Site icon IMLebanon

مرفأ بيروت ضحية سلاح “الأسد” الكيميائي؟

يوماً بعد يوم تتكشف خيوط إضافية عن لغز تفجير مرفأ بيروت، وصلة مفترضة تجمع شحنة نيترات الأمونيوم التي فجرت مرفأ العاصمة وشبكة عالمية من شخصيات وشركات واجهة مرتبطة بالنظام السوري وحزب الله.

هذا ليس من باب الصدفة، إذ أن النظام السوري قد عمد بعد فرض العقوبات الأميركية والأوروبية عليه في العام 2012 إلى إيجاد طرق بديلة وشبكة من الشركات الوهمية لضمان تدفق النفط والأسلحة إليه والمواد المتفجرة عبر البواخر، وأمّن شبكة علاقات مع دول روسيا وأذربيجان وجورجيا.

بحيث تصل هذه الشحنات من قبل الموردين إلى شركات في سوريا أو شركات واجهة لحزب الله تتغير باستمرار وذلك عبر مرفأ بيروت، ثم ينقلها الحزب مباشرة إلى سوريا.

عبد النور شعلان.. الرجل الحاسم في شراء الأسلحة

من أهم المشتبهين المزعومين في هذه الشبكة، عبد النور شعلان وهو رجل أعمال لبناني له صلات وثيقة مع قيادة حزب الله، “الشخص الرئيسي لحزب الله فيما يتعلق بمشتريات ونقل الأسلحة والمواد المتفجرة”، وفق ما أكد مدير برنامج راينهارد “Reinhard” لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى د.ماثيو لوفيت Matthew Levitt للعربية.

وبفضل سنوات خبرته الطويلة في شراء الأسلحة لكل من حزب الله ونظام الأسد، كان شعلان في وضع جيد للعب دور حاسم في شراء الأسلحة للحزب في سياق الحرب السورية. وقد أدرجته وزارة الخزانة الأميركية على لائحة العقوبات في تموز 2015.

ولعب شعلان مركز الوساطة في صفقة تجارية تضم حزب الله ومسؤولين سوريين وشركات في بيلاروسيا وروسيا وأوكرانيا فيما يتعلق بشراء الأسلحة في 2010.

كما حصل على عدد من الأطنان من مادة أنهيدريد Anhydride، التي تستخدم في إنتاج المتفجرات والمخدرات، لاستخدامها من قبل حزب الله، وفق “لوفيت”.

رجال أعمال “الأسد” ومصرف “FBME”

شعلان هو عضو من شبكة كبيرة معقدة من رجال أعمال لبنانيين وسوريين يعملون لصالح نظام الأسد، يتحايلون على العقوبات الأميركية عبر شركات واجهة لتمويل شراء نيترات الأمونيوم والمواد المتفجرة والأسلحة لصالح النظام.

وهنا يبرز اسم مصرف “FBME” في قبرص، يملكه الأخوان اللبنانيان فريد وفادي صعب، الذي منح تمويلاً بقيمة 4 ملايين دولار في 4 تشرين الأول 2011 لشركة تعود لرجل الأعمال القبرصي charalambos Manoli ومالك سفينة “روسوس” التي حملت نيترات الأمونيوم إلى لبنان، بحسب ما نقلت “OCCRP” المنظمة الصحفية الاستقصائية المتخصصة في الجريمة المنظمة والفساد.

مع العلم هنا، أن نقابة المحامين اللبنانية كانت قد طلبت من السلطات البريطانية في 25 كانون الثاني وقف تصفية طوعية لشركة مسجلة في بريطانيا “سافارو ليمتد”، التي اشترت نيترات الأمونيوم، بسبب صلات محتملة لها بانفجار مرفأ بيروت، بحيث أن السماح لها بالتصفية “قبل نهاية الإجراءات القضائية سيسمح لكيان متهم بالتهرب من العدالة”.

ومن لا يعرف هذا المصرف المعروف سابقاً باسم “فيدرال بنك الشرق الأوسط”، فله تاريخ طويل في غسيل الأموال وتمويل الإرهاب والجرائم المالية، وهو ومدرج على لائحة العقوبات الأميركية منذ 22 تموز العام 2014 ووضع تحت وصاية المركزي القبرصي.

ووراء هذا المصرف “FBME”، شبكة من الشركات التابعة للنظام السوري وحسابات ضخمة لأثرياء روس وسوريين تحكموا بهذا المصرف عبر طرق تحايلهم في غسيل الأموال وشراء الأسلحة والمواد المتفجرة التي تدخل في برنامج الأسد الكيميائي.

ووفق “FinCEN” وهو مكتب تابع لوزارة الخزانة الأميركية، فإن FBME قد سهل التهرب من العقوبات الأميركية من خلال قاعدة عملائه الواسعة من الشركات الواجهة.

مركز الدراسات السوري “SSRC” عميل المصرف

ومن أبرز عملاء FBME، شركة واجهة لكيان سوري يخضع لعقوبات أميركية، وهو مركز الدراسات والبحوث العلمية (“SSRC”)، والذي تم تحديده باعتباره ناشراً لأسلحة الدمار الشامل وصناعة الأسلحة الكيمائية. حيث استخدمت الشركة الواجهة SSRC حساب FBME الخاص بها لمعالجة المعاملات من خلال النظام المالي الأميركي.

