كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”
ينتظر رئيس المجلس النيابي نبيه بري عودة الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري من الخارج للاطلاع منه على ما لديه من معطيات في جولته على عدد من القيادات في المنطقة ليكون في وسعه أن يبني على الشيء مقتضاه مع أنه لا يزال يتمسّك بمبادرته لإخراج عملية تأليفها من المراوحة القاتلة، ولم يقرر حتى الساعة سحبها من التداول، وإن كان تريثه في تحريكها يعود إلى رغبته في إفساح المجال أمام الأطراف السياسية الرئيسة للتمعُّن في بنودها لاتخاذ قرارها النهائي بعيداً عن تبادل الحملات الإعلامية التي يراد منها تقطيع الوقت، فيما لم يعد لبنان يحتمل تراكم الأزمات في ضوء انهيار النموذج الاقتصادي والمالي الذي بات في حاجة لإعادة النظر فيه للتأسيس لمرحلة جديدة من التعافي.
ورأى مصدر نيابي بارز أن مبادرة بري بعناوينها التي استمدّها من خريطة الطريق التي طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان تقوم على تشكيل حكومة مهمة من اختصاصيين ومستقلّين ومن غير المحازبين وتضم 18 وزيراً ولا ثلث ضامن لأي فريق ما زالت موجودة على طاولة المفاوضات رغم أن رئيس الجمهورية ميشال عون يبدي تحفّظه عليها بعد أن انقلب وتراجع عن موافقته على عدد وزرائها لمصلحة رفعه إلى 20 وزيراً.
وكشف المصدر النيابي لـ«الشرق الأوسط» أن الحريري اتصل قبل أن يستأنف جولته الخارجية ببري، وتباحث معه في الاقتراح الذي تقدّم به الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، وأبدى فيه تفهّمه لمطالبة الرئيس المكلف بوزارة الداخلية ورفضه للثلث الضامن في مقابل استرضاء عون ومن خلاله رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بزيادة عدد الوزراء من 18 إلى 20 أو 22 وزيراً.
وفي هذا السياق، قال مصدر سياسي مواكب لاستمرار تعثّر تشكيل الحكومة إن السيد نصر الله لم يطرح مبادرة وإنما تدخّل في محاولة لإيجاد مخرج لفض النزاع بين الحريري وعون ومن معه حول عدد أعضاء الحكومة. وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن الرئيس المكلّف لم يبدِ حماسة لاقتراحه؛ خصوصاً أن مجرد زيادة عدد الوزراء سيتيح لباسيل وحلفائه أو على الأقل من تبقى منهم إلى جانبه الحصول على الثلث الضامن، ما يؤدي إلى تعطيل الجهود الرامية للوصول بالتشكيلة الوزارية إلى بر الأمان.
ولفت المصدر السياسي إلى أن باسيل هو من يفاوض تحت الطاولة وأحياناً من خلال حليفه «حزب الله» وبالنيابة عن عون في ملف تشكيل الحكومة، رغم أنه يدّعي عدم رغبة «التيار الوطني» المشاركة فيها، وقال إن المشكلة تكمن في قرار عون بإخلاء الساحة له للإمساك بورقة التفاوض لعله يتمكّن من إعادة تعويم دوره السياسي؛ خصوصاً أنه يراهن منذ الآن على إحياء المفاوضات بين واشنطن وطهران والتعاون معها بصورة غير مباشرة بأنها ستصب لمصلحته، وإلا ماذا كان يقصد في مؤتمره الذي عقده أمس بقوله إن التطورات الخارجية ستأتي لصالح الحفاظ على لبنان، وبالتالي فإن هناك من يضع تشكيل الحكومة «في الثلاجة» وهذا ما يفسّر عدم ضغط «حزب الله» على حليفه بدلاً من الوقوف على خاطره ومراعاته.
واعتبر أن السيد نصر الله باقتراحه أراد أن يصيب عصفورين بحجر واحد، الأول استرضاء عون – باسيل بزيادة عدد أعضاء الحكومة، والثاني ضمان تمثيل حليفهما المشترك النائب طلال أرسلان في الحكومة، والتأكيد من باب إصراره على عدم إخلاء الساحة لرئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لشغوله منفرداً التمثيل الدرزي في الحكومة؛ خصوصاً أن الاتصالات بين «التقدّمي» و«حزب الله» مقطوعة بعدما اتفقا على تنظيم الاختلاف بينهما.
وسأل المصدر نفسه، لماذا تراجع «حزب الله» عن تأييده لتشكيل حكومة من 18 وزيراً؟ وما هي الضمانة لقطع الطريق على باسيل للحصول على الثلث الضامن؟ وهل جاءت استضافة أرسلان للقاء الدرزي وليدة الصدفة قبل الإطلالة المنتظرة لنصر الله؟ وأوضح أن بري وإن كان يبدي انفتاحاً على حكومة من 20 وزيراً شرط التقيُّد بمبادرته، فإنه يربط موافقته النهائية بموافقة الحريري، وسأل عن الأسباب الكامنة وراء عدم صدور موقف فرنسي ضاغط يستهدف مَن يعرقل تشكيل الحكومة، كما تعهّد ماكرون للرئيس المكلف الذي استجاب لرغبته والتقى عون في محاولة لإعادة التواصل من جهة وللتأكيد منه على عدم مقاطعته على خلفية الاتهام الذي وجّهه له بالكذب؟
وأضاف؛ لقد مضى على لقاء عون – الحريري أكثر من أسبوعين ولم يصدر أي ردّ فعل فرنسي مع أنه انتهى من دون أن يحقق تقدّماً يدفع باتجاه تزخيم المشاورات للعبور بتأليف الحكومة إلى بر الأمان مع أن أحداً لا يطلب من باريس أن توجّه لوماً شديد اللهجة إلى باسيل قد يصل إلى محاصرته بمقدار ما أنه يراهن على أن هناك ضرورة لتصحيح الخلل الناتج عن انعدام التوازن بسبب مضي عون في موقفه الرافض للتعاون مع الحريري.
واعتبر المصدر السياسي أنه من غير الجائز الانتظار إلى حين تبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود حيال احتمال استئناف المفاوضات الأميركية – الإيرانية برعاية أوروبية، وقال إن مجرد وضع الانهيار على لائحة الانتظار يعيدنا بالذاكرة إلى الرهان على أن الحكومة سترى النور فور انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، مع أن لبنان في حاجة ماسة إلى تحقيق توافق دولي – إقليمي يؤمّن له التأسيس للانتقال إلى مرحلة الإنقاذ.
وأخيراً، لا بد من رصد ردود الفعل على المؤتمر الصحافي لباسيل الذي حاول مراراً أن يبعد عنه وبالنيابة عن عمه عون تهمة تعطيل تشكيل الحكومة بمطالبتهما بالثلث الضامن وصولاً إلى مخاطبة المجتمع الدولي بموقف تصالحي بقوله خذوا الحكومة واعطونا الإصلاحات على أن تكون مقرونة بالأفعال وبالشروط التي أدرجها، أي باسيل، للوصول إليها، لكن يا ترى من يصدّق أن باسيل لا يريد شيئاً لنفسه؟