كتب د. أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:
لا يوجد رابط أكثر قوّة وجمالاً من رابط الأم بطفلها. فغريزة الأمومة تعبّرعن أسمى معاني الحب والاهتمام. يتعرّف الطفل الى أمّه منذ اللحظات الأولى فيميّز صوتها ورائحتها، وبالتّالي يهدأ ويرتاح وسط الأصوات والألوان الكثيرة التي تطغى على عالمه الجديد. ولكن اللمس له دور أساسي للعلاقة التي تبنى ما بين الطفل والعالم الخارجي بشكل عام، والأم بشكل خاص. فما هي أهمية التدليك للرضيع؟ وهل للمس دور أساسي لنموه؟ ما هي التصرفات التي يمكن للأم أن تقوم بها مع رضيعها والتي تنمّي روح التواصل والتلاقي بينهما؟ للتحدث عن موضوع اللمس والنظر واللقاء الأول، أجرت «الجمهورية» مقابلة مع الآنسة دارين هاروني، الأخصائية النفس-جسدية والقابلة القانونية.
يعتبر «اللمس» أو التدليك من أفضل الوسائل لتعزيز العلاقة بين الأم وطفلها، فتفسّر القابلة القانونية الآنسة هاروني أنّ «ملامسة الجلد للجلد بين الأمّ والطّفل أثناء اللقاء الأوّل في غرفة الولادة تقوّي الترابط بينهما. فتصبح مشاعر الأم أعمق حين تتعرّف إليه وتتعلّم كيفية تهدئته والتمتع بوجوده». وتضيف هاروني بأنّ «ملامسة الأم لمولودها، تحسّن انتقاله إلى الحياة الجديدة مع استقرار تنفّسه ودرجة حرارة جسمه ومستوى السكّر في دمه. وتنخفض أيضاً نسبة البكاء والتوتّر ممّا يساعد على بدء الرّضاعة الطبيعية ونجاحها».
دور القابلة القانونية
تفسّر القابلة القانونية والمتخصصة بالمتابعة النفس-جسدية الآنسة دارين هاروني أنّ «تدليك الأطفال تقليد قديم موجود في العديد من الثقافات في العالم ولكنه أُهمِل. أعادت هذا التقليد سيّدة أميركية تدعى «فيمالا مكلور»، حيث عملت مع الأطفال الفقراء في الهند في مراكز تابعة للأمّ «تريزا دو كالكوتا» في السبعينات. واختبرت مكلور أهمّية التدليك كجزء روتيني من الحياة اليومية، فكان سبباً لراحة الأطفال وعلاقتهم الجيّدة بأمهاتهم. وأسّست بعدها الجمعية العالمية لتدليك الرضّع التي بدأت تنظّم جلسات تدريبية للأمّهات في التسعينات في الولايات المتحدة. في هذه الفترة، اهتمّ الباحثون أمثال هيرنانديز ريف وتيفاني فيلد بما قامت به هذه الجمعية، فبدأت الدراسات التي أعطت البراهين العلمية لفوائد التدليك عند الأطفال».
وتأكد الآنسة هاروني أنّ للتدليك أهمية فيزيولوجية ونفسية للطفل، ومنها: «زيادة وزن الطفل بسبب إفراز هورمون النموّ، تقليل إفراز هورمونات التوتر ونسب الكلوكوز في الدم والمساهمة في زيادة مناعة الجسم. وقد تَبيّن أيضاً أنّ المسّاج يساهم في التقليل من أعراض داء الربو عند الأطفال، ويعزز التطوّر الحركيّ، والتطور المعرفيّ ونسبة الذكاء، كما يسهّل الهضم، ويخفف الغازات وآلام المغص، ويساعد الطفل على النوم».
وهل للأب دور في تدليك طفله؟
في السياق نفسه، أضافت الأخصائية في المتابعة النفس-جسدية «هاروني»: «تشكّل الولادة بدايةً لمغامرة الأبوّة الحقيقية، حيث لا يقتصر دور الأب اليوم على المسائل الماديّة وحماية العائلة، بل أصبح شريكاً في هذه اللحظات، يدعم الأمّ ويساندها بعد أن كان قد رافقها أثناء المعاينات الشهريّة الطويلة، فيمدّ بوجوده العائلة الصغيرة بالقوّة والحبّ. قد يجد بعض الآباء صعوبةً في التعبيرعما يشعرون به، كما يحاول البعض الآخر التحكم بالانطباعات، فيعتقدون مثلاً أنّه من غير الطبيعي التعبير عن الفرحة العارمة بالمولود الجديد أو الشعور بالإرهاق والتعب. هنا تؤدي القابلة دوراً في تسهيل الأمور وتعزيز الروابط، وهكذا يلتقط الثنائي صوراً عائلية تكون ممتعة وتوثّق لحظات خالدة تضاف لألبوم الذكريات».
