هنأ المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان المسلمين جميعا بذكرى ولادة أمير المؤمنين علي، “الذي كرسه الله عنوان العدل، وهو صاحب شعار الإنسان نظير الإنسان، والناس شراكة بالمغانم والمغارم، والعدل ضرورة الله بخلقه، وسلطانه مكفوف اليد حتى يعدل، والسلطة تبدأ بحماية الضعيف والمكروب والمحتاج، والفقر عدو السلطة والدين والدنيا والعدل والإنصاف، وأن السلطة ممنوعة إلا بحقها، وحقها قداسة الإنسان، والأسواق قنطرة صعبة إلا من ضمن العدل فيها، وحث على ضبط العدل بالثروة والقوة والنفوذ، واعتبر أن ذلك محنة السلطة والسلطان، فمن ضعف عنها ضيع البلاد والعباد”، مشيرا إلى أن “ما تعلمناه من مولانا أمير المؤمنين أنه جاهر بقداسة الإنسان وأهمية أولوياته، وكرس الحقوق العامة لكل الناس، بعيدا عن دينها وملتها واختلاف فكرها وثقافتها، وهو الذي عزل الولاة على الضعف والتقصير والقرب من الثروة وأصحابها، لأن من يملك زمام الحكم يجب أن يضبط السلطة على العدل والحذر، وهذا لا يستقيم مع شراكة المال أو اتخاذ الأثرياء بطانة أو أصدقاء. ولكن في نفس الوقت هو الذي رعى تنمية الثروة وتمكين جدواها ودورها العام بما يزيد من حظوظ المجتمع والدولة كضامن شعب وأهداف عامة وقداسة إنسان ومواطن”.
ولفت في رسالة الجمعة لهذا الأسبوع مباشرة عبر أثير الإذاعة اللبنانية، إلى أن “الإمام علي حذر من مصادرة الثروة للسلطة والأسواق والقيم الفعلية للحقوق العامة، لأن ذلك يحول الدولة وشعبها وإنسانها وقطاعاتها ومواردها فريسة، ويطيح بمشروع الدولة وصيغتها بحيث تصبح طعمة للفساد والاضطهاد والاستبداد. وهو ما نعاني منه بشدة في هذا البلد، بل يكاد يأخذ البلد نحو كارثة لم يشهدها منذ نشأته”.
وقال المفتي قبلان: “المطلوب في هذه المرحلة الحاسمة والحساسة أن نؤكد الوحدة الوطنية، وضرورة حماية البلد من التوظيف الدولي، والعمل على الإنقاذ الوطني الداخلي، لأن الخارج ما هو إلا غابة ذئاب، والضمير مفقود، والجمعية الخيرية لا محل لها في حسابات العالم. من هنا الحل يجب أن يبدأ وينتهي في لبنان وليس في الخارج، فالتاريخ حاسم بموضوع ضمير الأمم، فعصبة الأمم مثلا تحولت من كونها مرجعية عدل إلى مقبرة عدل لصالح الدول المنتصرة، وهو ما تعاني منه الأمم المتحدة بشدة لأن مجلس الأمن فيها تحول إلى مصدر لأزمات العالم، ومستودع أرشيف لملفات حقوق الدول الضعيفة. وتاريخ هذا البلد شاهد على عدم حيادية مجلس الأمن وسط حرائق دولية حولت فلسطين وسوريا والعراق وسيناء واليمن وليبيا وأفغانستان والسودان وغيرها، حولتهم إلى خراب وبشراكة مباشرة من بعض أعضاء مجلس الأمن الذي حول الأمم المتحدة إلى خيم نازحين ولعبة ديمغرافيا وجغرافيا ومشاريع حرب لصالح مجموعات صناعة السلاح وقاطرات النفط والمال وأباطرة الأسواق فضلا عن مشاريع الاحتلال والعدوان والأطماع السياسية القاتلة”.
