ليس المؤتمر الدولي حول لبنان، بحدّ ذاته، ما يخشاه فريق الممانعة في بيروت. وليس طرح “تدويل” الملف اللبناني بشؤونه وشجونه التي لا تنتهي، ما يقلقه. بحسب ما تقول مصادر سياسية سيادية لـ”المركزية”، حزب الله وكل من يدورون في فلكه، غير موفّقين حتى الساعة في الهجمة التي يخوضون على طرح البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، والمطلوب منهم تصويب بوصلتهم والهدف، بشكل محدد أكثر، والاعلان صراحة وبجرأة، عمّا يضمرون ويقض مضجهم.
ففي رأيها، حزب الله لم يكن يوما ضد التدويل، اي الـ”استعانة بالامم المتحدة أو بعاصمة كبرى نافذة، لانهاء معضلة ما في بلد ما”، وهو ما ترفع بكركي لواءه اليوم عبر المؤتمر الدولي. فالضاحية بالامس القريب، أرسلت مَن يمثّلها للجلوس في قصر الصنوبر على الطاولة نفسها مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي حمل مبادرة شاملة للخروج من الازمة السياسية – الحكومية – الاقتصادية التي فتكت ببيروت اثر انفجار المرفأ. قبل ذلك، ذهب الحزب الى قطر وشارك في طاولة حوار لبناني – لبناني رعتها الدوحة اثر حوادث 7 ايار 2008. اما عام 2006، فشارك الحزب بكل ثقله في اتصالات أجرتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة آنذاك مع الامم المتحدة لانهاء حرب تموز، فكان ان أبصر القرار 1701 النور وأسكت المدافع بين الحزب وتل ابيب، ووضع منطقة جنوبي الليطاني تحت رعاية واشراف اليونيفيل التي لا تزال حتى يومنا هذا، حاضرة على حدود لبنان مع فلسطين المحتلة.
الا تُعدّ اذا هذه المحطات كلّها، “تدويلا” للقضايا اللبنانية، بما هو “طلب معونة او وساطة من الخارج”؟ لماذا لم يرفضها حزب الله او تصدى لها حينها، لا بل كان له دور بارز في معظمها؟ الجواب هو التالي، تتابع المصادر. التدويل في هذه المحطات، كان يصبّ في صالح الضاحية، ويريحها، ويخفف معاناة او حصارا او أزمة تزعجها، أو يفضي الى أمر واقع جديد يناسب مصالحها تماما.
وهذا يعني استطرادا ان انتفاضة الحزب، بالمباشر او عبر وكالائه، ومنهم مثلا المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، على اقتراح الراعي، ليست موجّهة ضد المؤتمر الدولي بل ضد اهداف المؤتمر الذي يطلبه الصرح، والتي حددها بوضوح السبت الماضي، وتتمثل عناوينها العريضة بالحياد وبحصر السلاح بيد الجيش اللبناني فقط، وبتحرير الشرعية والدولة من خاطفيها وباعادة القرارات الكبرى الاستراتيجية كلّها، الى كنفها من دون ان تتشاركها مع اي طرف.
فكيف توافق الضاحية على الذهاب نحو مؤتمر كهذا، إن نجح في تحقيق اغراضه، انتفت علّة وجود الحزب اي سلاحه (في نظره هو) وانتهى فائضُ قوّته الذي يُسيّل في السياسة، وانتهى ايضا ربطُ لبنان عسكريا وسياسيا بصراع المحاور في المنطقة، ورُسم حد فاصل واضح ونهائي بين الدولة اللبنانية من ناحية والمحور الممانع بقيادة ايران من ناحية ثانية، بعد ان كانت طهران تعتبر بيروت من العواصم العربية الاربعة الواقعة تحت سيطرتها؟! هنا، لا في اي مكان آخر، بيتُ القصيد، وهنا يكمن جوهر خلاف الحزب مع بكركي. فالضاحية لطالما “دَوّلت” واستعانت بالخارج، لكن شرط ان يناسبها هذا “التدويل”.
الجدير ذكره هو ان كل ما ينادي به الصرح اليوم، وارد في دستور الطائف، ويبدو المطلوب ان يبقى هذا الدستور وأبسط قواعد قيام الدولة، معلّقين، كي تبقى دويلة حزب الله تنمو وتزدهر، تختم المصادر.