ليست بعبدا مرتاحة للاوضاع المأساوية التي تمر فيها البلاد، ولم يكن هذا هدفها مع وصول الرئيس ميشال عون صاحب شعار “الاصلاح والتغيير” الى سدة الرئاسة الاولى. ابسط مقومات المنطق تفترض ان اي رئيس جمهورية يتطلع الى ازدهار البلاد في عهده وتخليد اسمه في سجلات التاريخ، وكل ما يقال خلاف ذلك خارج عن المنطق والفكر السليم. بيد ان سبحة الازمات التي ولدت ونمت وتجذرت في الدولة منذ اكثر من ثلاثين عاما انفجرت دفعة واحدة حائلة دون تحقيق اي انجاز، لا بل تسببت بالانهيار الذي يسعى الرئيس عون لفرملته مقاوما جبال العقبات التي ترفعها قوى سياسية مستفيدة من الواقع الحالي في وجه العهد.
المناخ هذا، ينقله زوار القصر الرئاسي عن الرئيس عون الذي يدرج ملف تشكيل الحكومة راهنا في خانته. فيؤكدون لـ”المركزية” انه يسعى جاهدا الى اخراج البلاد من حال المراوحة القاتلة التي تستنزف العهد ورئيسه ولكن، من دون ان يعني ذلك السماح للبعض باستغلال الواقع والخطوة الدستورية هذه، لفرض اعراف جديدة من خارج الدستور. فالمواد الدستورية المتعلقة بتشكيل الحكومة واضحة، تؤكد على وجوب الاتفاق، اي الشراكة. ولا يمكن في ضوئها لاي من الشريكين في مسار التشكيل الاستئثار والتصلب بمواقفه، بل التعاون والتنسيق بين رئيس الجمهورية الذي اولاه الدستور حق توقيع مرسوم التشكيل مع الرئيس المكلف بعد الاتفاق، والا لما اورد النص ذلك اساسا.
ويؤكدون ان بمراجعة جهات حقوقية قانونية، تبين وجود ثغرات في الدستور اشار اليها رؤساء جمهورية ما بعد الطائف. اذ كان على المشترع ان يحدد مهلا للتسمية والتكليف والتشكيل ومنح الثقة. فلا يبقى التكليف في جيب من كلف الى ما شاء الله، في غياب اي مرجعية للحسم، حتى التشكيل او الاعتذار من دون مهل، معلقا البلاد على حبال المماطلة والعرقلة. هذا الوضع، يضيف الزوار، تنبه اليه التيار الوطني الحر منذ زمن وسعى لتحديد مهل للخطوة الدستورية، الا ان محاولاته سرعان ما اجهضت في مهدها، بعدما صورتها جهات سياسية ودينية على انها اعتداء على صلاحيات رئيس الحكومة ومسّ بحقوق طائفة، مصرّة على ابقاء المهل “مفتوحة”.
ازاء هذا الواقع، وانعدام فرص التغيير ، يلفت زوار بعبدا الى ان الرئيس عون لن يبقى مكتوف اليدين متفرجا على الانهيار الدراماتيكي للبلاد بل يعتزم الاقدام، على الارجح، من نافذة التشاور مع الكتل النيابية، باعتبارها جهة شرعية دستورية، لا سيما التي سمت الرئيس سعد الحريري في الاستشارات النيابية الملزمة، وبناء عليه تم تكليفه ، واستمزاج ارائها في ما يمكن اتخاذه من خطوات لكسر حلقة الجمود الحكومي ووضعها امام مسؤولياتها الوطنية حيال خطورة استمرار الفراغ الحكومي الشرعي والدستوري، لتحدد في ضوء هذه الخطورة موقفها وتتحمل مسؤولياتها في سد الثغرة الدستورية التي ادت الى هذا المأزق وما قد يترتب جراءه، ما دام من اولوه ثقتهم فشل في المهمة.