كتب روي أبو زيد في “نداء الوطن”:
يُعتبر مارون نمنم من أبرز “المونولوجيست” في الربع الأخير من القرن الفائت. عاصر أسماء مهمّة فنيّاً أثْرت زمن الفن الجميل في لبنان. “نداء الوطن” تواصلت مع نمنم للوقوف عند رأيه بالفن عموماً والكوميديا خصوصاً، فضلاً عن موقفه من الثورة ووضع البلاد الحالي.
لماذا غبت طوال هذه الفترة عن الساحة الفنية؟
غبت لمدة 16 عاماً عن الساحة الفنية، وحين قررتُ العودة أدركت أنّ الوضع الإنتاجي صعب لذا أنشأتُ مطعماً لضمان إستمراريتي وأولادي. لا يضمن الفنان مستقبله في بلد مثل لبنان. يعمد متعهّدو الحفلات الى دفع المال “بما هبّ ودبّ” لأحد المغنّين، بينما يتباخل حين يتعلّق الأمر ببدل “المونولوجيست” المادي. لذا ركّزت على مشروعي الجديد، مستثمراً أموالي ووقتي.
هل ما زال الفنان “يموت من الجوع” في لبنان؟
للأسف نعم، في ظلّ احتكار بعض شركات الإنتاج للفنانين علماً أنّ اللون الغنائي الذي أقدّمه أضحى مفقوداً، فالفنانة الراحلة فريال كريم هي آخر من قدّم هذا النوع من الأغنيات.
ألا تفكّر بإعادة إحيائها؟
ما زالت الأغنيات التي قدّمتها تحيا في ذاكرة الناس، لذا قرّرنا تقديم “شانسونييه” صديقي شربل سمعان وأنا، لكنّ الأوضاع الصحية والإقتصادية في البلاد منعتنا من العرض.
ما الذي تسرده من ذكرياتك مع فريال كريم؟
كانت علاقتي بها ممتازة، إذ اجتمعنا للمرة الأولى في كازينو فريد الأطرش عام 1974، حيث قدّمنا مسرح “شانسونييه” برفقة فرقة أسسها الممثل الراحل ابراهيم مرعشلي، وضمّت زياد مكوك، مارسيل مارينا وزوجها سمير معلوف. كانت المرة الأولى التي أخوض فيها تجربة مميزة كهذه خصوصاً أنني وقفت أمام عمالقة في التمثيل وتعلّمتُ منهم الكثير. شجّعتني كريم كثيراً وما زالت جملتها الشهيرة بعد انتهاء العرض ترنّ في أذنيّ: “تعوا شوفوا، عمخّ مارون في صبي”. (قول شعبي كانت تتوارثه النساء في القرى، بعد ولادة طفل جديد). كان إسم الفرقة “مسرح آخر ساعة” ومرعشلي يقوم بكتابة مشاهدها الكوميدية بناءً على أحداث الساعة وينفّذها المخرج أحمد كريّم. استمرينا بالعرض ليلياً حتى بداية الحرب الأهلية اللبنانية.
أخبرنا عن مشاركتك في برنامج “ستوديو الفن”.
أنا خرّيج دورة الـ73 وفزت بالمرتبة الأولى. تخرّج معي نجوم علّموا ببصمتهم في الساحة الفنية كوليد توفيق، عبدو ياغي، الراحلة منى مرعشلي وغيرهم. عاش لبنان زمن الفن الجميل في هذه الحقبة الذهبية من تاريخه.
ما رأيك اليوم بمستوى الفن؟
أصبح المستوى هابطاً مع وجوه لم تحافظ على هذا الإرث الفني. أين نحن من أعمال شوشو مثلاً؟ للأسف، باتت الأعمال الفنية بعيدة عمّا كان يُقدَّم في السابق. لكن يبقى جورج خباز من الحريصين على إبقاء شعلة مسرح “الشانسونييه” في زمننا الحالي. للأسف باتت الكوميديا مقترنة بالكلام البذيء أو الشتائم لإضحاك الجمهور، بينما نحتاج الى أعمال هادفة وترفيهيّة في الوقت عينه.
سمّ لي إسماً آخر غير جورج خباز!
فادي رعيدي، ماريو باسيل وبيار شماسيان. وشكلّ هذا الأخير حالة كوميدية إستثنائية مع أندريه جدع وليلى إسطفان. تكمن الصعوبة اليوم في جمع الوجوه الكوميدية بفرقة “شانسونييه” واحدة.
