أغمض “أبو شربل” عينيه بسلام وذهب للقاء أهله وربّه. بعد شهر من العذاب استسلم جسده المُنهك من الأدوية والعلاجات ولم يقوَ على إكمال معركته، اختار المغادرة بهدوء من دون أن يُتعب زوجته وأولاده أكثر.
في 30 كانون الثاني دخل ميلاد جعجع الى مستشفى “جبل لبنان” بعدما اكتشف أنه يعاني من سرطان الدم، ليتفاجئ بعد نحو أسبوعين أنه التقط عدوى فيروس كورونا من الممرضة في المستشفى!
“لا أخاف من الموت… ولكن”!
قالها ميلاد بكل ثقة: “لا أخاف من الموت أبداً ولكن دخول المستشفيات في ظل جائحة كورونا أمرٌ خطير… وأخشى من التقاط العدوى”، لم تكن ماري تعلم أن زوجها ميلاد كان يُخبرها بما سيحصل معه، لم تكن تعلم أنها ستخسر حبيبها وصديق عمرها ورفيق دربها بظرف شهر واحد، وهي التي اعتادت على صوته الجهوري وحضوره القوي وروحه المرحة.
رافقته الى المستشفى واثقة أنه سيخرج معافى، أغدقها بالمعنويات، مدّها بالقوة، شجّعها على المثابرة والاستمرار… لكن الموت كان أسرع من كل التوقعات.
زوجته وابنه ينامان في “باركينغ” المستشفى
علّم ميلاد ابن الـ60 عاماً أولاده شربل والياس وطوني و”غنوجته” ياسمين، الطيبة، فتجلّى كل ما نفحُه فيهم من حبّ وحنان في تصرّفاتهم مع والدهم خلال فترة مرضه.
شربل خصّص وقته الكامل لوالده، فترك المنزل كلياً ليلة دخل ميلاد غرفة العناية الفائقة، وبات يُنهي عمله ويتوجه فوراً الى المستشفى ليتابع وضع أبيه الصحي بكل تفاصيله ويُلبي طلبات الأطباء ويُلاحق المعاملات، وحين يُنهي مهامه ويطمئن الى وضع والده، يُريح جسده المُرهق على مقعد سيارته في “باركينغ” المستشفى تحسباً لأي طارىء.
كذلك زوجته التي كانت تُجالسه في غرفته قبل أن يلتقط عدوى كورونا ويدخل العناية الفائقة، لم ترضَ أن تترك ولدها وحده ولم تشأ الابتعاد عن زوجها، فاختارت أيضاً النوم في سيارتها في “باركينغ” المستشفى!
كورونا يُصيب ولديه!
عدوى كورونا التي التقطها ميلاد في المستشفى، علماً انه كان موجوداً في الطابق السادس المخصّص لمرضى السرطان، لم تشأ أن تترك ولديه بسلام، فأصابتهما بعزّ محنتهما.
التقط الياس وياسمين الفيروس واضطرا ان يحجرا نفسيهما في المنزل وباتا يطمئنان الى صحة والدهما من “بعيد لبعيد”، ليبقى شربل يتخبّط بين همّ والده ووضع شقيقيه، والوالدة ترزح تحت هول الصدمة لا تُصدق ما يحصل مع عائلتها.
وكذلك ابنه الأصغر طوني القابع في الغربة، فلا حول ولا قوة له كان سوى الاتصال بعائلته ليل نهار للاطمئنان ورؤية والده على شاشة الهاتف، كون أسباب عملية قاهرة منعته من وداع أبيه.
طوني الذي كتب “يا ريتني أنا ولا إنت يا بيي” لم يصدق بعد أنه حين سيعود الى لبنان لن يجد والده في المطار يستقبله كعادته، وحين سيدخل المنزل سيُلملم ذكرياته مع والده من كل غرفة وزاوية.
غضب وعتب على المستشفى!
عائلة ميلاد ودّعته نهار الاثنين في 1 آذار رغم أنها لم تستوعب بعد حجم المأساة ولم تحصل على الأجوبة الشافية من قبل المستشفى.
“معلومات مُبهمة ومتناقضة عن حالته، حقيقة منقوصة، لا وضوح ولا صراحة”، هكذا تصف العائلة تصرف الطبيب المعالج معها.
هي عائلة مؤمنة تؤكد أنها “مشيئة الله”، ولكنها توجّه أصابع الاتهام أيضاً الى إدارة مستشفى “جبل لبنان”، خصوصاً ان ميلاد التقط الفيروس من خلال ممرضة، الأمر الذي عجّل في وفاته.
ويبقى السؤال، لمَ لم تجرِ إدارة مستشفى “جبل لبنان” فحص الـpcr للممرضة، خصوصاً أنها تهتمّ بمرضى السرطان، علماً أنها تُجبر الزائرين كافة على الخضوع له؟ ألم يحن الوقت اللازم لتتدخل وزارة الصحة وتُراقب ما يحصل داخل المستشفيات خصوصاً بعد الشكاوى الهائلة التي تتلقاها من المواطنين؟
ستيفاني جعجع