IMLebanon

سرقة الـ”ريغارات” من 90% من شوارع بيروت

كتبت رحيل دندش في “الاخبار”:

مدينة بيروت بلا أغطية «ريغارات». ليس التعبير مبالغاً فيه مع «النشاط اللافت»، أخيراً، للسارقين، والذي يستهدف أغطية المصارف الصحية، إلى درجة أن «90% من الشوارع الرئيسية والأتوسترادات في العاصمة باتت مفخّخة بجور لا أغطية لها» بحسب مصدر في بلدية بيروت، فيما قدّر محافظ المدينة القاضي مروان عبود عدد أغطية الريغارات المسروقة بـ«الآلاف».

وفق بيانات قوى الأمن الداخلي، سجّل عام 2020 زيادة نسبتها 57% في عمليات السرقة والنشل مقارنة بعام 2019، القسم الأكبر منها في الأشهر الثلاثة الأخيرة من السنة. وهي عمليات لم تقتصر على سرقات موصوفة (كسر وخلع لمنازل وصيدليات ومحلات تجارية وغيرها). إذ يبدو أننا بتنا أمام «ستايل» جديد من السرقات، أقل خطراً على اللصوص وأكثر ربحاً لهم. من أغطية المصارف الصحية إلى القساطل المعدنية والقضبان الحديدية وكابلات الكهرباء، صارت السرقات كلها «حديد بحديد». والحديد اليوم يدرّ أرباحاً كبيرة في ظلّ ارتفاع سعره، وتسعيره بالدولار. مصدر في محافظة بيروت أوضح أن «الغطاء الواحد يزن ما بين 70 و100 كيلوغرام ويُباع كخردة بـ100 دولار أو ما يوازيه وفق سعر السوق»، مؤكّداً أن هذا «العمل» ليس من فعل أفراد عاديين، وإنما «هناك عصابات محترفة تعمل بشكل منظّم للسطو على أغطية الريغارات في وضح النهار. وقد ضُبط بعضهم في فان بأرضية مفتوحة، يقف فوق الريغار تماماً، ويسحب الغطاء بواسطة حاملات وشناغل ومن ثم يتابع طريقه وكأنّ شيئاً لم يكن».

هناك مؤشرات إلى أن «بعض السارقين متواطئون مع متعهّدي أشغال عامة يشترون منهم الريغارات ويعيدون بيعها للدولة»، بحسب ما يؤكد رئيس مجلس إدارة المصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية. فيما يشير مصدر المحافظة إلى أن غالبية المسروقات «تُباع إلى أصحاب بور الخردة في البقاع وصيدا وبرج حمود». ورغم أن هؤلاء «ينكرون شراء هذه الخردة لأنها ممتلكات عامة، لكن لا شيء يؤكد ذلك، لأن هذا الحديد سيُباع عندهم في نهاية المطاف»! ويعيد المصدر انتشار هذه السرقات إلى سببَين أساسيَّين، أولهما «سوء الأوضاع الاقتصادية والبطالة»، وثانيهما «يتعلق بحال الفوضى التي سادت بيروت عقب انفجار المرفأ».

مع ذلك، لم يكن «اختصاص» سرقة الـ«ريغارات» حكراً على العاصمة. في الجنوب «فُقدت» أغطية الـ«ريغارات» التابعة لمصلحة الليطاني على طول شبكة كفرفالوس – كرخا – بقسطا في قضاء جزين وشرق صيدا. وسُرق 111 «ريغاراً» عند مدخل بعلبك الشمالي من مفرق بلدة مجدلون حتى محلّة التل الأبيض. وفي طرابلس سُرقت الـ«ريغارات»من شارع المطران وتقاطع مار مارون وقاديشا.

لا تنحصر الخسائر التي تسبّبها هذه السرقات بالكلفة المالية، وفي تسرّب الأوساخ والحجارة والركام إلى داخل الحفر (أو ما يُصطلح عليه بغرف التفتيش)، وما يستتبع ذلك من فيضانات وحوادث، وإنّما بما تشكّله هذه الحفر المفتوحة من أفخاخ مميتة تتصيّد المارة والسيارات وسائقي الدراجات. وهو ما دفع بنقيب خبراء السير في لبنان فؤاد فهد إلى التوجه بكتاب مفتوح إلى وزراء الدفاع والداخلية والبلديات والأشغال العامة والنقل لمكافحة هذه الظاهرة لما تسبّبه من خطر على السلامة المرورية. فيما ناشدت جمعية «يازا» المتخصّصة بسلامة السير القضاء لملاحقة هذه العصابات بـ«جرم القتل قصداً لما تتسبب فيه سرقة هذه الأغطية من حوادث مميتة». والمطلوب، بحسب علوية، «تكثيف الدوريات وتشديد العقوبة على المعتدين، والتحرّي الجنائي عن الأماكن المحدودة العدد التي تستطيع صهر هذه الأغطية وإعادة تصنيعها، ومراقبة بور الخردة، وتفعيل الرقابة الجمركية على تهريب الخردة إلى الخارج أو برّاً إلى سوريا، وصدور تعميم عن رئاسة مجلس الوزراء يمنع تركيب الريغارات القديمة لئلا تُستعمل مرتين».

وفي هذا الإطار، طلبت المصلحة من اتحاد بلديات جزين منع دخول تجار الحديد والخردوات إلى نطاق بلدات الاتحاد بسبب تورّط هؤلاء في هذه السرقات، كما منعت بلدية بيروت دخول الـ«تكاتك»، ما «ساعد في تخفيف الظاهرة»، وفق علوية.

ماذا عن تبديل الأغطية المسروقة بأخرى؟ بحسب مدير الإدارة المشتركة في وزارة الأشغال منير صبح «لا يمكن حالياً تعويض ما سُرق لأن هذا يتطلب عملية تلزيم لإدارة المناقصات، كما أن الأمر مكلف في ظل موازنة ضعيفة لا تتعدى الـ40 مليار ليرة». ولفت إلى أن الوزارة وضعت للمشاريع التي ستُعتمد من الآن فصاعداً مواصفات لـ«ريغارات» جديدة «متينة وغير حديدية بحيث لا يمكن بيعها إذا سُرقت».