كتبت راكيل عتيِّق في “الجمهورية”:
بعد مرور أكثر من 4 أشهر على تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة من دون وجود أي إمكانية حتى الآن لاتفاقه ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون على صيغة حكومية، تُطرح أفكار عدة للخروج من هذا المأزق الحكومي، خصوصاً أنّ الحكومة لا تبصر النور وفق الدستور إلّا باتفاق رئيس الجمهورية والرئيس المكلف وتوقيعهما مرسوم تأليفها. وفي حين يتمسّك الحريري بمهمة التأليف رافضاً الإعتذار عنها وتبقى مهلة التأليف مفتوحة الى حين اتفاقه وعون، في غياب أي مهل دستورية تحدّد مدة التكليف أو التأليف، يُتداول أنّ عون قد يعمد الى إجراء مشاورات نيابية أو توجيه رسالة الى مجلس النواب في هذا الشأن.
لم يسبق منذ عام 1990 بعد «اتفاق الطائف» الذي حدّد التأليف بالتوافق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، أن رجع مجلس النواب عن أي استشارات نيابية أدّت الى تكليف شخصية تأليف الحكومة، كذلك لم يسبق أن وجّه رئيس جمهورية رسالة الى مجلس النواب يطلب منه فيها العودة عن نتائج الاستشارات الملزمة التي أفضَت الى تكليف شخصية مهمة التأليف. وبالتالي، إذا عمد عون الى توجيه هذه الرسالة تكون سابقة بمضمونها في الحياة الدستورية في لبنان.
وبالنسبة الى إمكانية إجراء عون مشاورات مع الكتل النيابية والسياسية في موضوع التكليف، تقول مصادر القصر الجمهوري إنّها ليست فعلية، بل إنّها إحدى الأفكار التي تُطرح في إطار البحث عمّا يُمكن فعله للخروج من المراوحة الحكومية، وإحدى الأمور التي جرى الكلام عنها في إطار الحديث العام وليس في إطار الخطوات التنفيذية، وهي كلام ضمن البدائل التي تُطرح للخروج من الأزمة والتي ليس بالضرورة أن تكون بدائل فاعلة.
وتشدّد هذه المصادر على أنه يُمكن لرئيس الجمهورية أن يلتقي القيادات السياسية أو أن يستقبلهم في أي لحظة، فدستورياً لا مانع لالتقاء رئيس الجمهورية مع القيادات السياسية، لكن ليس في إطار الإستشارات بل المشاورات. وتشير الى أنّ هناك رأيين: الأول يقول إنّ هذه المشاورات قد تعطي نتيجة. والثاني يقول إن لا جدوى من هذه المشاورات بحيث أنّ الكتل حددت مواقفها ولا مواقف مخفية أو غير معلنة لها لكي يُصار الى معرفتها. وبالتالي هذه فكرة تم التداول فيها لكن لم تُطرح جدياً، فمواقف الكتل معروفة وحددتها سابقاً، فماذا ينفع سؤالها السؤال نفسه، لكن هذا لا يمنع أنّ الرئيس يمكنه أن يلتقي أشخاصاً ويتشاور معهم في إطار لقاءاته السياسية، لكنها ليست مشاورات بالمعنى التنفيذي للكلمة.
أمّا بالنسبة الى توجيه عون رسالة الى مجلس النواب لسحب التكليف من الحريري أو لمناقشة سُبل الخروج من الأزمة الحكومية، فهذا ليس مطروحاً الآن، بحسب مصادر بعبدا.
لكن، في حال قرّر عون توجيه رسالة كهذه الى مجلس النواب، هل هي دستورية، وما هي مفاعيلها ونتائجها، وهل يُمكن أن تؤدي دستورياً الى حلّ معضلة التأليف، خصوصاً أنّ الحريري ليس مسؤولاً وحده عن التأليف لكي يُعتبر أنّه فشل في تأدية مهمته، بل إنّ الحكومة تؤلّف بالشراكة بينه وبين عون، فمن دون توقيع رئيس الجمهورية لا يُمكن أن تصل التشكيلة الوزارية الى مجلس النواب ليمنحها الثقة أو يحجبها عنها؟
دستورياً، يوضح الوزير الأسبق المحامي زياد بارود أنّ الفقرة العاشرة من المادة 53 من الدستور تتيح لرئيس لجمهورية أن «يوجّه عندما تقتضي الضرورة رسائل إلى مجلس النواب». وقد فصّل النظام الداخلي للمجلس آليّات ومهل وطريقة التعاطي مع هذه المبادرة الرئاسية. وبالتالي، إنّ توجيه الرسالة هو في صلب الصلاحيات الدستورية الممنوحة للرئيس وليس هنا الجدل. كذلك، يشير بارود الى أنّ مجلس النواب ليس ملزماً إلّا بمناقشة الرسالة وليس بمضمونها.