التدليك «نفسي» قبل أن يكون «فيزيولوجياً»
وتضيف الآنسة دارين هاروني أنّ «الإعلانات المخصّصة لحليب الرضع تنقل عادةً صورة الأمّ وهي تبتسم ابتسامة عريضة ويشع وجهها بالسعادة. ولكن يمرّ عدد كبير من الأمهات اللواتي وضعن حديثاً بعكس ما تروّج له هذه الصورة المشرقة. تشعر الأمّ بعد الولادة بأنها فقدت صلتها مع طفلها لأنّه لم يعد داخلها. كما تشعر أنّ جسمها تغيّر وأنّ أفكارها تتغيّر، فيكثر البكاء، والقلق، والانفعال المفرط… هذه الحالة تعرف باسم الـ»بيبي بلوز»، وهي لا تلقى الاهتمام اللّازم، رغم تهديدها للأمّهات، واحتمال تطوّرها لاكتئاب ما بعد الولادة، الأمر الذي ينعكس سلبيّاً على علاقة الأمّ بطفلها. يمرّ المولود الجديد بدوره بفترة تكيّف، فينتقل من حياته في بيئة مائية ضيقة ودافئة إلى عالم آخر مليء بالأصوات والأضواء، حيث لم يعد التواصل مع والدته أمراً متواصلاً. هنا، يأتي المسّاج كوسيلة جيّدة لإعادة الأمور إلى نصابها. فيؤدي التدليك دوراً في توثيق ارتباط الأمّ بالطفل، وتهدئته وتقليل بكائه، وزيادة ثقة الأمّ بنفسها في التعامل مع الطّفل، والشعور بالكفاءة في رعايته، كما يساعدها على الاسترخاء والراحة. اللّمس هو لغتنا الأولى، وعن طريق هذه اللّغة، يشعر الطفل بالدفء وبالقرب من والدته وباهتمامها به».
بعض طرق التدليك البسيطة
ختمت القابلة القانونية والاختصاصية بالمتابعة النفس-جسدية، الآنسة دارين هاروني ببعض النصائح حول التدليك، حيث يتمّ استخدام الزيت المعطّر لزيادة شعور الطفل بالهدوء والحرارة والنعومة:
أولاً، قبل البدء بالمساج أو التدليك، يجب التأكد أنّ غرفة الرضيع دافئة والإضاءة غير برّاقة.
ثانياً، تشغيل موسيقى هادئة أو الغناء للطفل أثناء المسّاج.
ثالثاً، تضع الأم يديها الدافئتين عند أعلى ساقي الطفل، ثمّ تضغط برفق وحنان على كلّ ساق، ثم تكمل هذا الضغط اللطيف إلى أسفل القدم ثمّ تتابع الضغط مجدداً على أسفل قدميه.
رابعاً، تحضن الأم قدمي الرضيع وتقبّلهما بهدوء -فالأطفال يحبون ذلك.
خامساً، تضع الأم يديها الدافئتين على بطن الطفل، وتحرّكهما بحركة دائريّة باتجاه عقارب الساعة. وتساعد هذه الحركة على التخلّص من آلام البطن، أو المغص والانتفاخ، مع الحرص على عدم فعل المساج بعد تناوله الطعام مباشرةً.
سادساً، تُدلّك ذراعيّ الطفل بلطف مع تكرار الحركات التي تمّ استخدامها لتدليك الساقين، حتى يشعر الطفل بالراحة والاسترخاء.
سابعاً، تضغط بنعومة مطلقة على ظهر الطفل ابتداءً من كتفيه ونزولاً إلى ساقيه، من دون إحداث الضغط على عموده الفقريّ.
ثامناً، الطريقة السريعة التي توقف البكاء بحسب طبيب الأطفال الأميركي روبرت هاميلتون هي تدليك الصدر مع وضع يدي الرضيع على صدره والإمساك به من الخلف وإمالته إلى الأمام بزاوية 45 درجة.
وتنهي القابلة القانونية حديثها حيث تعبّر عن أهمية التدليك للطفل الذي «يجعله هادئاً، يقظاً ومهتمّاً لِما حوله، قبل الرضاعة أو بعد الحمّام. ويجب ألّا يكون جائعاً أو ممتلئاً، كما يُفضّل ألّا يكون في وقت القيلولة».