وأضاف: “من هنا أيها الإخوة، وبكل حكمة وتعقل، نقول: التدويل بكافة أشكاله هو تخل عن مسؤولياتنا الوطنية الداخلية، هو تهديد للسيادة، وقد تكون مقامرة كبيرة وخطيرة، بل هي دفع للبلد نحو الهاوية، وإدخال البلد في نفق أزمة داخلية، وتطويب البلد للخارج، وتجهيل مسؤولية من نهب البلد، وساهم بتفليسه وتفخيخه لمشروع الدولة وتطيير القرار الوطني. وبصراحة أكثر، لبنان ضحية الطغيان الدولي، والأمم المتحدة منظمة سياسية بيد محتكري العضوية الدائمة في مجلس الأمن، وتاريخ لبنان وقضاياه شاهد مر على انحياز الأمم المتحدة، ولن نقبل أن يكون لبنان ضحية منظمة محكومة بسياسة من يهيمن على قرارها الأممي. وموقفنا من المؤتمر الدولي محسوم، ولا نعلن حربا ولا قطيعة ولا خصومة ولا نعلن إلغاء ولا نعلن إقامة متاريس طائفية، بل إننا نؤكد على شراكتنا بالبلد وعلى عائلتنا الواحدة وعلى تثبيت لمبدأ أن القضايا المصيرية تحتاج إلى قرارات وقيادات وشروط مصيرية ولا يجوز لفريق دون آخر أن ينفرد بها، رغم المحاذير الهائلة”.
وأكد المفتي قبلان أن “الأمر المحسوم عندنا حماية السلم الأهلي، حماية العيش المشترك، وحماية سيادة لبنان، لأن الأوطان إذا ضاعت حتما لن يستردها البكاء في المحافل الدولية، بل لا تستردها إلا التضحيات، كما كانت الحال في تحرير البلد من الاحتلال الإسرائيلي والتكفيري، أما الحسابات الواقعية والعدل الديني والوطني فهذا يعني أن نحمي لبنان من حرائق العالم والمنطقة، لا أن ندفع به نحو فم التنين، يجب أن تنتبه القوى السياسية إلى أن وضع البلد مصير مجهول، والهريان أصاب هيكل البلد من الداخل، والفقر عدو شرس، ولعبة النقد بين الليرة والدولار أداة حرب دولية خطيرة جدا، فالبلد مفتوح على عواصف ونيران، وعلى حيتان تحيط بنا وبعضها أصبح في الداخل، والخراب الدولي الإقليمي يتربص بنا خاصة المشاريع الصهيونية، فالمطلوب حكومة إنقاذ وطنية سريعا، حكومة ضمير وطني متحررة من هيمنة الخارج، بعيدا عن كذبة ضمير العالم ونجدة الأمم، ويجب أن تكون اللبننة أمامنا والتدويل وراءنا، وهذا أمر لا كلام فيه”.
وشدد على ضرورة “أن نلعب دور الأصيل، لا الوكيل، لن نقبل أن يقرر عنا غيرنا، ولذلك نحذر بشدة من التجارة بإنقاذ البلد، لأن إنقاذ البلد يعني تحميل المسؤولية لمن نهب البلد وصادر ودائع الناس ودفع الناس إلى الكارثة، وحول القطاعات العامة إلى مزرعة، وليس بالهروب إلى المحافل الدولية والتسول على حساب لبنان”.
وكرر تأكيده أن “سيادة لبنان وحمايته خط أحمر ولن نفرط بسيادة هذا البلد، ولا نقبل بانتداب أو وصاية أو تفريخ جمعيات أو برامج سم وعسل فوق سلطة الدولة أو مشاريع تطويب للخارج تحت أي اسم وشعار، فالذئب لا يصبح نعجة، والغش السياسي والديني حرام، والوطن عبارة عن شعب وتاريخ ونضال وعيش مشترك. والجوقات يجب تصويبها نحو من نهب البلد وصادر الدولة وليس باتجاه من يصر على منع تطويب لبنان للخارج، ويطالب بمحاسبة من نهب أو سكت أو شارك بفساد هذا البلد، نعم، الجريمة واضحة والمجرم معروف والجامع والكنيسة وظيفتهما حماية النعجة من الذئب، وتأكيد الحق والعدل وتوحيد العائلة وحماية البلد ومنع نيران الخارج عن البيت الداخلي، خصوصا إذا كان من في الخارج شيطان بهيئة إنسان”.
وختم: “سارعوا إلى إنقاذ لبنان، لأن أزمة لبنان هذه المرة تختلف عن كل الأزمات، فرحم الله من أعان على حماية البلد لا من أعان عليه”.