وإذا كانت الرسالة تطلب من النواب العودة عن التكليف، فإنّ مسألة مناقشة التكليف المُعطى لرئيس الحكومة المكلّف بالاستناد إلى استشارات نيابية ملزمة تطرح إشكاليات في السياسة وكذلك في الدستور.
في السياسة، يقول بارود: «قد يؤدي مجرّد طرح الفكرة إلى ارتفاع منسوب ردود الفعل المذهبية، كذلك قد يؤدي الى اصطفافات قد تصل إلى حد إشهار الميثاقية فيما لو وصل الأمر إلى التصويت».
أمّا في الدستور، فيشير بارود الى أن «لا نص يتناول الموضوع، بل تكتفي الأحكام ذات الصلة والفقرة 2 من المادة 53 بالنص على تسمية رئيس الحكومة المكلّف من قبل رئيس الجمهورية استناداً الى استشارات نيابية ملزمة، كذلك تنص الفقرة 4 من المادة نفسها على أنّ مرسوم تأليف الحكومة يصدر عن رئيس البلاد بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء. ولا مهلة على الإطلاق، لا للاستشارات ولا للتأليف. وهذه ثغرة أدت وتؤدي إلى استغراق التأليف أشهراً طويلة».
لكن هل يستطيع مجلس النواب أن يعود عن التكليف، في حال تعذّر التأليف؟ وفق بارود، يطرح هذا السؤال أكثر من إشكالية قانونية، وهي الآتية:
– في غياب أي مهلة في هذا الخصوص، متى يُمكن اعتبار أنّ التأليف أصبح متعذّراً؟ في العلم الدستوري، ثمة مفهوم «المهلة المعقولة» التي يركن اليها البعض ولكن من يقرّر «معقوليتها»؟ خصوصاً في غياب أي دور للمجلس الدستوري على هذا الصعيد.
– إذا كان صحيحاً أنّ مبدأ «موازاة الأشكال والصيغ» (parallélisme des formes) يسمح للسلطة التي اتخذت قراراً ما أن تعود عنه أو تعدّله، إلاّ أنّ ممارسة هذا «الحق» في مبدئه تبقى خاضعة لأصول وإجراءات تبدو غير واضحة في الحالة المعروضة.
– إنّ التكليف ينقل المسألة من أيدي مجلس النواب ويضعها عند رئيس الجمهورية، في اعتبار أنه هو الذي يسمّي، وبالتالي نكون قد انتقلنا من مرحلة قانونية اكتملت (الاستشارات الملزمة) إلى مرحلة قانونية قيد التحقق (التأليف)، وهي مشتركة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، ما يعني أنّ أي عودة من مجلس النواب عن «قراره» بالتكليف قد تُقرأ على أنها تعدّ على صلاحيات كلّ من الرئاستين الأولى والثالثة في هذا الصدد».
الى ذلك، يوضح بارود أنّ «مجلس النواب يحق له أن يناقش معوقات التأليف في جلسة عامة، أما العودة عن التكليف، فتطرح إضافةً الى ما تقدّم إشكاليات إجرائية أخرى، على فرض السير بها: على سبيل المثال، أي أكثرية هي المطلوبة في هذه الحالة؟ عدد الأصوات التي حصل عليها الرئيس المكلّف؟ النصف زائداً واحداً؟ ولا جواب في النص. وهل يحصل كلّ ذلك بطلب صريح من رئيس الجمهورية، كونه صاحب صلاحية الدعوة الى استشارات نيابية أصلاً؟».
في المحصّلة، يرى بارود أنّ «المسألة في السياسة أكثر منها في الدستور، وهذا الأخير مليء بلا شك بكمّ هائل من الثغرات التي تجعل من الصعب فعلاً الركون إليه لحسم النزاعات السياسية، في ظلّ استمرار حجب صلاحية تفسير الدستور عن المجلس الدستوري».