IMLebanon

عودة: على المسؤول خدمة الشعب لا استغلاله

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة قداسا إلهيا في كنيسة مار جاورجيوس في المطرانية.

وبعد الإنجيل، ألقى عظة قال فيها: “مؤسف ومحزن أن يتعامى إنسان عن واجبه وعن مشيئة الله. أقول هذا فيما يعاني وطننا أزمة لم يعرف مثيلا لها في تاريخه، لكن المسؤولين فيه يتجاهلون الواقع المرير، ويعتمدون تدميرا ممنهجا لمفهوم الدولة، بتقويض ثقافة الديموقراطية فيها، وعدم احترام الدستور، وابتكار أسس جديدة تتماشى مع مصالحهم وتلبي طموحاتهم. الشعب يعاني من الوباء المتفشي، ومن البطالة والجوع والعوز وهم يتنافسون على الهيمنة وتحصيل المكاسب وتقاسم منافع السلطة. ويطالعوننا بشعارات ومحاضرات عن مكافحة الفساد واستعادة الحقوق وتحقيق العدالة. ألم يسمعوا أن المواطنين يريدون استرجاع حقوقهم منهم، واسترجاع السلطة منهم، لأن اللبنانيين شبعوا شعارات ووعودا، ويدركون أن الفساد لا يحارب بالشعارات والخطابات إنما بالأفعال، وأن حقوق المسلمين وحقوق المسيحيين تكون بإعطاء اللبنانيين حقوقهم وببناء دولة قوية عادلة لا تميز بين مواطن وآخر بغض النظر عن دينه وطائفته وانتمائه. حقوق اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، تكون في بناء إقتصاد متين، وتطبيق الإصلاحات الضرورية من أجل إنقاذ الدولة، وتحديث إدارتها، وتطهيرها من كل مستغل وفاسد، وفي تحصين القضاء، وإبعاد سلطة السياسيين عنه. لقد طالبنا منذ أسبوعين بانتفاضة القضاء على السياسة، فإذا بالسياسيين ينقلبون على القضاء ويمعنون في غيهم”.

وأضاف: “الكارثة التي حلت بالعاصمة كانت كبيرة جدا، وخلفت مئات الضحايا والجرحى وآلاف البيوت المنكوبة. ألا يحق للمواطن أن يطلب تفسيرا؟ ألا يحق لذوي الضحايا أن يطالبوا بالحقيقة؟ وأن يتوخوا تحقيقا شاملا واضحا لا يميز بين المذنبين ولا يتستر على أحد؟ ألا يحق لهم أن ينادوا أن لا كبير أمام القانون، وأن موقع أي مسؤول ليس أغلى من دم أبنائهم؟”.

وتابع: “من حق المفجوعين بفلذات أكبادهم أن يعرفوا الحقيقة. من حقهم ومن حق أهل بيروت المقهورين أن يعرفوا من كان سبب الفاجعة التي ألمت بهم. من حقهم أن يعرفوا من استقدم المواد التي فجرت بيوتهم وأبناءهم، ومن وافق على تخزينها في المرفأ سبع سنوات دون أن يؤنبه ضميره، أو من تغاضى عن تخزينها، ومن قصر في اتخاذ الإجراءات أو تحمل المسؤولية. لقد استبشروا خيرا عندما عين محقق عدلي استشفوا من سلوكه عناد في العمل من أجل كشف الحقيقة، لكن خيبة الأمل لم تتأخر إذ أبى من استدعوا من السياسيين إلى المثول أمامه الاستجابة لطلبه مستظلين حصانتهم، وكأن الحصانة درع لحماية المذنب، أو كأن المركز، مهما علا، حصن له”.

وأردف: “ألا يخجل السياسيون من الإختباء وراء حصاناتهم؟ وأين حصانة المواطن المجروح أو المنكوب؟ أما البريء فلا يهاب شيئا. ولكي يعاقب السياسيون القاضي الذي تطاول على حصاناتهم أقصوه، وكأن الحقيقة تقف عند خطوط حمراء لا يجوز تجاوزها. إن غابت العدالة في بلد انهار، لأن غياب القضاء العادل المستقل، يعني غياب المحاسبة. عندها تغيب الحقيقة والإصلاح ومكافحة الفساد، وتسود الفوضى، وتعم شريعة الغاب. هل يعاقب قاض قام بواجبه؟ هل يعقل السكوت عن بركان على كتف العاصمة، فجرها وفجر أهلها؟ بعدما ضاع كل الوطن هل تريدون تضييع الحقيقة؟ أملنا أن لا يخشى المحقق الجديد إلا ربه، وأن لا يجعل الصغار فدية عن الكبار. وطوبى للقاضي العادل الذي يحكم بالحق ولا يسخر ضميره مقابل مركز أو رشوة. أما إذا لم يتمكن القضاء اللبناني من الوصول إلى الحقيقة، فلا نلومن اللبنانيين إذا تطلعوا إلى الخارج”.

ولفت الى أن “السياسة ليست طريقا إلى الشهرة أو الثروة أو التحكم برقاب الشعب وجني المكاسب، بل هي عمل شاق ومتعب، لأنه يستنفد طاقات العقل والجسد من أجل الخدمة والخير العام. إن من اختار العمل في الوزارة أو النيابة أو في أية وظيفة عامة هو موظف عند الشعب، واجبه خدمة الشعب لا استغلاله. لكن العمل في الحقل العام عندنا هو باب للاسترزاق واستغلال النفوذ والتحايل على الدستور وعلى القوانين، وإلا كيف دخلت المواد المتفجرة إلى المرفأ، ولماذا تمييع التحقيق؟ ولماذا يتم تعطيل المؤسسات؟ ولم لم تشكل حكومة وعدنا بها منذ أشهر وما زالت في غياهب المجهول؟”.

وختم: “في العالم الراقي يستقيل المسؤول بعد فاجعة بحجم انفجار المرفأ، أو بعد خطأ أو تقصير أو فضيحة، أو عند عجزه عن القيام بواجباته الوطنية. ألا يحرقكم دم الطفلة ألكسندرا، والشاب الياس، ودماء رجال الإطفاء، ودماء الممرضات وكل ضحايا الانفجار المجنون؟ ألا يخجلكم منظر أحياء بيروت المدمرة؟ ألا يقض مضاجعكم أنين اللبنانيين؟ تتلهون منذ شهور بجدالاتكم العقيمة، ومطالبكم وشروطكم، والبلد ينهار. هل فقدتم إنسانيتكم؟ أليس في صدوركم قلوب تخفق وتتألم وتدمى؟ عودوا إلى ضمائركم إن كان هناك من ضمير. عودوا عن أخطائكم. توبوا إلى ربكم.الإنسان، حين يتوب حقا، يشعر بالسعادة التي أحس بها الإبن الضال عندما استقبله والده بفرح عظيم وذبح له العجل المسمن. هل يرفض أحد سعادة كهذه ويعود إلى ذل استعباد الخطايا؟ طبعا، تكمن الصعوبة في الخطوة الأولى التي على الإنسان القيام بها نحو الإعتراف بخطيئته، تماما مثلما حدث مع الإبن الأصغر في مثل اليوم، إلا أنه لما تجرأ على العودة عاد سيدا”.