ووفق مصدر أميركي موثوق، فإن البنك كان في مرمى نيران الحكومة القبرصية الحالية، التي كانت في السلطة منذ عام 2013.

“وكان بنك FBME أحد البنوك المستهدفة في جهد قبرصي أميركي مشترك، امتد على كل من أوباما وترمب للحد من التمويل غير المشروع، والأمل هنا يبقى في مدى تمكن قبرص من تطهير البنوك التي يمكن استغلالها لأغراض تمويل حزب الله أو أي نشاط خبيث آخر”.

وهنا يطرح السؤال نفسه: إذا كان للمصرف عمليات مشبوهة مع مركز البحوث السوري وفق وزارة الخزانة الأميركية، وموّل أيضا مالك سفينة روسوس، فألا تبرز العلاقة هنا بأن الوجهة النهائية لحمولة سفينة مرفأ بيروت كانت إلى النظام السوري؟

شركات النظام السوري و”النيترات”

يرسم التدقيق في حسابات مصرف FBME، والتي قامت بها شركة “إرنست آند يونغ” ERNST AND YOUNG، خطوط التقاء بين مؤسسات تابعة للنظام السوري ونيترات الأمونيوم.

من بين هذه الشركات شركة “Balec Ventures”، التي تملك حسابا مصرفيا في FBME ويملكها رجل الأعمال السوري عيسى الزيدي المدرج على لائحة العقوبات الأميركية في 16/10/2014، وهو يدير شركتين إضافيتين في قبرص أيضا مدرجتين على لائحة العقوبات وهما ” Piruseti entreprises LTD” و “Frumineti investments LTD”، لتورطهما في شراء بضائع وأسلحة للنظام وبالتحديد لمركز الدراسات والبحوث العلمية في سوريا.

ووفق تقرير أعده “S&P global market intelligence “، فإن شركة Balec قد أجرت معاملات بالدولار الأميركي بقيمة 507 ملايين دولار باستخدام حساب FBME بين نيسان 2006 وتموز 2014.

واللافت أن العنوان المسجل لشركة “Balec” في موسكو “المكتب رقم 13، البيت 14 في شارع Gubkina”، هو نفسه العنوان المسجل لـ16 شركة أخرى تستخدم FBME وتنتمي في النهاية إلى عيسى الزيدي، في دليل واضح على أنها شركات وهمية تضليلية في إطار العمليات غير المشروعة.

مدلل خوري.. تسهيلات مالية لسوريا وشراء النيترات

القصة لا تقف عند هذا الحد، بل يظهر هنا اسم رجل الأعمال السوري الروسي مدلل خوري، إذ وفقاً لسجلات تدقيق FBME، فإن عيسى الزايدي كان يعمل لصالح شبكة خوري في شركة ” Progress Plaza “.

وقد أدرج مدلل خوري على لائحة العقوبات الأميركية في 2014 لمساعدته المادية والعمل نيابة عن الكيانات والأفراد المحددين سابقاً بما في ذلك الحكومة السورية ومصرف سوريا المركزي ومحافظ مصرف سوريا المركزي أديب ميالة والمسؤولة في مصرف سوريا المركزي بتول رضا.

وكان لخوري علاقة طويلة بنظام الأسد ويمثل مصالح النظام التجارية والمالية في روسيا.. كونه يملك إلى جانب رجل الأعمال الروسي الثري Kirsan Ilyumzhinov بنك التحالف المالي الروسي (RFA Bank) الذي أدرج أيضا على اللائحة السوداء في 25 تشرين الثاني 2015.

ولكن المفاجأة تكمن في أن مدلل خوري عمل كوسيط بين بتول رضا وشركة روسية في محاولة لشراء نيترات الأمونيوم في أواخر عام 2013، وفق وزارة الخزانة الأميركية… ما يعزز مرة أخرى اشتباه النظام السوري في شراء شحنة نيترات الأمونيوم التي أبكت بيروت.

تحويلات مالية بين “Balec” و”Hesco”

أمّا الطرف الثالث هنا، فهو رجل الأعمال السوري جورج حسواني الذي فرضت عليه عقوبات أميركية في 2015، هو وشركته “هيسكو للهندسة والإنشاءات”.

شريك حسواني في شركة “هيسكو” يوسف ميخائيل عربش، الذي حصل على وسام القديس سيرجي رادونيجسكي ” St. Sergey Radonezhsky” من بطريرك موسكو.

ومن خلال تلك العلاقة الوثيقة ، تمكنت شركة Stroytransgaz الروسية من العمل في سوريا، وواصلت عملها عبر HESCO في المناطق الخاضعة لسيطرة داعش، بحسب ما نقلت منظمة ” Pro Justice”.

وللمفارقة، أن تدقيق حسابات مصرف FBME الذي أعدته “أرنست آند يونغ”، يظهر أن بين تموز 2013 وآب 2013، جرت تحويلات مالية بين “balec” و”Hesco”،.. أي بنفس الوقت الذي اشترت فيه شركة “سافارو” نيترات الأمونيوم من جورجيا في 10 تموز 2013.

وكان كل من حسواني وخوري قد نفيا في وقت سابق علاقتهما بشركة “سافورو” التي اشترت نيترات الأمونيوم وحملتها باخرة “روسوس” إلى بيروت.