من يقرأ التاريخ جيداً يُدرك أن أحداً لم يتمكن من الانتصار في أي معركة بوجه بكركي، وخصوصاً منذ الاستقلال وحتى اليوم.
في العام 1918، يوم كان لبنان تحت احتلال الجيش الفرنسي توحد اللبنانيون حول البطريرك الماروني الياس الحويّك الذي ترأس وفد لبنان إلى باريس وتمكّن من فرض إعلان “لبنان الكبير”.
في العام 2000 يوم كان لبنان قابعاً تحت الاحتلال البعثي السوري العسكري والاستخباراتي، وقف البطريرك نصرالله صفير بوجه هذا الاحتلال وأطلق نداء المطارنة الموارنة وقاد معركة الاستقلال الثاني.
وبالأمس في 27 شباط 2021 انتفض البطريرك بشارة الراعي بوجه احتلال هيمنة السلاح الإيراني على القرار الوطني وأطلق معركة الاستقلال الثالث.
لا فرنسا تمكنت من هزيمة بكركي فخرجت في 31 كانون الأول 1946، ولا سوريا التي انسحب جيشها ذليلاً في 26 نيسان 2005، وحتماً لن تهزمها إيران وسيتم سحب سلاح ميليشياتها عاجلاً أم آجلاً!
المفارقة المضحكة أن “حزب الله” لم يتعلّم من تجربة الاحتلال السوري الذي حرّك أبواقه بعد نداء أيلول 2000، ويظن الحزب أنه بإطلاق الأبواق إياها بوجه بكركي وسيدها بعد خطاب شباط 2021 سيتمكن من التصدّي للدينامية الوطنية التي أطلقها البطريرك الماروني!
بالأمس لم يحمل سيد بكركي طرحاً طائفياً. لم يرفع شعار حقوق المسيحيين. لم يبحث عن حصص وزارية ولم يسأل عن صلاحيات. لم يحسب حساباً لتعيينات أو صفقات. جلّ ما فعله من أعطي له مجد لبنان أنه حمل هموم جميع اللبنانيين وهواجسهم، ووضع خارطة طريق واضحة لنهوض لبنان من كبوته وأزماته وانهياره، والأهم لاستعادة سيادة الدولة وقرارها الحر.
حمل بطريرك الموارنة وجميع اللبنانيين المشعل حيث فشل كل الآخرين. فأحزاب 14 آذار ولم تعرف كيف تحمي الاستقلال الثاني، وغرقت في أنانياتها وحساباتها الضيقة فنجح “حزب الله” في التفرقة فيما بينها وشرذمة صفوفها وسيطر على أكثريتهم سواء بالترغيب أو بالترهيب. وثورة 17 تشرين أضاعت بوصلة السيادة بعدما تمكن “حزب الله” من ترهيبها أولاً ومن ثم التغلغل فيها وبث الشقاق بين صفوفها، وظنّ بعض من في هذه الثورة أنه يمكن تحقيق إصلاحات أو نهوض اقتصادي في ظل هيمنة السلاح فخاب ظنهم. وهكذا أتى سيد بكركي ليرفع راية لبنان مجدداً بأجندة وطنية لبنانية صرف، واضحة العناوين والأهداف.
لن تنفع محاولات الترغيب والتهريب مع بكركي. ستسقط حتماً حملات التخوين وسوق الاتهامات التي بدأتها أبواق محور الممانعة. والمطلوب اليوم الالتفاف مجدداً حول الصرح البطريركي وتوحيد كل القوى السيادية والمعارضة من أجل البناء على المشترك لإنجاز معركة استعادة السيادة والكرامة الوطنية.
مطلب الحياد والمؤتمر الدولي من أجل لبنان هو بوجه كل محاولات اعتقال لبنان كرهينة في المحور الإيراني، وهو مطلب وطني صافي يحقق مصالح جميع اللبنانيين بوجه مسيرة إفقار اللبنانيين ونهبهم وتهديدهم بالحروب الإقليمية وعزلهم عن محيطهم العربي خدمة للأجندة الإيرانية.
هلمّوا إلى بكركي، من دون تردّد. إنها البوصلة التي لا تضيّع هدفها أبداً، ووحدها يمكن أن توصلنا إلى برّ الأمان.
وإلى من يسأل “على من أو ماذا تعتمد بكركي؟ وعلى أي قوة تستند؟” في ظل سيطرة “حزب الله” في الداخل وتفرّق خصومه وفي ظل معادلات إقليمية لا تقيم حساباً للبنان… على هؤلاء أن يتذكروا أنهم سألوا الأسئلة نفسها في 20 أيلول 2000 وسخروا من بكركي ومما يمكن أن يفعله مطارنة موارنة في ظل إحكام سلطات الاحتلال البعثي سيطرتها على كل لبنان وعلى الأكثرية الساحقة من سياسييه وقواه السياسية، وفي ظل تناغم المدتمع الدولي مع هذا الاحتلال.
بكركي تعتمد أولاً على من أكد لها أن “أبواب الحجيم لن تقوى عليها”، وتعتمد ثانياً على سيدها الذي أكد للبنانيين السبت أنه لن يخذلهم. والأهم أن بكركي تعتمد على اللبنانيين أنفسهم، بكل طوائفهم وانتماءاتهم، الذين متى توحدوا يستطيعون أن يغيّروا الرأي العام العالمي بأسره ويعدّلوا قرارات عواصم العالم. بكركي التي دعت اللبنانيين ألا ينسوا شهداءهم كانت تذكّرهم ببشير الجميل ورينه معوض، بكمال جنبلاط ورفيق الحريري ووسام الحسن، ببيار الجميل وجبران تويني ورفاقهم، وكانت تذكرهم بلقمان سليم الذي حضر أيضا بالأمس في رفاقه… على كل هؤلاء تعتمد بكركي وهي لن تخذلهم!