Site icon IMLebanon

نجم – مجلس القضاء: استنساخ صراع عون – الحريري

كتب نقولا ناصيف في “الاخبار”:

صحّ أن المعنيين بتعيين محقق عدلي جديد جادون في القرار، بأن توافقوا ليلاً على ما اختلفوا عليه نهاراً. أضف – للمفارقة المفيدة المستغربة – أن أيّاً من الجهات السياسية حاذر الإيحاء بمرشح أو رفض آخر. ليس تعفّفاً بل تفادياً لإحراق الأصابع.

يوم طويل في قصر العدل، من قبل الظهر حتى ساعة متقدمة من المساء، ما بين الوزيرة ماري كلود نجم ومجلس القضاء الأعلى والمدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، انتهى ظهراً بتوجيه نجم إلى مجلس القضاء، عند الأولى والنصف، كتاباً ضمنته اقتراحها تسمية القاضي سامر يونس محققاً عدلياً في ملف انفجار مرفأ بيروت خلفاً للقاضي فادي صوان. سرعان ما أجاب المجلس بكتاب آخر رفض فيه يونس. سبق توجيه الكتاب الأول قبل الظهر اجتماع عقدته نجم مع رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود. ردّاً على رفض الاسم، طرحت الوزيرة مساء، بعد اجتماع آخر مع عبود، اسم القاضي طارق بيطار، ما لبث أن استدعاه المجلس إلى الاجتماع به، بعدما كان القاضي التقى نجم. في ساعة متأخرة من المساء، وجهت إلى المجلس كتاباً يقترح اسمه، فوافق.

احتاج إقناعه إلى تدخل أكثر من طرف. ليست المرة الأولى يؤتى عليه. قبل تعيين صوان في 13 آب 2020، اقترحته نجم بيد أنه تحفظ.

على نحو كهذا تلاحق طرح الأسماء والرفض المتبادَل، إلى أن أفضى إلى الخاتمة.

منذ انطلاق مساعي قبل ظهر أمس، طرح مجلس القضاء ثلاثة قضاة يميل إلى تأييد اختيار أحدهم للمهمة، هم فادي عنيسي وغادة بوكروم وسامر ليشع، على أن الأول يحظى بالأفضلية بين القاضيين الآخرين، خصوصاً لدى رئيس المجلس.

لأن آلية التعيين صلاحية متشابكة بين مرجعَين، ملزمة موافقتهما لصدور القرار، على نحو مطابق لما يدور بين قصر بعبدا وبيت الوسط للتوصل إلى تأليف حكومة جديدة، يُمسي توافق نجم ومجلس القضاء الأعلى حتمياً وضرورياً. الوزيرة تقترح، بيد أن إصدار القرار يمرّ بموافقة المجلس عليه. اللعبة معكوسة كذلك: لا يكفي مجلس القضاء اختيار اسم لا تقبل به الوزيرة. يحدث ذلك ما بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري.

اليوم الطويل في قصر العدل، غداة إصدار محكمة التمييز الجزائية قرارها نقل ملف انفجار مرفأ بيروت من صوان إلى قاضٍ آخر، بدأ باكراً باتصالات واجتماعات بين الوزيرة والمجلس، دخل على خطها عويدات، أضف جهة رسمية تولّت الوساطة ما بين الأفرقاء الثلاثة، فحملت اقتراحات من هناك إلى هناك وبالعكس، دونما انقطاع تواصل ذوي الشأن. بدأت هذه المحاولات منذ مساء الخميس وتواصلت البارحة.