من تختار لكتابة “شانسونييــــه” وما المواضيع التي تتناولها؟
أتّصل بكاتب “عندو نفَس” فأتواصل مع الأستاذ فارس يواكيم الذي كان يكتب لشوشو. نصوصه فذّة ومضحكة في الوقت عينه. وبالنسبة الى المواضيع، نعيش في لبنان وقضاياه تشغلك من كلّ حدب وصوب! اشتقنا الى رؤية أعمال بمستوى بربر آغا، أو كالتي قدّمها الأستاذ أنطوان غندور، نبيه أبو الحسن وغيرهم. لكننا نحتاج الى إنتاج يدعمنا والى وضع مستتب.
ألا تفتقر الساحة لكتّاب كوميديا؟
بالطبع، ومن يكتب الكوميديا اليوم يعمل وحيداً كزميلنا الفنان فادي رعيدي الذي يقدّم أعماله منفرداً. لماذا لا نكتب لمجموعة. مثلاً قبل سفري الى الولايات المتحدة الأميركية، شاركتُ في “شانسونييه” مع الأستاذ جورج خاطر حمل عنوان “معقول تفرج بأيلول”، كنا متناغمين وكتب الناقد المرحوم جورج جرداق وقتها بإيجابية عن العمل. عالجنا آنذاك مواضيع حياتية بطريقة جديدة مع أغانٍ إيقاعية هادفة.
لماذا عدت الى لبنان بعد غربة 16 عاماً في الولايات المتحدة الأميركية؟
أمّنتُ مستقبل أولادي وجعلتهم يستحصلون على جنسية أخرى. عدتُ بعدها الى لبنان لأنني لم أستطع العيش بعيداً عن أرضي ووطني. قدّرت عائلتي تضحياتي ودعمتني في قراري، فنجلي درس إدارة المطاعم والفنادق ويساعدني اليوم بإدارة مطعمي الخاص.
هل تؤمن بالثورة وهل حققت أهدافها؟
بالطبع لا. دعمنا مطالب الثورة بما أنها أوصلت صرخاتنا وسلّطت الضوء على مطالبنا. لكنّ وطننا مسيّر وليس مخيّراً. تبيّن أنّ الثورة هي مخطط سفارات، فلماذا لم ينتفض الثوّار بعد اغتيال لقمان سليم مثلاً؟ أين هم من الأزمات المتلاحقة في البلاد؟ لبنان هو الحلقة الأضعف وسط التخبّطات الإقليمية، ويعمد بعض البلدان الى تمرير مخطّطاته مستغلّاً إنقساماتنا الطائفية والمذهبية. لكن، بغضّ النظر عن الصراعات الإقليمية وحركة السفارات، يبقى إنفجار 4 آب خير دليل على إهمال الدولة، حتى أننا لم نرَ مسؤولاً واحداً يتفقّد المتضررين. هل سيردّ المسؤول الشهداء الى أهاليهم؟ بلدنا مسيّر إذ لم تظهر نتائج التحقيق بعد! كنا نعوّل على جرأة القاضي فادي صوّان كي يصغي الى صوت ضميره ويتابع مساره حتى النهاية. مسؤولونا كذبة وفاسدون ويتغاضون عن وجع شعبهم الفقير والمتألم.
ما الذي نحتاجه لبناء البلد؟
ينقصنا رجال! نحتاج الى أشخاص يتمتّعون بالحس الوطني والإنساني ويحكّمون ضميرهم في سبيل تعزيز الخير العام. نريدهم مستقلّين وغير مأمورين من البلدان الكبرى. أيعقل أننا وصلنا الى الهاوية ولم يتّفقوا بعد على تأليف حكومة؟
هل تنظر الى الحياة بطريقة مختلفة بعد تجربة “كورونا”؟
لمّت الجائحة شمل العائلة وأرجعت كلّ إنسان الى إيمانه، إذ بتنا نصلّي أكثر، نلجأ الى الله ونتفاعل مع بعضنا كعائلة في محاولة لردم الهوّة التي أحدثها نمط الحياة السريع والتطوّر التكنولوجي. لكننا فقدنا الكثير من الأحبّة والأصدقاء بسبب الجائحة اللعينة.