شكّل ضمورُ ملف تأليف الحكومة في لبنان لمصلحة 3 عناوين، صحية وأمنية – قضائية وسياسية تَصَدَّرتْ المشهدَ الداخلي، أبرز مؤشر إلى رسوخ الاقتناع لدى كل القوى الوازنة بأن هذا «الملف – المفتاح» لتفكيك «القنبلة الموقوتة» التي تزنّر «بلاد الأرز» ما زال عالقاً في «ممر الفيلة» الاقليمي وغرفة انتظار التسوية المتصلة بالنووي الإيراني و«جردة» الربح والخسارة المتصلة بها وكيفية ترجمتها على صعيد «مناطق النفوذ» في المحيط.
ولليوم الثاني على التوالي، بقيت بيروت تحت التأثير الصاعق لفضيحة «الطريق المختصرة» التي أتاحت لنحو 16 نائباً وكبار الموظفين في البرلمان الحصول على اللقاح خلافاً لمعايير الخطة الوطنية للتطعيم سواء لجهة «انتقال» الفريق الطبي الى مقرّ مجلس النواب (عوض حصول التلقيح في المراكز المعتمدة) أو عدم «أهلية» قسم كبير من النواب للمرحلة الأولى من التلقيح (ما فوق 75 عاماً والجسم الطبي) وحتى شبهة «الاستفادة السياسية» لمَن ينطبق عليهم شرط الفئة العمرية على قاعدة أن ثمة أولويات حتى ضمن هذه الفئة للأكبر سناً كما للذين يعانون أمراضاً مزمنة.
واستقطبت هذه «القنبلة» التي تردّدت تشظياتها عالمياً الاهتمامَ أمس من زاويتين: الأولى الإرباك الذي أحدثتْه للسلطة التي وجدت نفسها «غائبة عن السمع كلياً»، كما فعل وزير الصحة حمد حسن، فيما كانت وسائل إعلامها تتعاطى مع ما جرى على أنه «َضجة على مواقع التواصل» أو «تضخيم»، في موازاة تقديم تبريرات عبر مؤتمرات صحافية لمَن شملهم «التلقيح السري» الذي انكشف لم تخْلُ من رشْقٍ سياسي لأطراف وأحزاب بـ «الاستثمار» في ما جرى ومحاولة تسجيل نقاط شعبية، أو بياناتٍ اضطرارية مثل الذي أصدره القصر الجمهوري بعد التداوُل الإعلامي بأن عملية تلقيح الرئيس ميشال عون يوم الجمعة الماضي شملتْ أيضاً 16 من فريق عمله.
أما الزاوية الثانية، فكيفية «الحدّ من الأضرار» التي سبّبها هذا السلوك، الذي لم يكرّس فقط انعدام ما تبقى من ثقة للشعب اللبناني بالطبقة السياسية بل هدّد بوقف تمويل حملة التلقيح التي يتولى البنك الدولي، عبر قرضٍ، جانباً كبيراً منها وفق ما لمّح البنك نفسه معتبراً أن ما جرى«يخرق الخطة الوطنية المتفق عليها للتطعيم العادل»، قبل أن يتفادى «معاقبة» اللبنانيين على أخطاء مسؤوليهم محذّراً من المضي في هذا السلوك.
ولم توفّر ارتدادات هذا التطور اللجنة الوطنية لإدارة اللقاح التي أصابها التصدّع، مع تلويح رئيسها عبدالرحمن البزري بالاستقالة تحت وطأة «الخرق الكبير» الذي حصل بتلقيح النواب في البرلمان ومن دون علم اللجنة قبل أن يعلقها بانتظار جواب من وزارة الصحة، فيما بلغ عضو اللجنة البروفيسور جاك مخباط حدّ القول (لموقع النهار) «الحلّ الوحيد في هذا البلد هو إحراقه وإعادة بنائه من جديد.
نحن للأسف لا نستحق هذا الوطن. حتى في مسألة الصحة والتطعيم«منزعبر ومنخالف». وما جرى هو سبب إضافي حتى ينتفض الشعب ويقرر تغيير هذه الطبقة السياسية الفاسدة».
وكأن هذه «الجرعة الفضائحية» لم تكفِ، حيث ضجّت وسائل الإعلام بما كشفه مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت من أن نحو 50 في من اللقاحات التي وصلت في أول دفعتين ذهبت لغير مستحقيها وخارج الأولوية التي حددها البنك الدولي واللجنة الوطنية للتلقيح، وصولاً إلى ما نقله موقع قناة «ام تي في» أمس عن مصدر في وزارة الصحة من أنّ نحو 15 ألف لبناني حصلوا على اللقاح الصيني داخل الأراضي اللبنانيّة وأن الغالبية الساحقة من هذه اللقاحات أمّنتها شخصيّات سياسيّة وحزبيّة وأمنيّة لها وللقريبين منها، وهو ما يشكّل أيضاً خرقاً لإلزامية التلقيح تحت عباءة البرنامج الوطني، علماً أن القطاع الخاص لم يدخل بعد رسمياً على خط التلقيح.
