كتبت مايا الخوري في “نداء الوطن”:
يارا فارس ممثلة وإعلامية وناشطة إجتماعية، نجت وعائلتها من إنفجار 4 آب، لكنها خسرت منزلها الزوجي. تفرّغت منذ بدء الإنهيار الإقتصادي وبعده جريمة المرفأ للعمل الميداني الإجتماعي دعماً للأسر المحتاجة والأكثر عوزاً. تمثيلاً تطلّ في دور “جينيفر” في مسلسل “حادث قلب” الذي يُعرض عبر MTV. عن علاقتها بالوطن ونشاطها الإجتماعي ودورها في المسلسل تتحدث إلى “نداء الوطن”.
لم ولن تنسى يارا فارس أبداً لحظة واحدة من يوم 4 آب المشؤوم، تتذكر تفاصيله ولا تجد تعابير تصف هذه التجربة. فتقول: “صحيح أن الأشهر مرّت، لكن الغضب تضاعف وربما بعض الحقد والكراهية والوجع الداخلي “خصوصاً أننا لم نعرف السبب الحقيقي للإنفجار ولا المسؤول عن الجريمة. ما يولّد لديّ الرغبة بالإنتقام. أتمنى أن يخفّ هذا الغضب إذا كشف القضاء اللبناني الحقيقة واستحصل اللبنانيون قليلاً من العدالة”.
من جهة أخرى تنزعج فارس من تناسي اللبنانيين للجريمة ونفضها عنهم ليكملوا طريقهم كأنها مجرّد عملية إغتيال سياسية، ولم تغتل نصف الشعب اللبناني وتدمّر مدينة بأكملها. فتقول: “يجب أن نتذكّر دائماً ذلك الإنفجار ورفضه وعدم تخطّيه وألا يتكرّر طبعًا”.
بعد إنهيار الوضع الإقتصادي في لبنان، تفرّغت فارس للعمل الإجتماعي من ضمن جمعية زوجها إدي بيطار “Live love Beirut, live love Lebanon”، التي بادرت إلى مساعدة أهالي بيروت بعد وقوع الإنفجار، فتحدّثت عن تلك التجربة: “رغم تضررنا شخصيًا بالإنفجار، وخسارتي منزلي وعملي، لم أستطع أن أبقى مكتوفة اليدين من دون المبادرة بدوري لمساعدة الناس المنكوبة، خصوصاً بعدما رأينا نخوة اللبنانيين الذين هبّوا إلى إزالة الردم من الشوارع والمنازل. إلى ذلك، ورغم أن تأمين ما يلزم إلى المحتاجين هو من مسؤولية الدولة لا الجمعيات الأهلية، إلا أنني لا أستطيع أن أكون لامبالية تجاه حالات الفقر والعوز”. وتستطرد: “بعد انهيار الإقتصاد إحتاج لبنانيون كثر إلى مأكل وملبس، إنما بعد الإنفجار أصبحوا يحتاجون مأوى ودواء وطبابة واستشفاء ومعنويات كثيرة. ما نراه يفوق التصوّر ومرفوض، غالباً ما أبكي بحرقة على مآسي الناس الذين نصادفهم في عملنا الميداني”.
إنطلاقًا من دورها كممثلة وناشطة إجتماعية وإعلامية، تدعو الإعلام إلى الإضاءة أكثر على المشكلات الإجتماعية والعائلات المحتاجة، بواقعية وشفافية لحثّ المقتدرين على المساعدة، لأن معظمهم يعيش في عالمه الخاص غير مبالٍ بأوجاع الآخرين، ولأن كثيرين يتململون من الحديث عن الفقر والعوز. كما يجب تسليط الضوء أكثر على الجمعيات التي تبادر ميدانياً للتحدث عمّا تحتاجه في رسالتها خصوصاً أن ثمة مغتربين يمكنهم المساهمة مادياً أيضاً. ومن شأن ذلك برأيها تحقيق التغيير لأن اللبنانيين يتعامون عن الحقيقة ويضعون رأسهم في التراب، لذا حان الوقت ليروا واقع المجتمع والصعوبات التي يواجهها مواطنون كثيرون ليعيشوا بكرامة.
