إستغربت مراجع مصرفية مسؤولة إصرار المنظومة السياسية على التهرب من مسؤولياتها، وإمعانها في رمي كرة المعالجات في ملعب مصرف لبنان خصوصاً والقطاع المصرفي عموماً، خلافاً للصلاحيات والموجبات الدستورية التي تنص على أن رسم السياسات في مختلف المجالات هو من صلاحية وواجبات مجلس الوزراء (المادة 65 من الدستور).
وتلفت الى أن المنظومة السياسية عوض أن تبادر الى تصحيح أخطائها، وإطلاق ورش عمل نيابية وحكومية وإدارية لوضع الخطط المطلوبة والسياسات الكفيلة بإخراج لبنان من أزماته، عمدت الى إنشاء “الغرف السوداء” التي ركّزت كل جهودها وإمكاناتها على الحملات الدعائية وبث الشائعات والحروب الإعلامية لتشويه صورة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ودور القطاع المصرفي على الصعيدين المحلي والخارجي، وتحريض الرأي العام اللبناني لوضعه في مواجهة مصرف لبنان والمصارف وتحويل نقمته على المنظومة السياسية المسؤولة عن أزماته السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية والاجتماعية الى الجهات المصرفية التي عملت جاهدة على مدى نحو من ثلاثين سنة للحد من تداعيات التقصير السياسي على الشعب اللبناني ومستوى حياته ومتطلباتها عموماً وعلى الدورة الاقتصادية والإنتاجية في شكل خاص.
وتنطلق هذه المراجع من “الفصل الأخير” من التحريض والتزوير الذي شهده الأسبوع الماضي من خلال التحركات في الشارع تحت عنوان الدولار الطالبي لتؤكد بأن المصارف باشرت بناء على توجيهات مصرف لبنان وتعاميمه الخاصة بتطبيق القانون الخاص ب”الدولار الطالبي” باتباع الآليات التي تضمن لكل صاحب حق حقه… لكن سرعان ما برزت الى الواجهة كالعادة محاولات التلاعب على القانون للاستفادة من “الدولار الطالبي” في عمليات مشبوهة يحاول غير المستحقين القيام بها.
وتشير المعلومات في هذا المجال الى نماذج كثيرة، من بينها:
محاولات لاستغلال عدم جواز قيام المصارف بتحويلات مالية الى بعض الدول الخاضعة لعقوبات وتدابير وإجراءات مصرفية دولية من أجل المطالبة بالحصول على مبلغ العشرة آلاف دولار نقداً. وينطبق هذا الواقع على سبيل المثال لا الحصر على “الطلاب” الدارسين في إيران سواء كان ذلك في الجامعات أو في الحوزات الدينية بمعزل عن مبدأ ما إذا كانت الحوزات الدينية تعتبر بمثابة جامعات أم لا!
قيام بعض الانتهازيين ممن لا يملكون حسابات بالدولار الأميركي أو باليورو في المصارف بإحضار مبلغ 15 مليون ليرة لبنانية (حوالى 1500 دولار بحسب الأسعار الرائجة في الأسواق الموازية) الى صناديق المصارف مطالبين بالحصول على عشرة آلاف دولار نقداً بحجة تحويلها الى الخارج!
إصرار بعض الذين يستفيد أبناؤهم من منح جامعية كاملة بما فيها السكن والمصاريف الشخصية على الاستفادة من هذا القانون، علماً أن هناك دولاً وجامعات قدمت حسومات كبيرة ومنحاً نقدية الى الطلاب اللبنانيين في الخارج على نحو لا يجعلهم من المستفيدين من الأسباب الموجبة لهذا القانون، وهو ما يصرّ البعض على تجاوزه.
