كتب علي عواد في “الاخبار”:
أكثر من 200 مليون شخص حول العالم، بحسب موقع «بلومبرغ»، خضعوا للقاح «كورونا»، بعد أقل من ثلاثة أشهر على بدء حملات التلقيح. كمية الإنتاج الحالية للّقاحات غير كافية، وخصوصاً أن كل عملية تلقيح تتطلب جرعتين (باستثناء جونسون إند جونسون) لكل شخص، ما يعني ــــ نظرياً ــــ الحاجة الى 16 مليار جرعة تقريباً لتلقيح كل سكان العالم. وهذا ما لن يحصل حكماً السنة الجارية أو السنة المقبلة (بعض التقارير تتحدث عن الحاجة الى ما بين 4 و6 سنوات). ويزيد الأمور سوءاً أن شركات الأدوية تجد نفسها في سباق مع متحوّرات للفيروس، باتت تشكل تهديداً حقيقياً يمكن أن يعيد عدّاد الملقّحين الى الصفر. وإلى السؤال الذي يشغل سكان العالم حول أي من اللقاحات هو الأنسب، يُضاف اليوم سؤال آخر حول إمكان تمديد الفترة الزمنية بين جرعتي كل لقاح لتحصين العدد الأكبر الممكن، وهل التلقيح بجرعة واحدة كافٍ لمنع الإصابة الشديدة التي تتطلب دخول المستشفى؟
الباحثان الكنديان دانوتا سكورونسكي من مركز كولومبيا البريطانية للسيطرة على الأمراض، وجاستون دي سيريس من المعهد الوطني للصحة العامة في كيبيك، أكّدا في مقالة نُشرت في مجلة «نيو إنغلاند أوف ميديسين» (New England Journal of Medicine) الطبية أن في الإمكان تمديد الفترة الزمنية (21 يوماً) بين جرعتَي لقاح «فايزر» بما يتيح أن يشمل التلقيح بالجرعة الأولى أكبر عدد ممكن من السكان. وأوضح الباحثان أن الجرعة الأولى سجلت نسبة فعالية بلغت 92.6% بناءً على الوثائق التي قدمتها «فايزر» إلى إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA). ورغم الإشارة الى أنه قد يكون هناك «عدم يقين بشأن مدة الحماية عبر جرعة واحدة»، إلا أن إعطاء الجرعة الثانية بعد شهر من الجرعة الأولى «يوفر فائدة قليلة إضافية على المدى القصير».
مجلة «لانست» الطبية نشرت الأسبوع الماضي، أيضاً، دراسة إسرائيلية شملت 7214 موظفاً في مركز «شيبا الطبي الإسرائيلي»، أكبر مستشفى في كيان العدو، بيّنت أن اللقاح كان فعّالاً بنسبة 85% في الوقاية من أعراض «كورونا» في غضون 15 إلى 28 يوماً من الجرعة الأولى. ورغم تحذير الخبراء من أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث، وإعلان شركة «فايزر» أن «تغيير المدة الزمنية بين الجرعات أمر لم يتم تقييمه بعد»، إلا أن هذه النتائج تفيد بأن المناعة القوية تتولد بعد جرعة واحدة، وبالتالي يمكن تأجيل الجرعة الثانية إلى ما بعد الأسابيع الثلاثة التي حددتها الشركة.
وأعلنت بريطانيا أخيراً أنها بصدد جدولة جرعتي كل من لقاح «فايزر» و«أوكسفورد ــــ أسترازينيكا» بفارق 12 أسبوعاً بينهما، فيما يُتوقع أن تبدأ تجارب على الاكتفاء بجرعة واحدة ونهائية.
من حيث المبدأ، معظم اللقاحات نالت تصريح الاستخدام الطارئ بناءً على تجارب سريرية استخدمت فيها جرعتان من اللقاح، يقول الباحث في العلوم الجرثومية في الجامعة اللبنانية الدكتور قاسم حمزة. ويضيف لـ«الأخبار»: «من المسلّم به طبياً أن جرعة واحدة من أي لقاح مفيدة… لكن حتماً بمقدار أقل من الجرعتين». ولكن، «لا يُنصح بأي تغيير في جدولة الجرعات محلياً من دون أي مستند علمي من الشركة المنتجة». حمزة لفت الى أن الأصوات الداعية الى تمديد الفترة بين الجرعتين سببها ضعف الإنتاج حول العالم والحاجة الى تحصين أكبر عدد ممكن من الناس. و«الهدف حالياً لم يعد القضاء على الفيروس، بل خفض عدد الوفيات وحالات الاستشفاء. وهذا ما تعتقد بعض البلدان أنه يمكن القيام به بجرعة واحدة.
في غضون ذلك، حذّر المركز الأوروبي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها بأن «النسخ المتحوّرة التي قد تكون اللقاحات أقل فاعلية ضدها (…) ستستمر على الأرجح في الظهور». وطلب من مجموعات الأدوية العمل على لقاحات من الجيل الجديد يتم تكييفها لمكافحة نسخ متحورة جديدة. وأعلن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة هذا الأسبوع، وضع برامج تهدف إلى تعزيز عمليات تحديد التسلسل الجيني «Sequencing» الضرورية لمتابعة تطوّر النسخ المتحوّرة ورصد النسخ الجديدة عند ظهورها.
حمزة لفت الى أن لقاح «أوكسفورد ــــ أسترازينيكا» انخفضت فعاليته حتى 20 في المئة تجاه المتحوّر الجنوب أفريقي من كورونا خلال تجارب قامت بها الشركة. وانخفضت فعالية لقاح «جونسون إند جونسون» الى 51 في المئة تجاه المتحوّر عينه. لكنه لفت الى أن هذه النتائج ليست دقيقة 100 في المئة، كون التجربة لم تأخذ في الحسبان فعالية عدة خلايا مناعية أخرى غير الأجسام المضادة مثل الخلايا التائية «T-Cells»، مشيراً الى أنه «حتى لو كانت اللقاحات أقل فعالية على النسخ المتحوّرة، فهذا لا يعني أنها لن تكون فعالة إطلاقاً». وقال إن مناعة القطيع ليست بالضرورة نهاية الطريق أمام الفيروس داخل أي مجتمع. إذ يمكن لأي متحوّر جديد أن يصيب من كوّن مناعة ضد نسخة مختلفة. وذكّر بما حصل في مناوس، عاصمة ولاية الأمازون في المنطقة الشمالية من البرازيل، حيث وصل عدد الإصابات في الربيع الماضي الى 76% من سكانها البالغ عددهم مليونا نسمة. وبعدما ساد الاعتقاد بأن سكان العاصمة كوّنوا مناعة القطيع، عادت نسخة متحوّرة من كورونا (أطلق عليها المتحوّر البرازيلي) الى الانتشار بين سكان مناوس وفي العالم نهاية العام الماضي. وشدد على أهمّية تحديد التسلسل الجيني «Sequencing» للفيروس داخل أي مجتمع، لفهم وترصد انتشار الوباء بشكل أفضل، واحتواء المتحوّرات الجديدة في مهدها ومنعها من الانتشار.