كتبت راكيل عتيّق في “الجمهورية”:
يُمكن الخروج من الحلقة الحكومية المُفرغة، بعامل داخلي أو خارجي يؤدّي الى اقتناع الرئيس المكلف سعد الحريري بتأليف الحكومة الآن، فهو ينتظر “كلمة السر” من السعودية التي كان يُعوّل أن تأتي إليه إثر زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون للرياض، والتي لم تحصل حتى الآن. هذا ما يقوله “عونيون”. أمّا في “بيت الوسط” فهناك كلام، ونفي لصحة هذا الكلام الذي “لم يعد يصدقه أحد”، وإشارة الى أنّ “العونيين” يُسوّقون منذ التكليف أنّ “الحريري لا يريد التأليف”.
بالنسبة الى أوساط «بيت الوسط»، إنّ “حجج” فريق رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لعدم التأليف لم تعد تنطلي على أحد و”لا تحترم عقول اللبنانيين”، فهذا الفريق يدّعي أنّ الحريري لا يريد تأليف الحكومة فيما أنّ الوقائع تثبث عكس ذلك، وبدأت هذه اللغة باتهام الرئيس المكلف بأنّه لا يريد التأليف قبل انتهاء ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فيما أنّه قدّم تشكيلته الحكومية في 9 كانون الأول 2020 أي قبل رحيل ترامب بـ41 يوماً. ولو لم يكن يريد حكومة لما قدّم تشكيلته حينها. بعدها قالوا إنّه ينتظر أن يتسلّم الرئيس الأميركي جو بايدن السلطة، ثم تحجّجوا بـ”حقوق المسيحيين”، و”الآن يتهمونه بأنّه ينتظر السعودية، ولاحقاً سيخترعون مئات الحجج، وكلّها غير صحيحة. أمّا الصحيح، فهو أنّهم يريدون الثلث المعطّل، وهذا مستحيل”.
وعلى رغم المبادرات التي طرأت أخيراً على الخط الحكومي، ما زال موقف الحريري ثابتاً لجهة تمسُّكه بحكومة من 18 وزيراً اختصاصياً ومن دون أن يكونوا حزبيين ومن دون ثلث معطّل لأي فريق. ولم يكن لِطرح الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله توسيع الحكومة لتضمّ 20 وزيراً بلا ثلث معطّل، أيّ وقع في «بيت الوسط»، حيث لم يُعتبر كلام نصرالله هذا أنّه «مبادرة». وتقول مصادر «بيت الوسط»: «ما عندنا قلناه، إمّا حكومة يمكنها أن تحلّ المشكلة أو بلاها أفضل. فالهدف ليس حكومة بل حلّ المشكلة». وتؤكد «أننا لن ندخل لا في حكومة من 20 ولا من 22 ولا من 24 وزيراً. لدينا وجهة نظر أبديناها. ورئيس الجمهورية وافق 3 مرات على صيغة الـ18 وزيراً. ولقد اتفقنا على هذه الصيغة التي تبلّغ جميع الأفرقاء بها ووافقوا عليها».
بالنسبة الى الحريري، إنّ حكومة 20 وزيراً تعني «الثلث المعطّل لعون»، إذ سيُضاف وزيران الى الحكومة، أحدهما كاثوليكي والآخر درزي، وسيكون الوزير الدرزي ممثلاً للنائب طلال أرسلان وهو عضو في تكتل «لبنان القوي»، وبالتالي سيكون هذا الوزير من حصة عون.
