كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
استغرب مصدر سياسي كيف أن رئيس «التيار الوطني الحر»، النائب جبران باسيل، يقدّم نفسه للبنانيين على أنه وحده لديه القدرة على إنقاذ لبنان ووقف انهياره، وأن مبادرته تشكّل الإطار الوحيد لإخراجه من التأزّم الذي لا يزال يراوح فيه، وهو الذي أقحم نفسه في اشتباكات سياسية مع جميع الأطراف، أكانوا مسيحيين أو مسلمين، باستثناء حليفه «حزب الله»؟ وأضاف أن باسيل قرر التموضع تحت عباءة «حزب الله»، بصفته من يمد له حبل النجاة للاستمرار في معاركه مع الآخرين التي يريد من خلالها الدخول في تصفية الحسابات بالنيابة عن رئيس الجمهورية ميشال عون الذي أحجم عن الرد على ما قاله الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري في الذكرى السادسة عشرة لاغتيال والده، رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وأوكل إليه مهمة الإطاحة بالجهود الرامية لتأليف الحكومة الجديدة.
وسأل المصدر السياسي: «يا ترى مع من يريد باسيل التوصل إلى حل سياسي؟ لقد فتح النار على جميع القوى السياسية في الشارع المسيحي، من حزب (القوات اللبنانية) إلى حزب (الكتائب)، مروراً بتيار (المردة)، متهماً هؤلاء بالتفريط بحقوق المسيحيين، والتلهّي بخوضهم المعارك الجانبية ضد (التيار الوطني الحر)!».
وقال المصدر نفسه إن هجوم باسيل على خصومه في الشارع المسيحي ينسحب على الآخرين في الشارع الإسلامي، بدءاً من الحريري، مروراً برئيس المجلس النيابي نبيه بري، انتهاءً برئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط. وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن باسيل «يمتهن التعطيل ووضع العراقيل في وجه الحلول، وهذا أمر غير مستغرب، وهو يكرر ما كان يقوم به في السابق طوال فترة تولّيه الوزارات، بشهادة رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا على السلطة، واصطدموا بعناده وإصراره على منع تفعيل العمل الحكومي».
ولفت إلى أن باسيل يقدّم نفسه على أنه يشكّل رأس حربة للدفاع عن حقوق المسيحيين واستردادها من المسلمين، وقال إنه يتمادى في «تطييف» الصراع السياسي القائم في البلد، ويحاول العودة إلى المربع الأول؛ أي إلى نقطة الصفر، سواء من خلال استحضاره «حروب الإلغاء» التي قادها عون في أثناء تولّيه رئاسة الحكومة العسكرية، بذريعة توحيد البندقية المسيحية، واقتصاصه من «القوات»، أو لـ«حروب التحرير» التي شنّها ضد تحالف الأحزاب المناوئة له في المناطق الخاضعة لنفوذ تحالف بري – جنبلاط.
ورأى المصدر السياسي أن «باسيل الذي هو بمثابة الرئيس الظل قرر أن ينوب عن عون في خوضه لحروب سياسية عبثية، مع أنه يدرك سلفاً أن هذه الحروب أصبحت من الماضي، وسترتد عليه آجلاً أم عاجلاً، لأنه يفتقد إلى مقومات الصمود في وجه الرفض الإسلامي والمسيحي للعودة إلى إقحام البلد في صراعات طائفية ومذهبية».
وعد أن باسيل سيصطدم بسد منيع يقطع عليه الطريق للعودة بالبلد إلى خطوط التماس التي كانت قائمة طوال اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، خصوصاً أن العامل الفلسطيني لم يعد موجوداً للتحريض على الفلسطينيين، تحت عنوان أن قيادتهم تخطط لوضع يدها على لبنان، بصفته وطناً بديلاً لهم، وقال: «إنه يستعدي الجميع في الوقت الذي يحرّض فيه على فريق إسلامي بأنه يصادر حقوق المسيحيين، وبالتالي لم يبقَ إلا هو في الميدان لاستردادها».
وأكد المصدر نفسه أن «باسيل بفتحه النار على جميع خصومه ما هو إلا نسخة طبق الأصل عن عون عندما قرر في أثناء تولّيه رئاسة الحكومة العسكرية أن يوصد الأبواب في وجه السماح للبرلمان بانتخاب رئيس جمهورية جديد، خلفاً للرئيس المنتهية ولايته آنذاك أمين الجميل، ما اضطره إلى إخلاء قصر بعبدا بعد العملية العسكرية التي استهدفته، ولجأ إلى السفارة الفرنسية، ومنها إلى منفاه في باريس».
وأضاف أن باسيل «يقف عائقاً الآن في وجه تشكيل حكومة جديدة، ويحاول القفز فوق الجهود الرامية إلى تذليل العقبات التي تعترض ولادتها، بتقديمه المشكلة على أنها محصورة باسترداد حقوق المسيحيين». وقال إنه يعود عن سابق تصور وتصميم بالبلد 30 سنة للوراء، من خلال تصميمه، كما فعل عون سابقاً، على استعداء جميع القوى السياسية، وبالتالي لم يعد له من حليف سوى «حزب الله».
وسأل المصدر: «مع من يود باسيل التوصل إلى حل؟ وهل يعتقد أن (حزب الله) يمكن أن يضع ما لديه من فائض قوة يستخدمه لإلزام خصومه بشروطه لتشكيل الحكومة، مع أنه قرر أن يتنازل عن مشاركته بإطلاق يدهم بتأليفها، في مقابل التسليم له بالإصلاحات، على أن يصار إلى دفع الفاتورة سلفاً؟».
وقال إن باسيل «يخطئ إذا كان يعتقد أنه يأخذ (حزب الله) إلى ملعبه، ويستخدم نفوذه في مواصلة حروبه ضد الآخرين من دون أن يحرّك ساكناً»، وأكد أن «للحزب حسابات غير تلك الموجودة في ذهن رئيس (التيار الوطني الحر)، وإن كان يمنحه الفرصة لبعض الوقت لعله يتمكن من أن يستعيد ما أخذ يخسره في الشارع المسيحي، بذريعة أن خسارته هذه ناجمة عن العقوبات الأميركية المفروضة عليه، على خلفية رفضه فك ارتباطه بـ(حزب الله)».
ورأى المصدر السياسي أنه «لا مصلحة لباسيل في الالتحاق طوعاً بـ(حزب الله)، لما يترتب عليه من أضرار دولية وعربية، مع أن علاقته بالمجتمع الدولي في حاجة إلى ترميم، لخروجه على قرارات الحكومات السابقة بالنأي بلبنان عن الحروب المشتعلة في المنطقة».
وبكلام آخر، فإن باسيل يلعب ورقته الأخيرة لعله يستطيع الصمود في وجه الضغوط الدولية، وإن كان يتصرف كأن المبادرة الفرنسية في حاجة إلى رافعة دولية لإعادة الاعتبار لها. وتابع المصدر: «إن باسيل يخطئ في رهانه على أن (حزب الله) سيوفر له الدعم إلى ما لا نهاية، لأن لحليفه حسابات تبقى متطابقة مع الموقف الإيراني، ولن يفرّط فيها لأنها تشكل ورقة ضغط لطهران يمكن أن توظفها في حال أن الوساطة الأوروبية أعادت الاعتبار للحوار الأميركي – الإيراني».