كتب رمال جوني في صحيفة نداء الوطن:
انفجر الشارع مُجدّداً، كان متوقّعاً أن ينتفض الناس على وجعهم، صحيح أنّ التحرّك تأخّر أميالاً، ولكنّ شرارة الغضب إنطلقت.
اللبنانيون تعبوا من الغلاء، من الجشع، من احتكار السلع والتلاعب بها. مع إنهيار الليرة اللبنانية وذوبان معاشات الموظفين والعمال، شَهروا سيف غضبهم، قطعوا الطريق عند تمثال حسن كامل الصباح بالاطارات المشتعلة، كردّ فعل عفوي على رفضهم للوضع السيّئ، فالواقع يُنذر بكارثة إجتماعية وانسانية خطيرة، ومن خرج للشارع، رفع صوته في وجه السلطة الفاسدة التي اوصلت البلد الى الجحيم. قرابة الساعة ونصف الساعة من مساء الثلثاء دامت شرارة الغضب في شوارع النبطية، فالوضع لا يحتمل وِفق تعبير المحتجّين، الذين حمل كلّ منهم وجعه الى الشارع. خلف كل وجه قصّة حزينة، احدهم خرج ليطالب بحقّه في العلاج، هو مريض كلى وِفق ما اشار لـ”نداء الوطن”، بات متعذّراً عليه متابعة علاجه اسوة باكثر من 1000 مصاب في لبنان، يقول: “تعبت”.
هل كانت تحرّكات الامس فشّة خلق ام بداية لإنتفاضة جديدة؟ لم تدفع الازمة المعيشية الناس للشارع، وبالرغم من ملامسة الدولار عتبة الـ10 آلاف ليرة لبنانية، غير أنّ من خرج غاضباً لا يشكّل قوة شعبية ضاغطة. “المستغرب ملازمة الناس الصمت والمنازل” يقول احد المحتجّين، وهو شاب عشريني عاطل عن العمل منذ زمن طويل، لم يتمكّن من العثور على فرصة ولو صغيرة، “ما في”، يقول وهو يراقب تحرّك الناس في الشارع، كان حزيناً لأنّ الوضع المعيشي بات صعباً، يؤرقه المستقبل والغد أيضاً، “بات صعباً عليّ تأمين ثمن علبة دخان، بدأت أخيراً بالإقلاع عنها، فكّرت ملياً بالسفر، لكن “كورونا” يحول دون ذلك، الازمة الإقتصادية ضربت كل الدول، لكنّ لبنان مصيبته زعماؤه الذين سرقوا ونهبوا خيراته”.
تحوّلت ساحة تمثال حسن كامل الصباح امس الاول ساحة غضب، معظم المحتجّين من فئة الشباب، او من فئة المؤثّرين في صناعة القرار مستقبلاً كما قال رامي، الشباب الجامعي يرى “أنّ مشكلة لبنان بسوء ادارته، نحن نعيش صراعات اقتصادية ومعيشية ادّت الى انهيار ليرتنا، لانّنا نمتاز بسوء صناعة السياسات المالية”. يعتقد رامي “أنّ انهيار الليرة سببه عملية النهب المنظّمة، لو كنّا نعتمد نظام الترشيد لما آلت اليه احوالنا الى هذا الدرك”.
لساعات طويلة بقي الشبّان يضرمون النار في الإطارات، لم يملّوا من الامر، كان الغضب يحرّكهم، “بدنا نعيش يا ناس” صرخ أحدهم، فيما قال آخر: “ذابت معاشاتنا، اتقاضى 650 الف ليرة أي ما يوازي 60 دولاراً، هذا المبلغ يجب أن أؤمّن عبره متطلّبات منزل بكامله، مضحك، لانه من المستحيل ذلك”. وجع الناس كان سائداً في ليل الغضب الشعبي، والمطالبة بـ”وضع حدّ لانهيار الليرة وازاحة كلّ المنظومة الفاسدة عن الكراسي، ووضع نظم سياسية اصلاحية سريعة” لسان حال الجميع، فالشباب يريد فرص عمل، يريد أن يستقرّ في وطنه بدلاً من دفعه لطرق باب الهجرة. الكبار ممّن خرجوا كانوا يبحثون عن الضمان والامان الصحّي، احدهم ناشد “بيّ الكل” مساعدته لتأمين علاج الكلى، لم يعد يملك قرشاً واحداً، ومرضى الكلى على الهامش.
غير أنّ السؤال الذي يفرض نفسه هل تحرّكات الثلاثاء آنية ام ستُستتبع بتحرّكات حاشدة تنذر ببدء مرحلة غضب جديدة؟ كلّ السيناريوات مطروحة ولكنّ شيئاً لم يتبلور حتّى الساعة، بالرغم من أنّ الدولار لم ينخفض قيد انملة، والاسعار “طجّت” بشكل مرعب، والفقر هو السائد. كل ذلك يدفع محمود، أحد الغاضبين، للقول “ما حصل اليوم مجرّد تنفيسة ليس اكثر، فالغضب الكبير لن يحصل طالما هناك من يرفض الانقضاض على الازمة، وحين تتوقف كرتونة الاعاشة ينتفض الشعب وقبلها لا شيء سيحرّك الشارع”.