كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
تلقّف رئيس الجمهورية ميشال عون سريعاً، حماسة رئيس مجلس النواب نبيه بري لإجراء الانتخابات النيابية الفرعية لملء شغور عشرة مقاعد بعد وفاة نائب رئيس مجلس النواب السابق ميشال المر والنائب جان عبيد، وعاجل تحديد موعد سريع لوزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي الذي سبق له أن وضع مشروع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة ووجّهه إلى رئيس الحكومة حسان دياب.
المشروع ذاته الذي وضعه وزير الداخلية، يتضّمن أيضاً الأسباب التي قد تحول دون اتمام هذه العملية وفق الموعد المحدد لها، تحت عنوان التعبئة العامة، وذلك استناداً إلى رأي سابق لهيئة التشريع والاستشارات حول تعذر إجراء الانتخابات في حالة التعبئة العامة، التي تنتهي فعلياً يوم 31/3/2021، أي بعد ثلاثة أيام فقط من الموعد المقترح من الوزير فهمي.
في الواقع، يقول وزير الداخلية إنّه تصرف وفق مقتضيات الدستور من خلال تجهيز مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، محدداً موعد الانتخابات الفرعية بـ28 آذار، وهذا يعني اذا ما جرى التوافق على حتمية إجراء الاستحقاق وفق مواعيده الدستورية، يفترض دعوة الهيئات الناخبة قبل 30 يوماً من الانتخابات، أي في 28 الجاري، وهو احتمال مستحيل، لأسباب كثيرة.
على المستوى السياسي، لا يبدو أنّ كل القوى متحمسة لهذا الخيار ولو أنّ الثنائي الشيعي لا يبدي رفضه المطلق لهذا الطرح، إلا أنّ رئيس الجمهورية أبلغ وزير الداخلية بأنّ الظروف الصحية التي تفرضها جائحة كورونا تجعل من الصعوبة فتح مراكز الاقتراع خلال الأسابيع القليلة المقبلة، نظراً لنسبة الإصابات المرتفعة والتي تظهرها نتائج الفحوصات اليومية. وبالتالي إنّ الاحتكام لمندرجات الدستور في هذه الفترة بالذات، قد يعرّض الناخبين لخطر الإصابة بالوباء، وفق تقديرات رئيس الجمهورية، ما يجعله غير متحمس لهذا الخيار، أقله في الوقت الراهن.
إلا أنّ “سيّئي الظنّ” يعتقدون أنّ العهد، كما رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل يهربان من هذا الاستحقاق في الوقت الراهن لكون “التيار” غير مستعد لمواجهته، أقلّه في الأسابيع القليلة المقبلة، وقد تعرّيه صناديق الاقتراع في الشارع المسيحي أو أقلّه تفقده عصا الزعامة، ولو أنّ بعضاً من حلفائه يرون أنّ الخضوع لامتحان صناديق الاقتراع قد لا يكون بالضرورة من خلال ترشيح شخصيات حزبية أو تدور في فلك “التيار الوطني الحر” أو حتى مؤيدة له، ويمكن استبدال هذا السيناريو بسيناريو مختلف كلياً، كدعم ترشيحات من الحراك المدني على سبيل المثال، وكل ذلك في سبيل اختبار المتغيرات التي طرأت على الشارع خلال الأشهر الأخيرة. ولكن حتى هذا الاحتمال، لا يلقى قبولاً لدى “التيار”، خصوصاً وأنّ البعض يعتبر استخدام الرئيس بري ورقة الانتخابات هو من باب الضغط على العهد لا أكثر في ضوء الخلاف الواقع بينهما بسبب مشاورات تأليف الحكومة الجديدة.
في هذه الأثناء، لا يزال المرسوم الذي وجهه وزير الداخلية إلى رئاسة الحكومة، مشروعاً قابلاً للنقاش، اذ تولت رئاسة الحكومة خلال الأيام الأخيرة مخاطبة كل الوزارات المعنية في سبيل تجميع المعطيات المعنية بشأن الاستحقاق ووضع تصور واضح. وعلى هذا الأساس، تمت مراسلة كل من وزارة المال للتأكد من وجود اعتماد كاف لإجراء الانتخابات، وزارة التربية لسؤالها عن مدى جهوزية المدارس في الأقضية التي ستفتح فيها مراكز اقتراع، وزارة الصحة لسؤالها عن رأيها بالوضع الصحي ومدى امكانية اجراء الانتخابات في هذه المدة، وختاماً وزارة الدفاع لسؤالها عن الجهوزية الأمنية.
فعلياً، تقوم رئاسة الحكومة بواجبها للتأكد من مدى امكانية حصول هذا الاستحقاق ولكنها بالنتيجة غير متحمسة لهذا القرار، خصوصاً وأنّ الاجماع مفقود بين مكونات السلطة. بالنتيجة، باتت الكرة في ملعب رئاسة الحكومة لتحدد موقفها من مشروع المرسوم الموجّه إليها، فهل تطلب من وزير الداخلية توقيعه لإرساله إلى قصر بعبدا، أم سيوضع في الأدراج بانتظار ولادة حكومة جديدة، لا تزال حتى اللحظة صعبة ومستعصية على المعالجة؟