سياسة “الضغوط القصوى” التي لجأت اليها ادارة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب في التعاطي مع ايران لدفعها الى تغيير سلوكها العسكري والسياسي الداخلي والاقليمي، يبدو قرر المجتمع الدولي استخدامها لبنانيا، وإن بأشكال وأساليب مختلفة عن نسختها الاصلية.
فبحسب ما تقول مصادر سياسية مطّلعة لـ”المركزية”، انهالت على لبنان – الدولة، في الساعات القليلة الماضية، مواقف خارجية من كل حدب وصوب، محذرة ومنبّهة، في مساع واضحة لإنزال اهل المنظومة عن شجرة الشروط والشروط المضادة التي يرفعون في وجه بعضهم بعضا، ولفكّ اسر الحكومة العتيدة بعد أشهر من التعطيل والصراعات التي وضعت البلاد على مرمى حجر من الانهيار الكلي والنهائي والشامل.
الاتحاد الاوروبي صرخ الثلثاء قائلا: “ان الوضع في لبنان يتدهور ويجب تشكيل الحكومة من دون تأخير”. واشار الى “إجماع دولي حول استحالة دعم لبنان في غياب حكومة الإصلاح”. اما السفير السعودي وليد بخاري، واثر لقاء لافت ضمه في مقر إقامته في اليرزة، الى السفيرة الأميركية دوروثي شيا، فشدد على التزام المملكة بسيادة لبنان واستقلاله ووحدة أراضيه، وعلى ضرورة الإسراع بتأليف حكومة قادرة على تحقيق ما يتطلّع إليه الشعب اللبناني.
قبل ذلك بأيام، حضر لبنان في جانب من المحادثات التي اجراها وزراء خارجية فرنسا والمانيا وبريطانيا في باريس والذي تحول رباعيا من خلال مشاركة وزير خارجية اميركا انطوني بلينكن عبر”الزوم”. ووفق المصادر، كان تشديد على ضرورة حل الازمة وتشكيل حكومة وفق المبادرة الفرنسية التي اعلن وزراء المانيا وبريطانيا واميركا تبنيها ودعمها، وقد تحولت مبادرة اوروبية-اميركية تتطلب تنسيقا وتعاونا من اجل استعجال الخطوات لانقاذ لبنان من الانهيار، وكان إجماع على اولوية عدم ربط الملف اللبناني بالتطورات الايرانية، مع التقاء على كون الضغط الفرنسي على طهران ليسهّل حزب الله التأليف، مفيدا.
في الموازاة، كانت المنسقة المقيمة للامم المتحدة في لبنان ومنسقة الشؤون الإنسانية نجاة رشدي تؤكد للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أن “الأمم المتحدة تأمل أن يعطي قادة لبنان الأولوية للمصلحة الوطنية اللبنانية وأن يتجاوزوا بسرعة، خلافاتهم لتشكيل حكومة جديدة لمعالجة التحديات العديدة في البلاد وتلبية تطلعات الشعب اللبناني وتطبيق الإصلاحات اللازمة”… اما القطريون والاماراتيون والمصريون وجامعة الدول العربية، فأبلغوا ايضا المسؤولين اللبنانيين في مناسبات عدة ان التأليف اولوية ولا بد من حكومة جديرة بالثقة لكي يبادر المانحون الى مساعدة لبنان.
والى “الجَلد” السياسي – الكلامي، الذي يمارسه الخارج، علّ ضمائر الحكام تستفيق، وفي حين يكثر الحديث عن احتمال تدرّج هذا الضغط ليتخذ شكل “عقوبات” على المعطّلين… دخل العامل الامني على الخط ايضا. فقد صعّد الاسرائيليون نبرتهم متوعّدين ومهدّدين. اذ أكد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو اننا “لن نقبل بالتموضع الإيراني في سوريا ولن نقبل بصواريخ دقيقة في سوريا ولبنان”، منبها من ان “ردّنا سيكون ساحقاً آلاف الأضعاف”. من جهته، قال وزير الدفاع الإسرائيلي: إذا تحوّلت تهديدات “حزب الله” إلى أفعال فستكون النتيجة مؤلمة.
فهل يمكن لهذه التحذيرات، بأوجهها المختلفة، ان تخرق جدار الحسابات السياسية الفئوية الضيقة، التي لا تزال تحول دون إبصار الحكومة النور؟ وهل تنفع الضغوط القصوى – التي لم تكن فعالة في ايران التي فضّلت تجويع شعبها على الامتثال للشروط الخارجية – هل تنفع في لبنان؟ ام ان ممثلي الجمهورية الاسلامية في بيروت سيكتبون لأهلها المنكوبين، المصيرَ عينه كرمى لمصالح المحور والحلفاء المحليين والاقليميين؟!