وتتابع المراجع المصرفية عرضها بالقول: عندما تشرّع المنظومة السياسية، فعليها أن تجد بنفسها مصادر التمويل لا أن ترمي الكرة في ملعب مصرف لبنان والمصارف تحت حجة الدعم، في وقت تشن الحملات الشعواء على “سياسة الدعم” وتعتبرها المسؤولة عن وصول خزينة الدولة الى حالة الإفلاس الراهنة. وتضيف: لقد سبق لمصرف لبنان والمصارف أن موّلوا عجز الدولة على مدى ثلاثة عقود ماضية، فانتهى الأمر بالمنظومة المتحكمة بالدولة الى تحميل القطاع المصرفي مسؤولية تداعيات هذا التمويل، وصولاً الى إعلان الامتناع عن دفع سندات اليورو بوند المستحقة والتي ستستحق مستقبلاً… فكيف تطلب المنظومة من مصرف لبنان والمصارف دعم الدولار الطالبي والدولار النفطي والدولار الكهربائي والدولار الدوائي والدولار الغذائي والدولار الاستشفائي والدولار الصناعي والدولار الزراعي الخ… وهي التي تعتبر ما سبق أن قام به مصرف لبنان والقطاع المصرفي بمثابة “ارتكابات” تستحق المحاسبة القانونية والمساءلة القضائية؟
وتمضي في عرضها قائلة: ألم تبادر المصارف من تلقاء ذاتها وبدعم من مصرف لبنان إلى تأمين قروض التعليم للطلاب وأهاليهم على مدى سنوات عندما كان الأمر متاحاً وعندما كانت الدولة تفي بالتزامات قروضها؟ ألم يغطي مصرف لبنان والمصارف غياب السياسات الزراعية والصناعية والسياحية والإسكانية والتربوية وغيرها للحكومات المتعاقبة بالقروض المدعومة التي سمحت بقيام دورة اقتصادية طبيعية وحتى مزدهرة وبتدفق المليارات الى القطاعات الانتاجية والأسواق اللبنانية على مدى ثلاثة عقود؟
وتشدد المراجع على أن قمة التزوير والكذب وتشويه الحقائق تكمن في تحميل مصرف لبنان والمصارف مسؤولية “جريمة” المنظومة السياسية المتمثلة بإعلان التوقف عن السداد في شباط الماضي، بدل الاعتراف والإقرار بأنها بسبب السياسات العامة التي وضعت لبنان في مواجهة مع الدول العربية والعالم!
وتقول: لقد أوجد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والمصارف على مدى سنوات عشرات السياسات التي سمحت للشعب اللبناني بتجاوز نتائج الارتكابات السياسية والإدارية للمنظومة الحاكمة على حياته اليومية على أمل أن تستفيق هذه المنظومة يوماً في “صحوة ضمير” لتصحيح ممارساتها ومحاسبة المرتكبين والمخطئين فيها… فلم تفعل على الرغم من الوعود التي أطلقتها ليس فقط الى القطاع المصرفي وإنما الى المجتمع الدولي كلّه! لا بل على العكس من ذلك فإنها تعمّدت ولا تزال تغطية جرائمها بجرائم تزوير الحقيقة وتضليل الرأي العام اللبناني.
وتتابع بالقول: هل المطلوب من رياض سلامة والمصارف أن يلعبوا دور وزارة المال في وضع الموازنات المتوازنة في موعدها، وسدّ العجز وفي تحصيل الرسوم والضرائب ومكافحة التهريب والتهرّب؟ ودور وزارة الدفاع في ضبط الحدود واحتكار قرار الحرب والسلم؟ ودور وزارة الداخلية في ضبط السلاح المتفلت؟ ودور وزارات الزراعة والصناعة والاقتصاد في مراقبة الأسعار وتخفيض الكلفة؟ ودور وزارة الخارجية في مصالحة لبنان مع الدول العربية والعالم؟ ودور وزارة الشؤون الاجتماعية في مساعدة المحتاجين؟ ودور وزارة الصحة في تأمين الدواء والاستشفاء للشعب اللبناني؟ ودور وزارة التربية في تأمين التعليم للشباب اللبناني؟ ودور وزارة الطاقة في تأمين الكهرباء والمحروقات؟ ودور وزارة الأشغال في تأمين النقل وصيانة الطرقات؟ ودور وزارة المهجرين في دفع التعويضات؟ ودور الحكومة في تأمين المسكن للشباب والعائلات اللبنانية؟ الخ…
وتختم: لقد قمنا على مدى ثلاثين سنة بالكثير من هذه الأدوار التي ليست من اختصاصنا من حيث المبدأ من منطلق تحسسنا بالمسسؤولية الاجتماعية والوطنية ومن منطلق ما يسمح به وينص عليه قانون النقد والتسليف وصلاحيات مصرف لبنان، ولم ننتظر يوماً لا الشكر ولا المكافأة من هذه المنظومة… كل ما نطلبه أن يكفوا شرورهم عن القطاع المصرفي ويتركوه يتدبّر أمر إعادة هيكلة نفسه بما يمكنه من مواجهة الظروف الصعبة التي تسبّبت بها هذه المنظومة السياسية ولا تزال! وإذا كان لهم ما يفعلوه للتكفير عما ارتكبوه في حق لبنان وشعبه، فليشكلوا حكومة تحظى بثقة الناس والمجتمعين العربي والدولي وليعيدوا إنتاج السلطة بطريقة ديموقراطية بعيداُ عن المحسوبيات والمحاصصات والصفقات التي أفقرت لبنان واللبنانيين، وليتحملوا مسؤولياتهم الدستورية، وليمارسوا واجباتهم الوطنية، ولينصرفوا الى إعادة بناء الدولة كما يعمل القطاع المصرفي على إعادة بناء نفسه!