Site icon IMLebanon

التحول الكبير في الوجدان المسيحي: القطيعة مع “الحزب”

كتب منير الربيع في “المدن”:

إنه التحول الكبير في المزاج المسيحي. هي لحظة كسر التحالف مع حزب الله، كنسياً وشعبياً، بغض النظر عن موقف التيار العوني ورئيس الجمهورية المستمر في تعزيز هذا التحالف.

القطيعة الوجدانية

مقومات العلاقة التي بنيت سابقاً، على عناوين متعددة تبددت. منذ 17 تشرين إلى اليوم، كان التغير واضحاً في التوجه المسيحي. فالمسيحيون حمّلوا بغالبيتهم مسؤولية الانهيار الحاصل لحزب الله. حتى مسؤولون في التيار العوني، يتجرأون على اتهام الحزب إياه بأنه مسبب الانهيار.

ولحظة القطيعة الوجدانية كانت مع انفجار مرفأ بيروت، واجتياح وجدان المسيحيين فكرة أن حزب الله هو من يتحمل المسؤولية. خسارة المرفأ والمنطقة المسيحية التراثية في وسط بيروت، شكلت عنواناً فارقاً في علاقة المسيحيين السياسية بحزب الله، بعد فروق ثقافية كثيرة، تم تجاوزها في خضم خوض حزب الله الحرب السورية، والدعايات التي أطلقها حينها، بأنه يوفر الحماية للمسيحيين، ولولا قتاله التكفيريين لكانت داعش في جونيه.

إسقاط تفاهم مار مخايل

تحالف العونيين مع حزب الله بدد الشرعية التاريخية اللبنانية المسيحية، فخسروا مكتسباتهم: المرفأ، النظام المصرفي والتعليمي والمالي والاقتصادي والاستشفائي. وألمّت حال فراغ سياسي هائل بالمسيحيين طوال الأشهر الفائتة. وهي حال تململ وخروج من الوضع التطبيعي الذي سلكته قواهم السياسية على اختلافها مع حزب الله، من التيار العوني، إلى القوات اللبنانية والبطريركية المارونية. التقت المواقف المسيحية في لحظة معينة على التعاطي بواقعية مع حزب الله، وخصوصاً لحظة انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، بعد تحالفه مع الحزب إياه، وبعد “اتفاق معراب” مع القوات اللبنانية. وهذا ما أدى إلى لجوء تيار المستقبل إلى هذا التحالف نفسه.

لكن هذه المميزات التي نجح حزب الله في اصطناعها لنفسه، ذهبت كلها أدراج الرياح. لم يكن تفصيلاً أن تخرج تظاهرات في الذوق وجل الديب، ترفع الصوت عالياً بأنها تريد فك التحالف مع حزب الله، أو إسقاط تفاهم مار مخايل.

عودة إلى منطق الدولة

إنها الموجة المسيحية التي ستكون واسعة المدى، ليس بالضرورة على الأرض ومن خلال التحركات والتظاهرات، إنما وجدانياً واجتماعياً داخل المجتمع المسيحي. موجة تتجمع في فكرة أساسية: العودة إلى منطق الدولة، بدلاً من الغرق في نظرية تحالف السلطة أو القوى المتسلطة. فنظرية تحالف القوى السلطوية، على الرغم من وجود طرف مسيحي قوي فيها، كانت نكبة على المسيحيين، الذين طالما تغنّوا بأنهم رعاة الدولة وبناتها وحماتها.

فالدولة خسرت نفسها على أيديهم في عهدهم القوي، سياسياً في الحدّ الأدنى. ومن دون الدخول في نقاش أساسي آخر يتعلق بطريقة إدارة الدولة المقسمة إلى مغاور متعددة، نظل غارقين في اللادولة.

منذ انفجار المرفأ، إلى صرخة البطريرك الماروني بشارة الراعي، وتحلق كثرة من المسيحيين حوله في المطالبة بعقد مؤتمر دولي لحماية لبنان الدستور والدولة، ثمة أمور جوهرية تتغير في المزاج المسيحي.

وهو قابل لأن يتطور أكثر. وقد يتمأسس وفق حنين إلى زمن مضى. الزمن الذي كان البطاركة فيه يحملون راية الدفاع عن الدولة والعيش المشترك. وزمن فرض المطارنة الموارنة في بيانهم العام 2000 مرحلة سياسية جديدة، ترجمت في قرنة شهوان والبريستول، وتماهت مع القرار 1559.

ليس لدى البطريرك ما يخسره

لم يشهد تاريخ لبنان حركة مسيحية مشابهة، إلا وكانت تنطوي على متغيرات هائلة، تفرض نفسها على الواقع. والأهم عند المسيحيين هو القدرة على الاستمرار والصمود، وعدم التراجع.

وهناك من يجزم بأن ليس لدى البطريرك الماروني بشارة الراعي ما يخسره. هو يريد استعادة دور مجيد لطالما قامت به بكركي. وحالياً اللحظة مؤاتية لذلك، بعيداً من صراع القوى المسيحية في ما بينها، وحول من يسيطر على الساحة المسيحية. ما تقوم به بكركي يقود المسيحيين ولبنان معاً. وهذا ما يريده الراعي في استعادة مجد الزعامة اللبنانوية، ومدخلها وفق وجهة نظره تنطلق من مؤتمر دولي للسؤال عن مصير الكيان اللبناني وحمايته.

لكن الطريق طويلة، ومعبدة بالكثير من الأفخاخ والألغام.