Site icon IMLebanon

هل تبنى جعجع مقاربة سياسية جديدة؟

كتب د.ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:

فاجأ رئيس حزب القوات اللبنانية د ..سمير جعجع الأوساط السياسية بمواقف جديدة، كان أبرزها طلبه الصريح من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الاستقالة وعدم المزاودة بالحفاظ على حقوق المسيحيين، وحمله مع فريقه مسؤولية انحلال الدولة، منبها من خطر ضياع لبنان إذا بقي الوضع على ما هو عليه، وقال: لو حصلت الانتخابات النيابية المبكرة منذ سنة وأربعة أشهر لكنا وفرنا على الناس هذه المآسي التي تعيشها اليوم.

يتبين من مضمون مواقف جعجع ونواب كتلة الجمهورية القوية التي يترأسها، اعتماد مقاربة سياسية جديدة تتماهى مع مواقف البطريرك بشارة الراعي في طلب التدخل الدولي لإنقاذ لبنان، وهو يقترب خطوة باتجاه حليفه السابق رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ويبحث عن تذليل بعض العقبات التي تحول دون تعاونه مع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري. وقد كان واضحا امتعاض الفريق الآخر من تصريحات جعجع، بعد هدنة غير معلنة بينه وبين فريق الممانعة الممسك بالسلطة – خصوصا مع التيار الوطني الحر وحزب الله – واعتبر البعض مراعاة جعجع لهم بأنها مراهنة على انتظار رد الدين من التيار لجعجع بتزكيته لرئاسة الجمهورية في الاستحقاق القادم بعد أن سلفهم جعجع موقف أدى الى وصول عون للرئاسة، والمراعاة ايضا هي محاولة من جعجع لعدم إغضاب حزب الله لأن الحزب قادر على منع العملية الانتخابية الرئاسية وتعطيل نصاب الجلسات بقوة الأمر الواقع، كما حصل بين العام 2014 والعام 2016.

تقول أوساط سياسية مواكبة: إن جعجع اقتنع أخيرا بأن موازين القوى هي التي تفرض انتخاب الرئيس وليس عدد النواب فقط، وتطلعه الى الوصول لترؤس أكبر كتلة نيابية مسيحية من خلال انتخابات مبكرة، وبالتالي المطالبة بحق الوصول للرئاسة كما حصل مع عون، لا تعني شيئا إذا ما بقيت المعادلة القائمة مهيمنة على البلد، حيث قوى الممانعة تمسك بمفاصل السلطة، وتتحكم بالأرض، وبالتالي فهي قادرة بسهولة على الوصول الى ما تريد، او تعطيل ما لا تريد على أقل تقدير، ومراعاة جعجع لفريق الممانعة، لا تعني أي شيء، فمن المستحيل أن يتبنى هذا الفريق ترشيح جعجع للرئاسة مهما هادنهم، ومهما سلفهم من مواقف، فهؤلاء يحملون رؤية تتعارض جوهريا مع الرؤية التي يحملها جعجع. كما أن الانتخابات النيابية المبكرة بالقانون الطائفي الحالي، قد تضمن لجعجع زيادة بسيطة في عدد كتلته النيابية، ولكنها لا تضمن الوصول الى أكثرية نيابية تستطيع أن توصله الى الموقع الرئاسي الأول.

يبدو واضح أن د.جعجع ربح بعض التعاطف في الشارع المسيحي من جراء الخسارة الواضحة لمنافسيه في التيار الوطني الحر المسؤولين عن الكارثة التي وقعت في البلد ودفع ثمنها المسيحيون أكثر من غيرهم، ولكن رصيد جعجع على المستوى الوطني العام تراجع بعض الشيء من جراء انكفائه السابق، وتمايزه مع أقرب المقربين من الحلفاء، خصوصا حول الأولويات السياسية، ومن جراء تمسكه بقانون الانتخاب الذي أفاده بعض الشيء، ولكنه أفاد أخصامه أكثر، وأعطى قوى الممانعة التي تريد تغيير وجهة البلاد أكثرية نيابية، والقانون سيؤدي الى تراجع مكانة المسيحيين مع الوقت، لأن قوة هؤلاء هي في قدرتهم على احتضان الفسيفساء اللبناني، وفي دورهم الأساسي بقيادة «بلد الرسالة» بنظام مدني علماني، وليس من خلال حصول أحزابهم على بعض المقاعد النيابية الإضافية، ودائما وفقا لرأي الأوساط السياسية ذاتها.

القوى التي ترفع شعار الحفاظ على سيادة لبنان واستقلاله وحياده، تتطلع لموقف جعجع بإيجابية، لأن استمرار المساكنة مع فريق رئاسي أوصل البلاد الى الخراب، سيزيد من منسوب الدمار، ورحيل الرئيس خطوة نحو البدء بعملية الإنقاذ، لأنه أصبح عقبة كأداء أمام الشروع بالإصلاح، ولا يبدو أنه مازال ذا قدرة على متابعة ما يجري، ونهجه يساهم في تدمير ما تبقى من سلطة قضائية، وينهك الجيش والقوى الأمنية التي تتأثر بحالة الفقر المدقع vaوالاختناق المعيشي أكثر من غيرها. أن عملية تعطيل انتخاب رئيس جديد لم تعد متاحة للفريق المعطل كما في السابق، لأن الظروف الدولية تغيرت على شاكلة واسعة، ولبنان لم يعد متروكا كما كان في العشر سنوات الماضية