كتبت مريم مجدولين لحام في “نداء الوطن”:
بمعزل عن الهذر الذي يواصل مكتب وزارة الصحة ترداده حول “معايير عدالة” الخطة الوطنية للّقاح ضد فيروس كورونا، وكيف أنها “تُنفذ بشكل جيد وممنهج”، ضجت البلاد بـ”فضيحة” جديدة يميّزون فيها 16 نائباً وعدداً من موظفي البرلمان عن غيرهم من المواطنين المستحقين عبر إعطائهم لقاح فيروس كورونا داخل مجلس النواب وليس عبر مراكز التلقيح، في مخالفة صارخة لآليات ومعايير الحصول على اللقاح وتجاوز لا لُبس فيه لمبدأ العدالة والشفافية الذي شدد عليه البنك الدولي كشرط لاستمرار التمويل.
في الوقت التي تنفر فيه الأكثرية المُلتاعة من اللبنانيين من “المحسوبيات والتمييز” تم فرز فريق عمل من مكتب مجلس النواب ليقوم بالإتصال بالنواب المسجلين على المنصة وأعطائهم مواعيد تحصين بحسب الأولوية العمرية والمرضية وبجمعهم تحت قبة البرلمان لتلقي اللقاح بذريعة “حفظ أمنهم”. والسؤال الأكبر لماذا هناك شح في اللقاحات ونحن نتقاتل على من هو في الأولويات بينما يمكن للقطاع الخاص أن يستورد كميات كبيرة بشكل سريع ولم يفتح الوزير المجال لذلك؟
تعليق التمويل؟
الواقعة التي نحن بصددها، تأتي نتيجة طبيعية لما اتسم به أداء وزارة الصحة من فوضى وبطء شديدين في إدارة المنصة الإلكترونية للمواعيد بالطريقة التي تؤمن الفعالية الأكبر في توزيع اللقاح، إذ لم يتفاجأ المواطنون بالخبر بعد ما تميزت به الوزارة من بداية إدارتها الأزمة من تأخير وتسويف في استقدام اللقاح من جهة وعرقلة السماح للقطاع الخاص باستيراد اللقاحات من جهة أخرى.
كما هدّد المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي، ساروج كومار جا، بتعليق تمويل شراء لبنان للقاحات، لافتاً إلى أن ما حدث “لا يتماشى مع الخطة الوطنية المتفق عليها مع البنك الدولي” وأنه سيتم تسجيل خرق الشروط والأحكام المتفق عليها معهم للتطعيم العادل والمنصف، إذ أنه كان من المفترض أن يُعامل النائب تماماً كغيره ويمر بنفس آليات التسجيل وانتظار الدور والذهاب إلى مراكز التلقيح” في حين لوَّحَ رئيس اللجنة الوطنية للقاح، عبد الرحمن البزري، بالاستقالة، قبل أن يعدل عن موقفه.
وهنا، لا بد من الإشارة إلى أنه ليس الخرق الأول الذي تم تسجيله حتى الساعة من قبل المراقبين الدوليين الذين يُتابعون عملية التحصين بدءاً من بطء وتيرة التلقيح، إلى تبليغات عن محاولات حصر استيراد اللقاح للقطاع الخاص بجهة سياسية واحدة وشروط خاصة.
من جهته أوضح الأمين العام لمجلس النواب عدنان ضاهر، أنّ النواب الـ16 تلقّوا اللقاح بوجود فريق من وزارة الصحة، والصليب الأحمر اللبناني، وأنّ أسماءهم موجودة على المنصة الرسمية كما يجب وأنه قد حان دورهم لتلقي اللقاح حسب الفئة العمرية من دون الإعلان عن ماهية المعايير التي وضعتها وزارة الصحة.
قاطيشا: لم أطلب تمييزي
وشرح النائب وهبي قاطيشا لـ”نداء الوطن” أنه قد تسجل في المصنة منذ أكثر من أسبوعين، وأنه من الفئة المستهدفة. وتابع “عمري 78 سنة، وقالوا لي إن الصليب الأحمر اللبناني سيكون حاضراً وأنني سأتلقى اللقاح وغيري من النواب المسجلين على المنصة للقاح، وهذا ما حصل. أما في ما خص قانون أنه كان علي الذهاب إلى مركز التلقيح، فأنا لم أطلب بتمييزي بأي شكل من الأشكال، بل كنت أفضل تلقي اللقاح في المستشفى وليس لدي مشكلة مع هذا الأمر ولا أحبذ التمييز ولم أطلبه”.
هذا وقد نشر رئيس “حزب الكتائب” النائب المستقيل سامي الجميل، مقطع فيديو يقول إنه قد صوّره قبل أكثر من أسبوع، يكشف فيه أنّه تلقى اتصالاً من مكتب مجلس النواب وأنه قد طلب منه إرسال بطاقة هويته وبطاقات هوية أفراد عائلته للتسجيل في الدفعة الأولى لتلقي اللقاح، مؤكداً أنه رفض ذلك لأنه لا تتوفر فيهم المعايير المطلوبة كالسن والحالة الصحية وأنّ تلك الاتصالات وصلت لجميع النواب من دون استثناء بمن فيهم المستقيلون.
