Site icon IMLebanon

لمَ امتنعت باريس عن المشاركة في التحقيق باغتيال سليم؟

كتب أحمد الأيوبي في “اللواء”:

عملت فرنسا على تثبيت حضورها في لبنان بشكل وثيق من خلال مشاركتها في تطبيق القرار 1701 ونشر قواتها في النطاق الجغرافي لهذا القرار بعد عدوان العام 2006، لتقوم باعتماد سياسة التواصل مع أهالي الجنوب من خلال مشاريع لدعم البيئة المحيطة بها، في سبيل تخفيف التوتر وكسر الحواجز التي واجهت قوات اليونيفيل مع “الأهالي” عند بدء انتشارها جنوب نهر الليطاني.

في العام 2007 دعت باريس إلى مؤتمر سان كلو الذي فتح النقاش لأول مرة بشكل واضح حول المثالثة بخلفية تنسيق مع طهران، ومنذ ذلك الحين، ومحاولات الالتفاف على اتفاق الطائف وعلى الدستور، من خلال الثلث المعطل، و”الوزير الملك”، الذي برز في اتفاق الدوحة، والتوقيع الرابع للسيطرة والتحكّم بمالية الدولة، واللافت في كلّ هذه المحطات أنّ الإدارات الفرنسية المتعاقبة، لم تغيّر سلوكها السياسي، بل إنّها نقلت عملياً رعايتها من الموارنة ومن لبنان الذي أعطي مجده لسيد بكركي، إلى الشيعة، و”مقاومتهم” ودورهم الفاعل في تحالف الأقليات الذي نسجته باريس منذ إعادة مؤسّس الجمهورية الإيرانية الإمام الخميني من باريس إلى طهران.

أيّ دور فرنسي في الجنوب؟

دأبت القوات الفرنسية العاملة في إطار اليونيفيل على تنفيذ مشاريع تنموية في نطاق انتشارها، ومنها بلدة صريفا الواقعة ضمن نطاق القرار 1701، ومن هذه الأنشطة ما وقع في 19 شباط 2007، عندما وجّهت الكتيبة الفرنسية وقائدها دعوات عدة إلى رؤساء بلديات ومختاري وفاعليات مناطق انتشار الكتيبة الفرنسية في أقضية: بنت جبيل، مرجعيون وصور، من أجل لقاءات تشاورية، حول رؤية هذه المرجعيات للكتيبة الفرنسية واحتياجات المنطقة، وللتداول في مختلف الشؤون الحياتية والاجتماعية وما يمكن أن تقدمه الكتيبة الفرنسية من خدمات لأبناء القرى التي تشملها الرعاية الأمنية الفرنسية في إطار اليونيفيل.

ركّز الفرنسيون على أن المهمة الأساسية لدى الكتيبة الفرنسية هي مساعدة الجيش اللبناني؛ وتقديم المساعدات الإنسانية للجنوبيين التي تشمل التنظيفات وتعزيز المدارس وتقديم المساعدات الزراعية والعمل في مجال نزع الألغام، وكذلك في المجال الثقافي؛ وهذه المساعدات لا تندرج ضمن القرار الدولي 1701.

وبتاريخ 2014-08-22 جرى توقيع اتفاق بين مكتب التعاون العسكري والمدني في القوات الفرنسية العاملة في اطار اليونفيل وبين بلدية صريفا ممثلة برئيسها الدكتور محمد نزال، على الهبة المقدمة إلى أهالي بلدة صريفا وهو عبارة عن فلتر لتكرير المياه، جرى تدشينه في احتفالٍ لاحق بحضور قائد القوات الفرنسية.

بتاريخ 15 شباط 2018، أقامت الكتيبة الفرنسية العاملة في إطار “اليونيفيل” حفل تدشين مسرح قدمته الكتيبة هبة لمدرسة صريفا الرسمية، في احتفال حضره قائد وحدة احتياط القائد العام العقيد ديو سيول وعدد من ضباط ورتباء وافراد الكتيبة الفرنسية و”اليونيفيل”، ومدير المدرسة حسين رمضان وفاعليات تربوية وبلدية.