وبالأرقام والحسابات التمثيلية، تشرح أوساط “بيت الوسط” أنّ عدد النواب المسلمين السنة والشيعة هو 54، ومع نائبين علويين، يشكّلون 56 نائباً، حصلوا على 8 وزراء في حكومة الـ18 مع رئيس الحكومة، أي لكلّ 7 نواب وزير، أمّا النواب الدروز فهم ثمانية، 7 منهم من فريق رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، وسيُمثّلون في هذه الحكومة بوزير، وبالتالي كيف يُمثّل أرسلان وهو نائب درزي وحيد بوزير أيضاً. وفيما منح الحريري رئيس الجمهورية 6 وزراء من بينهم وزير حزب “الطاشناق”، يصرّ عون على تسمية 6 وزراء مسيحيين غير وزير «الطاشناق» الذي سيكون مستقلاً، إلّا أنّ فريق الحريري لا يعتبر أنّ هذا الوزير الأرمني مستقلاً، إذ إنّ “الطاشناق” ضمن تكتل “لبنان القوي” أو على الأقل حليفه ولم يصوّت ضده مرّة واحدة، وإنّ عون أبلغ الى الحريري رسمياً خلال لقاءاته معه أنّه يفاوض باسم تكتل “لبنان القوي”.
أمّا طرح رئيس “لبنان القوي” النائب جبران باسيل الأخير، فهو «طرح مشكل» وليس “طرح حلّ”، بالنسبة الى أوساط الحريري، إذ إنّ “من لا يريد التمثُّل في الحكومة لا يفوّض رئيس الجمهورية ليقول إنّه يفاوض باسم التكتل، ولا يرد هو على الرئيس المكلف بل القصر الجمهوري”.
ويعتبر تيار “المستقبل” أنّ “رفع عدد الوزراء يدخلنا في إشكال جديد، بحيث سيطالب “الاشتراكي” بالوزيرين الدرزيين أو يطالب بأن يكون هناك 3 وزراء للدروز، اثنان له والثالث لأرسلان. وهذا سيؤدي الى مطالبة الكاثوليك بثلاثة وزراء، وبالتالي الى اعتراض شيعي وسني على أن يكون هناك 3 وزراء للدروز و4 فقط لكلّ من الطائفتين الشيعية والسنية. وعندها سيطالبون برفع العدد، وفي المقابل يتحتّم رفع عدد الوزراء المسيحيين فنصل الى حكومة من 30 وزيراً على أقلّ تقدير». إنطلاقاً من ذلك، تعتبر مصادر قيادية في “المستقبل” أنّ “نصرالله رمى “الفتنة” وهو لا يريد حكومة”. وتجزم بأن «لا ثلث معطّلاً، والحريري لن يأخذ على عاتقه وكتفيه حكومة لا يمون عليها ويتحمّل وزر فشلها إذا فشلت”.
لكن على رغم هذا الإقفال الحكومي، لن يعتذر الحريري عن مهمة التأليف، لأنّه بحسب فريقه “لديه مسؤولية تجاه البلد يعمل من ضمنها، ولا يهرب من مسؤولياته”. كذلك يشيرون الى أنّ الرئيس المكلف «لديه الوقت ويُمكنه أن ينتظر، فالوقت بيده وليس بيد الفريق الآخر الذي فعل كلّ ما يُمكنه فعله لدفع الرئيس المكلف الى الاعتذار، وهو لن يقدّم لهم هذه الخدمة.”
كذلك لن يزور الحريري القصر الجمهوري، إذا “لم يكن لدى الرئيس عون جديداً يطرحه”، ويعتبر أنّه قدّم التسهيل الممكن، في خطابه في 14 شباط الجاري، بإبدائه استعداده للبحث مجدداً مع عون في أسماء وحقائب وزارية. وبالتالي، إذا كان لدى عون أيّ جديد فليتصل ويبلغ الرئيس المكلف بذلك، بحسب ما تقول مصادر بيت الوسط.
وعلى رغم هذه السوداوية الحكومية، يرى الحريري أنّ “هناك إمكانية للإنقاذ وفق ما تبيّن له خلال زياراته الخارجية. وهو يؤمّن، بتحركه الخارجي، شبكة دعم عربية ودولية للبنان، في حال أُلّفت الحكومة لكي يبدأ العمل فوراً، إذ إنّ لبنان في حاجة الى مساعدات ودعم”. وهو متمسّك بالمبادرة الفرنسية التي لا تزال قائمة، ويعتبر أنّها المبادرة الفعلية الوحيدة الموجودة والمتاحة.