تحذّر مرجعية مصرفية بارزة من خطورة إصرار البعض في الداخل اللبناني على شن الحملات المتلاحقة على القطاع المصرفي، عشية اقتراب استحقاق تنفيذ التعميم 154 الصادر عن مصرف لبنان والذي يلزم المصارف بزيادة رأسمالها بنسبة 20 بالمئة، وبتأمين ما نسبته 3 بالمئة من الودائع لديها بالعملات الأجنبية لدى المصارف المراسلة في الخارج.
وتعتبر عبر “المركزية” أن هذه الخطوة التي باتت، عشية اقتراب موعد نهاية الشهر الجاري، على قاب قوسين أو أدنى من النجاح ولو بنسب متفاوتة بالنسبة الى المصارف المعنية، من شأنها أن تؤسس لمرحلة جديدة تسمح للمصارف بانطلاقة جدية وصحيحة وصحية نحو استعادة العافية ولعب الدور المطلوب منها في المساهمة بإطلاق دورة اقتصادية توقفت بفعل السياسات الخاطئة التي اعتمدتها السلطات السياسية بشقيها التشريعي والتنفيذي.
في المقابل، وعوض أن تلقى هذه الخطوة الذي يعمل عليها مصرف لبنان منذ أشهر ما تحتاج إليه من رعاية ودعم ومساندة، فإنها تجابه من المنظومة السياسية بحملات من التحريض التي تسيء الى الأجواء المعنوية المطلوبة لنجاحها. ويعمل أركان هذه المنظومة على التشكيك بها، وصولا الى التشكيك بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتشويه صورته أمام الرأي العام اللبناني والدولي، بهدف إفقاد هذه الخطوة الإصلاحية “والدها الشرعي” وجعلها خطة يتيمة أو لقيطة فيفشلها ويبقي الأمور على ما هي عليه من تدهور.
وترى المرجعية المصرفية بأن الإصرار على الحملات التي تستهدف القطاع المصرفي بشقيه: المصارف التجارية ومصرف لبنان، تارة من خلال الملاحقات القضائية المفتعلة، وأخرى من خلال الدعاية السياسية المغرضة، وأطواراً من خلال تحريض الرأي العام اللبناني وتشويه الحقائق والمسؤوليات أمامه، يصب من الناحية الواقعية في خانة فريقين لهما مصلحة مباشرة في انهيار النظام المصرفي اللبناني، ولو لأهداف قد تبدو متناقضة على أرض الواقع.
فالمنظومة السياسية بقيادة حزب الله ورعايته تريد توجيه الضربة القاضية الى النظام المصرفي اللبناني في إطار الضربات المتلاحقة التي توجهها منذ سنوات الى مكونات النظام اللبناني السياسية والأمنية والعسكرية والثقافية والتربوية والإدارية والدستورية والحزبية والفكرية الخ… بهدف إحلال نظام جديد يتوافق مع الاعتبارات العقائدية والسياسية والاستراتيجية لحزب الله والمشروع الإقليمي الذي يشكل جزءا منه.
في المقابل، فإن إسرائيل التي ساهمت في ضرب دور لبنان الإقليمي على الصعد الثقافية والسياسية والاقتصادية والتربوية والصحية والاستشفائية والسياحية الخ… لها مصلحة اليوم في ضرب آخر أركان هذا الدور اللبناني المميز على مستوى المنطقة والعالم من خلال دور القطاع المصرفي اللبناني الذي يربط لبنان واللبنانيين بالمنظومتين الاقتصاديتين والماليتين العربية والدولية، كما يربط لبنان المقيم مع لبنان المغترب وهو ما يشكل دعامة أساسية للاقتصاد اللبناني ولدورة حياة كريمة للبنانيين.
وتشير المرجعية المصرفية الى أن اضطرار المصارف اللبنانية بفعل السياسات الاقتصادية والمالية والأمنية والعسكرية والخارجية التي اعتمدتها المنظومة السياسية التي يديرها ويوجهها حزب الله، وبفعل السياسات الإسرائيلية، الى بيع فروعها في الخارج، والى تحجيم انتشارها العربي والدولي، يجعل من القطاع المصرفي اللبناني، قطاعاً محلياً يشبه القطاع المصرفي السوري أو الإيراني في وقت كانت المصارف قد نجحت في الحصول على دور مهم على مستوى الأسواق العربية والاقليمية والدولية.
على سبيل المثال، فإن بنك عوده الذي يعتبر من أكبر المصارف اللبنانية كان له قبل الأزمة أحد عشر فرعًا في الأردن ومقراً رئيسياً في الإمارات العربية المتحدة (أبو ظبي) بالإضافة إلى ثلاث شركات فرعية منبثقة عنها في لبنان وثلاثة في أوروبا وستة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبنك لبنان والمهجر كانت له فروع في الاردن والعراق والامارات العربية المتحدة وقبرص ومصر والسعودية وفرنسا وقطر وسويسرا وبريطانيا ورومانيا.وبنك بيروت كانت له فروع في قطر وقبرص واوستراليا وغانا ونيجيريا وسلطنة عمان والامارات العربية المتحدة وبريطانيا. والواضح أن هذه المصارف وغيرها من المصارف اللبنانية التي تمتلك فروعاً في الخارج بدأت بعرضها للبيع او هي انهت بيعها، بما يمكنها من الاستمرار في عملها الداخلي. حتى أنها مع المصارف المحلية التي لا تمتلك فروعا في الخارج باشرت خططا متكاملة لحسر انتشارها المحلي في لبنان سواء على الصعيد الجغرافي او على الصعيد الوظيفي الخ…
وتختم المرجعية: إن وقوف مصرف لبنان وحاكمه رياض سلامه في وجه ما يخطط للمصارف اللبنانية وسعيه في مرحلة أولى للحد من الاضرار والخسائر على المصارف والمودعين والقطاع الاقتصادي اللبناني عموماً هو ما يزعج أصحاب المشاريع التي تستهدف القطاع المصرفي، ولذلك فهم بعدما فشلوا في إزاحته يعملون على تشويه صورته، ومحاولة النيل من صدقيته المحلية والعربية والدولية لإفراغ مشروعه الإنقاذي من مضمونه ودفع القطاع المصرفي اللبناني الى الانهيار الكامل بما يؤدي الى الفوضى الكاملة على المستويات الاجتماعية والسياسية والامنية ويسهّل على أصحاب المشاريع الانقلابية تحقيق غاياتهم. فهل ينجحون أم يتمكن رياض سلامة من الخروج من المواجهة بالحد الأدنى من الخسائر الشخصية والمصرفية؟