وفي موازاة هذا العنوان، قفزت إلى الواجهة قضية «الادعاء الجَماعي» وبالتوصيف الجرمي نفسه، خصوصاً الإرهاب والسرقة، على 35 من المشاركين في أحداث طرابلس (بينهم 24 موقوفاً) التي وقعت قبل أسابيع احتجاجاً على الواقع المعيشي وتفاقمه في ظل الإقفال التام لزوم التصدي لوباء «كورونا» وتخللتها أعمال شغب ومواجهات مع القوى الأمنية وحرق مبنى بلدية طرابلس.
وقوبل هذا التطور أمس بتحركات غاضبة من أهالي الموقوفين ومن مؤيدين لثورة 17 أكتوبر اعتبروا أن ما قام به مفوض الحكومة لدى الحكومة العسكرية القاضي فادي عقيقي باستحضار تهمة الإرهاب وعدم التمييز بين أفعال المدعى عليهم إنما يرمي الى ترهيب اللبنانيين عشية احتجاجات محتملة بعد رفع الدعم عن المواد الأساسية، ناهيك عن المضي في محاولة «شيْطنة» طرابلس وأهلها، معربين عن خشية من مسارٍ قمعي بدأت تجنح إليه السلطة.
وكان من المفترض أن يعاود قاضي التحقيق العسكري مارسيل باسيل أمس استجواب الموقوفين عبر الـ zoom ولكنه أرجأ ذلك بسبب تعطل الانترنت، وسط رصْد إذا كان سيسير بالملف وفق ادعاء عقيقي بتهم بالإرهاب وتأليف عصابة أشرار، والسرقة ومحاولة القتل ومعاملة قوى الأمن بالشدّة، والشغب والتخريب وتحقير رئيس الجمهورية، وهي الاتهامات التي تصل عقوبتها إلى الإعدام والأشغال الشاقة.
أما العنوان الثالث الذي شغل بيروت أمس فكان المؤتمر الدولي حول لبنان الذي لا ينفكّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يدعو الأمم المتحدة لعقده، والذي بدأ يستقطب تأييداً داخلياً يُنتظر أن يتظهّر شعبياً بعد غد، فيما بدأ يُترجم سياسياً على خطين: احتضانٍ صريح، كما عبّر حزب «القوات اللبنانية» الذي زار وفد كبير منه أمس الراعي داعماً بقوة طرْحه حول الحياد ومعتبراً أن توجهه الى «المجموعة الدولية جاء كي يخلص لبنان من جهنم التي يعيشها»، ومؤكداً أن «بكركي ما بتمزح».
والخط الثاني «اقترابٌ» من هذا الطرح كما يفعل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي أوفد الوزير السابق غازي العريضي الذي التقى الراعي معلناً في رد ضمني على هجوم الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله على «التدويل والفصل السابع بوصفه دعوة لحرب أهلية»: «هل سمع أحد في لبنان البطريرك يتحدث عن فصل سابع أو جيوش أجنبية تأتي الى لبنان؟ تحدث عن مؤتمر دولي وتلاقي دول مع دول أخرى معنية بلبنان تعمل لأهداف وأسباب وخلفيات مختلفة، وتَلاقي كل العالم في ذاته تدويلٌ من دون أن يكون هناك تلاق على فكرة مؤتمر دولي كانت في الطائف وفي «سان كلو» في الدوحة، وفي باريس 1-2-3 و«سيدر»، وهي قائمة على مستوى الاتصالات الدولية، وفق ما أشرت إليه من اهتمام دولي بالوضع اللبناني».
وفي هذه الأثناء، سجّل الملف الحكومي جموداً كبيراً عكس «تمتْرساً» وراء الشروط والشروط المضادة، في حين باتت كل الدوائر تسلّم بأن هذا التمادي في المأزق الحكومي لن ينتهي إلا في ضوء مآلات أو أقلّه وضع المفاوضات الأميركية – الإيرانية على السكة رسمياً، وسط تَرَقُّب يسود أيضاً زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لكل من السعودية والامارات وقطر نهاية مارس مبدئياً وفق ما أفادت تقارير من باريس، والتي ستحضر فيها بقوة الأزمة اللبنانية التي صار الخارج يعتبر المبادرة الفرنسية حول حكومة الاختصاصيين من غير الحزبيين وبلا ثلث معطل لأي فريق «إطار الحلَ» لها ولو بعد حين.
https://www.alraimedia.com/article/1523204/خارجيات/لبنان-بين-فضائح-اللقاح-و-ترهيب-الشارع