كتبت أنديرا مطر في جريدة “القبس الكويتية”:
تساؤلات كثيرة تطرح عن مآلات مبادرة البطريرك الماروني بشارة الراعي التي أدخلت لبنان في صراع سياسي قد يتحول إلى أزمة خطيرة تنتهي بشكل من أشكال الحروب أو بمقايضة بين القوى المتصارعة.
يتخطى الصراع المستجد الأطر التقليدية ليطول النظام اللبناني برمته، إذ إن هناك من يعمل على نسف الصيغة اللبنانية التي لم تعد ملائمة لحجم قوته، في مقابل أطراف تسعى إلى تثبيت «اتفاق الطائف»، الذي يعني ضمناً حل مسألة كل سلاح خارج إطار الشرعية اللبنانية. وأمام هذه الانقسامات العميقة تبدو التسوية صعبة ما لم تقترن بتنازلات كبيرة من كلا الطرفين.
السيناريوهات الداخلية المحتملة لتبديد دينامية الحياد والمؤتمر الدولي التي أطلقها الراعي تتوزع بين أربعة اتجاهات متناقضة وفق ما تقول مصادر مطلعة لـ القبس:
- أولاً: تفريغ المبادرة من مضمونها، وتحويلها من مطلب وطني جامع إلى صراع مسيحي – مسيحي عبر القول إن التيارات المؤيدة للبطريرك لا تعبر عن الرأي العام المسيحي، وهذا ما حاول التيار الوطني الحر قوله في رسالته إلى الفاتيكان.
- ثانياً: التعويل على إثارة ملفات داخلية مثل التركيز على الأزمة المالية والأوضاع المعيشية مع تحريك لبعض التظاهرات المناطقية لطي صفحة اليوم التضامني مع بكركي.
- ثالثاً: تخويف المسيحيين بأن مطالبتهم بمؤتمر دولي لبحث الأزمة اللبنانية، ستشكل فرصة مناسبة للبحث في النظام اللبناني برمته وهذا البحث سيكون على حسابهم.
- رابعاً: تحريك جبهة الجنوب اللبناني، سواء من قبل العدو الصهيوني أو من قبل أطراف داخلية، يستدعي رداً إسرائيلياً للقول إن مبدأ الحياد غير قابل للتطبيق في لبنان.
حزب الله: احتواء وترقب
المواقف الأولية للحزب على مواقف الراعي في «سبت بكركي» أتت مهادنة ومترقبة. مصادر مقربة من الحزب تحدثت عن محاولة لإعادة التواصل مع بكركي وفتح قنوات للحوار على الرغم من الحملة التي قادتها صحيفة الأخبار المقربة من الحزب ورجال دين يدورون في فلكه.
مطلعون على موقف حزب الله كشفوا لـ القبس أن الحزب يتجنب التصعيد المباشر مع بكركي إلا أنه لن يوفر الأحزاب التي شاركت في اليوم التضامني. وتضيف المصادر أن الحزب سيمارس سياسة الاحتواء الكامل مع يوم بكركي وكل ما يحكى عن تصعيد شعبي مضاد “مرفوض لكي لا يشكل ذلك ذريعة تستغلها أي جهة تسعى للدفع نحو التصعيد والفوضى”.
التدويل والإجماع الخارجي
البطريرك الماروني أوضح في مناسبات عدة أن تدويل لبنان لا يعني وضعه تحت وصاية الأمم المتحدة، وإنما إشراك إدارة دولية للأزمة بين الدول المعنية بالملف اللبناني من طهران إلى واشنطن مروراً بالرياض وموسكو وباريس. وهذا ما يفرض إجماعاً دولياً، قد لا يكون متوافراً حالياً، للتعامل مع مبادرة بكركي كمسوغ للدفع بالأزمة اللبنانية إلى طاولة مجلس الأمن.
نادر: ضرب الدستور بدأ في 2011
واعتبر المحلل السياسي سامي نادر في تصريح لـ “القبس” أننا نعيش في أزمة خطيرة تتعلق بالنظام اللبناني وكل من يرى خلاف ذلك يكون مخطئاً.
واعتبر نادر أن دينامية الراعي تشكل محاولة لردع هذه الأزمة وهذا التحول في بنية النظام الذي بدأ منذ عام 2011 مع تكريس بدعة «الثلث المعطل» وما أعقبه من ممارسات وقواعد تشغيلية لتشكيل الحكومات كانت كلها خارجة عن الدستور، فضلاً عن أن التسويات التي تلت هذه المرحلة ساهمت في ضرب الدستور وفي تغيير تدريجي للنظام.
هل موقف بكركي قادر على تغيير المسار؟
الامر متعلق بموازين القوى ومواقف الدول من هذا الحراك، يقول نادر. وبما أن لا قدرة في الداخل على إحداث أي تغيير نظراً لهيمنة السلاح، فإن الأمور رهن بتطورات الإقليم وتطور موازين القوى في المنطقة، التي لم تعد كما كانت في السابق لمصلحة إيران. ففي سوريا وفي العراق هناك انحسار للنفوذ الإيراني، وفق نادر.
وعما إذا كان انحسار نفوذ إيران في المنطقة قد يكرس نفوذها كجائزة ترضية في لبنان، قال نادر إن هذا ممكن وهو خطر جدي. من هنا فإن موقف البطريرك الماروني بتحييد لبنان عن صراعات المحاور هو أكثر من ضروري. “على الأقل هناك من تجرأ وطالب بالعودة إلى الثوابت اللبنانية المؤسسة للكيان. وهذه المطالبة أتت في لحظة استعداد للمفاوضات الإيرانية الأميركية وفي خضم تغييرات في المنطقة، فيما لبنان بلا صوت وبلا حكومة وبلا مؤسسات أو بمؤسسات مختطفة لمصلحة محور إيران”.
بحسب المحلل السياسي لا بد من تلاقي إرادة الداخل مع إرادة الخارج لكي تصل مبادرة البطريرك إلى مبتغاها، موضحاً أنه ليس بالضروري توحيد كل إرادات الداخل وليس ضرورياً إجماع الخارج، كما حصل في 2005، يكفي أن تأخذ دولتان أساسيتان المبادرة بمواكبة تحرك داخلي لبناني وازن، لنصل إلى خرق ما.