كتب ألان سركيس في صحيفة نداء الوطن:
شكّل مؤتمر “أستانا” الذي عقدته روسيا الأسبوع الماضي في مدينة سوتشي مناسبة للبحث في الأزمة السورية ومن ضمنها تأثيرها على لبنان، وقد طرح ممثل لبنان في المؤتمر سفيره في روسيا شوقي بونصّار المخاوف اللبنانية عبر سلسلة لقاءات وأبرزها قضية النازحين السوريين. على رغم الإنشغالات بالأزمات اللبنانية الداخلية، إلاّ ان حلّ القضية السورية سيأتي بنتائج إيجابية على لبنان، لذلك كان حضور بونصّار في مؤتمر “أستانا” مهمّاً خصوصاً أن مناقشة الهواجس اللبنانية في أي مؤتمر دولي تأتي بنتائج إيجابية. وفي التفاصيل، فقد استضافت روسيا الأسبوع الماضي الدورة الخامسة عشرة من إجتماعات “أستانا”، وحضرت الإجتماع الدول الضامنة الثلاث وهي روسيا وتركيا وإيران، والدول المراقبة أي لبنان والعراق والأردن، في حين غابت الولايات المتحدة الأميركية عن اللقاء والتي لها صفة دولة مراقبة، وهي التي تقاطع هكذا إجتماعات منذ فترة طويلة.
وتركّزت الاجتماعات على بحث أفق تطوّر العملية السياسية في سوريا والأوضاع على الأرض وتدابير بناء الثقة بما فيها الإفراج عن المخطوفين والمحتجزين وتسليم الجثث وتحديد مصير المفقودين بالإضافة الى بحث الملفات الإنسانية الشاملة في سوريا وأهمها موضوع عودة النازحين السوريين. وجرت محادثات مطوّلة مع وفود الدول الضامنة حصراً، أي روسيا وتركيا وايران، ودارت مشاورات ثنائية بين وفدَي الحكومة السورية التي كانت برئاسة نائب وزير الخارجية أيمن سوسان وبين وفد المعارضة الذي كان يرأسه أحمد طعمة. هذا على صعيد الأزمة السوريّة، أما لبنانياً، فقد ركّز السفير بونصّار على عقد لقاءات مهمّة على هامش تلك الإجتماعات، وأبرزها مع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في سوريا غير بيترسون ورئيس الوفد الروسي إلى “أستانا” ألكسندر لافرنتيف، إضافةً إلى اجتماعات مع عدد من أعضاء الوفود الأخرى.
وعلمت “نداء الوطن” أن الملف الأبرز في محادثات بونصّار كان ملف النازحين السوريين الموجودين في لبنان، والذين يتجاوز عددهم المليون ونصف المليون نازح، وطلب بونصّار من بيترسون ولافرنتيف ومندوبي الدول الأخرى التعاون من أجل إيجاد حلّ سريع يؤمّن عودة النازحين بكرامة وبأمان إلى بلادهم، ولكن من دون ذكر شرط العودة الطوعية التي تُصرّ عليها الأمم المتحدة وكل الدول المعنية بالملف السوري، لأن العودة الطوعية قد تؤدي إلى بقاء القسم الأكبر من النازحين في البلدان التي نزحوا إليها لأسباب عدة منها إقتصادية وسياسية والخوف على سلامتهم.
من جهته، أبلغ بيترسون السفير بونصّار دعمه وتعاطفه مع لبنان حكومة وشعباً، وتمنّى حصول حلول سريعة للأزمة السياسية تسمح بتشكيل حكومة تنهض بالبلاد على جميع الصعد وعلى رأسها الإقتصاد، أما بالنسبة إلى ملف النازحين فقد أبدى بيترسون رغبته بالوصول إلى حلّ سريع ليس في لبنان فقط بل في الدول المحيطة بسوريا كتركيا والأردن والعراق، بحيث يتمكّن أبناء الشعب السوري من العودة الى مناطقهم، لكنه أوضح لبونصّار أن ذلك سيستغرق وقتاً طويلاً ومرتبط بالحل السياسي الشامل، لذلك فـ”القصة بعدها مطوّلة”.
أما لافرنتيف فقد ركّز خلال اللقاء على أن حلّ النزاع السوري يقتضي بشكل ضروري حصول تفاهمات أميركية وروسية سريعة، لأن الدول الضامنة الثلاث المشاركة في “أستانا” لا تستطيع ضمان حل للأزمة السورية، بل هناك شرط أساسي للحل وهو الحصول على الموافقة الأميركية، في حين أبدى الجانب الروسي تفهّمه للهواجس اللبنانية التي عبّر عنها بونصّار.
ويمكن القول عن خلاصة إجتماعات بونصّار مع كبار المسؤولين ومجريات مباحثات مؤتمر “أستانا” أن الأزمة السورية لا تزال معقّدة إلى أقصى الحدود، ولا تزال الهوّة كبيرة بين المكوّنات السورية، أي بين ما تطلبه الحكومة السورية وبين ما يريده فريق المعارضة، لذلك فإن لبنان سيستمرّ في دفع فاتورة هذه الحرب، في حين أن الحلّ داخلي لأن من ينتظر أن تأتي التسوية اللبنانية على جناح التسوية السورية سينتظر طويلاً بلا نتيجة.