فحوى ما دار في الساعات الطويلة تمحور حول المعطيات الآتية:

1 – لأنها صاحبة صلاحية الاقتراح والإصدار، اختارت وزيرة العدل القاضي سامر يونس للمرة الثانية. كانت اقترحته للمرة الأولى قبل صوان، إلّا أن رئيس مجلس القضاء الأعلى رفضه. طرحت وقتذاك اسماً ثانياً هو القاضي طارق بيطار، إلا أن الأخير تحفّظ عن قبول المهمة. فصُرف النظر عنه. مستمزجة رأي رئيس المجلس، أبدت أمامه رغبتها في اقتراح القاضية أماني سلامة، فرفض أيضاً، كون سلامة – رئيسة نادي القضاة – اتخذت موقفاً سلبياً للغاية من المجلس وقادت باسم النادي حملات واسعة من الانتقادات حيال ما يجري في المؤسسة. عندئذ طرحت نجم اسم صوان، فوافق المجلس بعد تحفّظ. في جانب من أسباب اختياره، وكان يشغل منصب قاضي تحقيق عسكري أول، أنه سيتولّى التحقيق في ملف انفجار المرفأ فيما لو أحيل إلى القضاء العسكري. ناهيك بما عُرف عنه كقاضٍ كفيّ، قبل أن يعطب بنفسه دوره في ما بعد بكمّ كبير من الأخطاء القانونية ارتكبها، قاده إلى استبعاده ونقل الملف منه، لم يكن التدخّل السياسي في منأى عنه.

2 – دخلت الشخصية الوسيطة على خطّ التواصل بين الأفرقاء منذ مساء الخميس بأن نقلت عن المدعي العام التمييزي، الذي رغب في الاضطلاع بدور بين الوزيرة ومجلس القضاء، اقتراحه أحد اسمين محقّقاً عدلياً هما فادي عنيسي يؤيده القاضي عبود والآخر جون قزي يرشحه عويدات بالذات. وافقت الوزيرة على قزي، بيد أن مجلس القضاء عارض. إذذاك انطلق الحديث إلى اسم آخر هو سامر يونس، عاودت نجم طرحه مجدداً، بعدما أخفقت في تعيينه محققاً عدلياً قبل صوان في 13 آب. كمنت حجة مجلس القضاء الأعلى في الاعتراض عليه في المرة الأولى في صغر سنه، ما يجعله يفتقر إلى الخبرة الكافية، فيما أعطت التجربة المخضرمة المخيبة لصوان أمثولة معاكسة أدت إلى نقل الملف منه.

3 – منذ صباح أمس توسّعت الأقاويل في قصر العدل متوقّعة تعيين المحقق العدلي الجديد اليوم ذاته، وإن اقتضى إمرار النهار بطوله. رمى تسارع الاتصالات إلى استيعاب ردود الفعل المتباينة، الحادة في معظمها، حيال كفّ يد صوان كما لو أنه توخّى تجميد التحقيق في انفجار مرفأ بيروت. عزز هذا الاهتمام تحرّك أهالي الضحايا والمتضررين من الانفجار في الشارع.

4- يرتبط اختيار المحقق العدلي الجديد بالمهمة المنوطة به، وهي أن لا يقع في الثغرة التي خلّفها وراءه سلفه الذي بدأ من خاتمة الحدث. ما يُدعى إليه الخلف، تبعاً لمراجع قضائية معنية، أن يبدأ من الشق الرئيسي المتصل بالانفجار نفسه وهو واقعة 4 آب، وكيفية حصولها – ناجمة عن عمل إرهابي أم عن تقصير – قبل الخوض في المسؤولية التقصيرية والإدارية، وقبل البحث في الجهات التي أتت بنيترات الأمونيوم؟ من شأن هذه المقاربة الفنية والتقنية إيجاد حلول أولى لمشكلات جمة مرتبطة بالانفجار، بدءاً بالتحقق من طبيعته، وصولاً إلى إنهاء الشكالية العالقة بين الأهالي المتضررين وشركات التأمين التي تنتظر تحديد طبيعة الانفجار، خصوصاً أن تقارير الأجهزة الأمنية تحدثت عن حريق تسبب بالانفجار، فيما تتذرع شركات التأمين بحصول عمل إرهابي لم تتحقق من أدلته. من ثم تتشعب التحقيقات في مصدر المواد المتفجرة والمسؤوليات المترتّبة على الإهمال والتقصير.