صريفا مسرح نشاط القوة الفرنسية

هذا النموذج من التقديمات يذكّر بأنّ القوات الفرنسية حاضرة وموجودة في بلدة صريفا وهي تتحرك على أساس أنها في نطاق مسؤولياتها.

لذلك، عندما وقعت عملية اغتيال لقمان في البلدة، كان لا بدّ من ربط الدور الفرنسي بالمسؤولية وبما ينصّ عليه القرار 1701، في ضوء الملاحظات الآتية:

– وقع لقمان سليم بأيدي قاتليه في بلدة صريفا الواقعة جنوب نهر الليطاني والخاضعة للقوات الدولية وبالتالي للقرار ١٧٠١.

– إنّ قطاع العمليات الذي تقع بلدة صريفا من ضمنه خاضع للكتيبة الفرنسية مباشرة.

– من بين ما ينص عليه القرار ١٧٠١ أن تكون منطقة جنوب الليطاني خالية من المسلحين والتنظيمات المسلحة والسلاح غير الشرعي.

– ينص القرار ١٧٠١ على أنّ من ضمن مهمات اليونيفيل حماية المدنيين.

– مسؤولية الأمم المتحدة والقوة الفرنسية تولّي التحقيق وكشف الحقيقة أو على الأقل القيام بتحقيقاتها الخاصة الأمنية والعسكرية الموازية للتحقيق القضائي اللبناني.

– صحيح أنّ الكتيبة الفرنسية تخضع لقيادة الامم المتحدة، لكنّ الصحيح أيضاً أن فرنسا عضو دائم في مجلس الأمن، وبالتالي تشكل جزءاً مهما من “قيادة” الأمم المتحدة عموماً ومجلس الأمن الدولي خصوصاً.

يمكن القول إنّ القوات الفرنسية ساهمت بشكل كبير في تفريغ القرار 1701 من مضمونه، من خلال التطبيع مع عودة الظهور المعلن لسلاح “حزب الله” جنوب نهر الليطاني، حتى أصبح أمراً معلوماً ومعلناً، وعاد الإعلام يتعامل معه كأنه حالة طبيعية.

لذلك ليس مستغرباً أنّ السفيرة الفرنسية في لبنان ​آن غريو،​ لم تحضر تشييع لقمان سليم وتأخرت في التعزية، ولم تقم بها إلاّ بعد احتقان دبلوماسي غربي تجاه هذا الموقف، وبعد وصول أصوات الاحتجاج من المجموعات اللبنانية المتضامنة مع عائلة لقمان.

والأسوأ مما تقدّم أنّ السفارة الفرنسية رفضت التعاون في مسألة التحقيق في اغتيال سليم وابتعدت كلياً عن هذا الملف، وتنصّلت من واجباتها، سواء المتعلقة بحقوق الإنسان، أو بدورها كقوة ضامنة للأمن والاستقرار في نطاق القرار 1701، يضاف إلى ذلك موقفها الغامض والملتبس من جريمة تفجير مرفأ بيروت التي لا يستبعد أن يكون لقمان أحد ضحايا البحث عن حقيقتها، خاصة عندما ربط بين سفينة الموت وتجار النظام السوري.

مغامرة ماكرون الخاسرة

ربما يعتقد الرئيس ماكرون أنّ باستطاعته تمرير المراحل بكلّ ما تحتويه من كوارث وجرائم من دون الالتزام بالسعي للحفاظ على الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكنّ ما لا يعلمه عن كلّ محور حلف الأقليات، أنّه يبحث دائماً عن التفاهم مع الولايات المتحدة الأميركية، وأنّه يعطي للفرنسيين من اللسان حلاوة على سبيل تمرير الوقت، ولن تأخذ باريس أكثر مما أخذته حتى الآن من مصالح محدودة مع إيران وميليشياتها في المنطقة، لكنها تغامر بخسارة العمق العربي، وهي في مواجهة النفوذ التركي.