وردًّا على سؤال حول تعلّقها الدائم بلبنان وعودتها إليه من الغربة، تقول: “أينما سافرنا وتأقلمنا ومهما تمكنّا من لغات العالم، واكتسبنا عادات بلدان أخرى وتقاليدها، يشعر الإنسان بالغربة وليس في موطنه الأم. نشأت في منزل وطنيّ جدًا ومناضلٍ من أجل لبنان، لذلك تربيّت على حبّ الوطن الذي أعشق طبيعته وناسه وتقاليده وعاداته. ولأن وطننا يعيش في خطر دائم ويتّكل على نفسه في الصعاب، يصمد اللبناني ويدبّر أموره أينما وُجد، كونه ذكيّاً يفكّر في مشاكله لحلّها دون الإتكال على الآخرين. ففي بعض البلدان المتقدّمة يعيش المواطنون مسيّرين لا مخيّرين، على عكسنا. إلى ذلك، ما يعيدنا دائماً إلى وطننا هي الحياة الإجتماعية التي يسودها الودّ والمحبة والطيبة بين الناس، وكأن اللبنانيين عائلة كبيرة مجموعة. مرّ لبنان تاريخياً بمشاكل كثيرة، وقد ناضل أهلنا وضحّوا من أجلنا واستشهد كثيرون من أجل الوطن لذلك أعود إليه مهما تغرّبت ولا أفكر بالتخلي عنه”.
على الصعيد الفنّي، تطلّ فارس في دور جينيفير في مسلسل “حادث قلب”. وقد لاقى أداؤها لفتاة تتعرض لاعتداء جسدي وجنسي، صدى إيجابياً لدى معنّفات أرسلن لها التهنئة. وتقول عن هذه التجربة: “كان دوري صعباً جداً، أجريت بحثاً عن النساء المعنّفات لأعبّر عن وجعهنّ الحقيقي وإيصال رسالة إلى المجتمع حول خطورة ما يتعرضن له، خصوصًا أن الناس تكتفي بالشفقة أحياناً”.
وعن صعوبة تصوير تلك المشاهد تقول: ” إتفقت مع الممثل جان دكّاش على أداء المشهد بتفاصيل حقيقية، لذا كان مشهداً صعباً جسدياً ونفسياً على حد سواء. جان صديق قديم وممثل لامع، إستطاع أن يعبّر فعلاً عن شخصية المُعنّف الذي هو برأيي مريض نفسي يجب وضعه عند حدّه. كرّرنا تصوير المشهد 7 مرّات حتّى حققنا النتيجة المرجوّة، ما ترك آثار كدمات متفرقة في جسمي، إنما لا يهمّ طالما أن رسالتي نجحت”.
برأي يارا للعنف أشكال عدّة، يبدأ بتحطيم المعنويات والأذى اللفظي واللوم والمهانة، لذا يجب أن تفهم المرأة المُعَنفّة، بأن لا شيء يمنح الرجل الحقّ بضربها. وتضيف: “رسالتي أيضاً إلى كل إمرأة مُعنّفة أن تبقى قوية وتحارب ولا تستسلم، حتى لو لم تكن مستقلة مادياً أو لديها مساندة عائلية تحت ستار العيب. لقد أصبح المجتمع أكثر وعياً على أن العيب هو في تعنيف الزوج وأن المرأة ضحية، وبالتالي يجب ألا تخاف خصوصاً في ظل توافر الجمعيات والقضاء الذي يحاول قدر المستطاع حمايتها.
على صعيد آخر، وبرسالة مؤثرة جداً نعت يارا فارس جدّها الذي خسرته بعدما أُصيب بفيروس كورونا في المستشفى، حيث كان يقوم بفحوصات روتينية إثر تعرّضه لجلطة صغيرة في رجله. وتقول: ” كان بصحّة جيّدة ولا يعاني من أي مشكلة. عند دخوله المستشفى وُضع في غرفة مستقلة حتى إتمام فحوصاته اللازمة، لكنهم نقلوه فجأة إلى غرفة أخرى من أجل استقبال شخص يعتبرونه “أهم”. فأصيب بالفيروس بسبب المريض الذي كان في الغرفة أو ربما بسبب الممرضة. لا نعلم، ولكن النتيجة واحدة، فقدنا جدّي بعد أسبوع”.
وتتوجه إلى المستهترين بخطورة هذا الفيروس داعية إيّاهم إلى التفكير بمن يحبّون لأن أحداً لا يدري كيف يتفاعل الجسم مع المرض مهما كانت البنية قويّة والصحّة جيّدة”. صحيح أن الوضع الإقتصادي سيّئ وبحاجة إلى العمل ولكن إتخذّوا على الأقل الإجراءات اللازمة لحماية الآخرين”. وتتمنى لو نعود إلى الطبيعة بعيداً من الماديات فنزرع كما أجدادنا الأرض ونأكل من رزقنا. مشيرة إلى أن اللبناني عاش “لوكس” معينًا، معتبراً الأشياء تحصيلاً حاصلاً في الحياة، إلا أنه في الحقيقة يجب التفكير بأن السرير الذي ننام فيه مساء نعمة، وكذلك سقف الغرفة الصغيرة. لذا فلننتبه الى بعضنا البعض وعلى المقربين من العائلة والأصدقاء ونتعامل مع بعضنا بالحسنة والمحبة.