستطاعته أن يفعل شيئاً سوى التحرك بين حدين: حد البحث عن الحقيقة وحد ملاقاة مصير صوّان. التحقيق الدولي وحده قد يستطيع أن يفك أسرار هذه الكارثة.