كتب وليد شقير في صحيفة نداء الوطن:
إطالة الفراغ الحكومي مع وضع الشروط على رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري تشبه عملية إطالة الفراغ الرئاسي بين أيار 2014 وتشرين الأول 2016، التي انتهت بالتسليم برئاسة العماد ميشال عون بحجة إنقاذ البلد من الشلل ومن انهيار مؤسساته واهترائها.
الأسلوب نفسه يجري اعتماده من الفريق نفسه الذي مارس اللعبة قبل سنوات: تحويل الفراغ إلى وضع ضاغط على الفريق الرافض لهيمنة عون – باسيل على الحكومة، ليرضخ ويقبل بما هو مطلوب في تشكيلها. على هذه التجربة يقيس الفريق الرئاسي و”التيار الوطني الحر” ومعهما “حزب الله” الأمور، ويخوضون المنازلة حول صيغة الحكومة وتركيبتها ويقارعون المجتمع الدولي رافضين التنازل أمامه. فهم يرفضون إبعادهم عن مفاصل السلطة لمصلحة الاختصاصيين غير الحزبيين بذريعة إتاحة المجال للإصلاحات المطلوبة.
الفريق المتمسك بتضخيم حصته في السلطة لا يقبل الاعتراف بإجماع الدول المعنية بإنقاذ مالية لبنان، على أن التجاذبات على القرار فيها وفي سائر المؤسسات الدستورية، والتنافس على منافعها المالية والخدماتية ومواقع النفوذ داخلها، هي التي حالت دون الإصلاحات المطلوبة. واختراع المعادلة القائلة “أعطونا الإصلاحات وخذوا الحكومة” لم تخدع الدول التي تنتظر من لبنان تشكيل حكومة فعالة وقادرة على الإصلاح وذات صدقية. فالذي مارس السلطة من أجل شهوات لا طائل لها، معروفة تفاصيلها لدى مسؤولي هذه الدول، ليس قادراً على إيهام المجتمع الدولي الذي بات يدرك أن التنكر بلباس الإصلاح لم يعد يخدع أحداً. ولو لم تكن الدول تدرك زيف هذه المعادلة لما كانت استخدمت قانون ماغنتسكي لفرض العقوبات على المتنكر بزي الإصلاح. بل إن هناك من يعتقد أن فصول ملاحقة من هو متهم بالفساد من الفريق الحاكم لن تتوقف في المرحلة المقبلة، على عكس مراهنة هذا الفريق على رفع العقوبات عن النائب جبران باسيل.
الفارق هذه المرة مقارنة مع العام 2016 أن المراهنة على حسن النية وممارسة سياسة أم الصبي قد أعطت نتائجها العكسية والسلبية. وما سماه الحريري في 2016 “المخاطرة الكبرى” بقراره دعم رئاسة عون، حصد البلد حصيلته خيبة ما بعدها خيبة، لأن الخطر على زوال لبنان وهويته بلغ مرحلة متقدمة. وتجربة التنازل جرى اختبارها ولم يعد مفيداً تكرارها، والحريري غير مستعد للخسارة مرة أخرى بحجة “ميزان القوى”، إذا كان الفريق الذي يعطل التأليف يراهن على تراجعه أمام اقتراحات التنازل من “حزب الله”، التي تحمل في طياتها الثلث المعطل مقنعاً، أو اللجوء إلى وزير أو وزيرين “ملِكين” يستحيل قبولها…
الفارق أيضاً أنه لم يعد من معنى للخشية من انهيار الوضع الاقتصادي واهتراء مؤسسات الدولة وتبرير التنازل بالسعي لتداركه. فالبلد بات في حفرة الانهيار والاهتراء والإفلاس. البطريركية المارونية لم تعد على الحياد في الصراع حول صيغة الحكومة، وتشدد على الاختصاصيين غير الحزبيين، وعدم رهن البلد لمصلحة دول أخرى، رافضة شعارات من نوع حقوق المسيحيين لتبرير الفراغ.
الفارق أيضاً أن اللوم بات موجهاً نحو “حزب الله” في الوسط المسيحي، وهو أمر يساهم به الحليف بعدما تراجعت شعبيته، بإعلانه أنه يقبل بما يقبل به “الحزب”، على رغم رفض “الحزب” الثلث المعطل لأي فريق.
الفوارق مع 2016 لا تحصى، منها أن انتفاضة 17 تشرين لم تكن قد اندلعت. وربما توجهت عند إحيائها نحو المعرقل الفعلي لقيام الحكومة هذه المرة.