عقيص: لم اتلق اتصالاً
في السياق نفى النائب جورج عقيص لـ”نداء الوطن” تلقيه أي إتصال من مجلس النواب، كما استغرب آلية العمل العشوائية في المنصة التي من المفترض أن تكون “الكترونية” تختار الأشخاص بحسب الأولوية وليس بشكل يدوي أو بحسب المنصب!”. كما أكد أن العديد من النواب الزملاء نفوا تلقيهم “خدمة الإتصال بهم وتسجيلهم وعائلاتهم في المنصة” إلا أنه “يطالب بفتح تحقيق فوري لمعرفة كيفية وصول كمية من اللقاحات الى مجلس النواب، ومن اخذ القرار بالاتصال بالنواب الذين تلقوا اللقاح فعلاً، إذ لن يقبل بأن يتحمل الشعب اللبناني بكامله تبعة القرار الذي قد يتخذه البنك الدولي بوقف تمويل التلقيح. وأنه “على المخطئ أن يُحاسب وحده”.
كتانة: لا دور رقابياً لنا
أما الامين العام للصليب الاحمر اللبناني جورج كتانة فأكد لـ”نداء الوطن” أنه قد تلقى طلباً من وزارة الصحة بالذهاب إلى مجلس النواب لتحصين أشخاص أعمارهم فوق الـ 75 عاماً وأنه ليس له أي دور رقابي، تنظيمي أو عملاني في حملة التلقيح الوطنية ولا يستطيع أخذ قرار بعدم الذهاب إذ أن فرقه موجودة في كافة مراكز التلقيح حصراً لمساعدة أو إسعاف المواطنين من الفئة العمرية 75 وما فوق، وذلك في حال حدوث أي طارئ وأنه مجبر على اتباع التعليمات التي وصلته عن أن هناك أشخاصاً كباراً في السن بغض النظر عن السياسة وغيرها والمعايير وتطبيقها هي مسؤولية الوزارة حصراً والمراقبة للبنك الدولي والـIFRC وهو يؤكد دائماً التزامه بالواجب الإنساني لتقديم الدعم والإسعافات لكل إنسان في كل لبنان”
البزري: وزارة الصحة عليها تبرير المخالفة
واعتبر رئيس اللجنة الوطنية للقاح عبد الرحمن البزري أن ما جرى في مجلس النواب يصنف تحت خانة “التجاوزات التي تضرب الخطة الوطنية للتلقيح” التي هو من أهم وجوهها والمشاركين في إعدادها والتخطيط لها. كما استنكر أن تأتي المخالفة من نواب يفترض بهم أن يكونوا مسؤولين أمام الشعب، ومثالاً للالتزام، مشيراً إلى أن النواب لم يتواصلوا مع اللجنة بشكل مباشر بل تلقوا اللقاح خارج إطار التراتبية، وفي مكان غير مخصص للتلقيح.
وأكد البزري، في مؤتمر صحافي عقده في منزله، أنه “لا يجوز إعطاء اللقاح داخل مجلس النواب، وعلى النواب الذهاب إلى المراكز المخصصة للتلقيح، وهناك حالات استثنائية مرتبطة بظروف صحية لا تتوافر في النواب يمكن عندها إجراء التلقيح في المنزل، وهناك عيادات متنقلة من أجل ذلك. وزارة الصحة عليها تبرير مخالفة إرسال جرعات إلى مجلس النواب. نطلب من الناس الذهاب إلى المراكز، ثم يشاهدون نواباً يتلقون اللقاح داخل البرلمان”.
وأكمل “ردّ فعلي الأول كان الاستقالة، ولكن بعد التباحث مع أعضاء اللجنة، قررت الرجوع عنها، لأن من شأنها أن تفشل المجهود الذي تقوم به اللجنة، وسنعقد اجتماعاً غداً لمناقشة كل التطورات وخطة التلقيح. هناك ثلاث هيئات رقابية، الأولى هي البنك الدولي بالتعاون مع الصليب الأحمر الدولي، والذي سجل الملاحظة وراسل البنك بالخلل، والثانية لجنة نحن بصدد تشكيلها لمتابعة شفافية العملية، ثم منصة التسجيل الخاضعة لرقابة ديوان المحاسبة”.
وأردف البزري أنه تلقى اتصالاً من المدير الإقليمي لدائرة المشرق في مجموعة البنك الدولي، ناقشا خلاله الخلل الذي حصل موضحاً أنه بدوره قدم له تأكيدات على أن الحادثة لن تتكرّر كما قدم له اعتذاراً رسمياً عن الخلل الذي حصل في مجلس النواب و”الذي من شأنه أن يزعزع استقرار الخطة وثقة المواطن اللبناني” بحسبه.
وفي نهاية المطاف، لا يمكن إيجاد أي عذر لمن يفضل نواباً على المواطنين مهما اقتضت الأولويات. ومن يتصفح وسائل التواصل الإجتماعي يقرأ كم من القصص المبكية لمسعفين وكبار سن ومرضى غسيل كلى وذوي احتياجات خاصة لم يتلقوا اللقاح ويتساءلون “بأي ذنب نُقتل”؟!