كتب محمد دهشة في صحيفة نداء الوطن:
لم يُبالِ الناشط محمود أبو سلطانية كثيراً بالمخاطر التي تحدق به جرّاء ارتفاع ألسنة النيران، الرجل الخمسيني يندفع بجسده وسطها، لالتقاط الاسلاك الحديدية التي خلفتها الاطارات المشتعلة التي احرقها المحتجّون لاقفال الطريق عند جسر “سينيق” جنوب صيدا. يقول لـ”نداء الوطن”: “لم يعد للحياة معنى في ظلّ الازمات المعيشية والاقتصادية الخانقة”، قبل أن يضيف “لم نعد نملك ثمن ربطة خبز، بتنا ننام جياعاً ولا أحد يسأل او يهتمّ بأمرنا”، ويختم “كفاكم ظلماً…ايها الحكام ارحلوا”.
وأبو سلطانية واحد من مئات العمال الذين انقلبت حياتهم رأساً على عقب ابّان الازمة الاقتصادية، يقول: “اليوم اصبحت أجمع الحديد والتنك والبلاستيك (الخردة) لأبيعها ببضع ليرات معدودة كي أوفر لقمة عيشي وعائلتي، كنت معلّماً بالحدادة الافرنجية وتوقّف العمل بسبب الازمات المتتالية والمتلاحقة التي عصفت بلبنان وجعلتنا عاطلين عن العمل”، مخاطباً رئيس الجمهورية: “لقد وصلنا الى جهنّم، نحن شعب جائع وليس باستطاعتنا زيارة الطبيب، وليس امامنا سوى خيارات صعبة: نموت من الجوع او نسرق لنعيش او نهاجر ونترك بلدنا الحبيب لبنان، لن نفعل ذلك وسندافع عنه لنعيش مرفوعي الرأس”.
دعوة ابو سلطانية تتلاقى مع مطالب المحتجّين، ومنهم الشاب الجامعي عفيف زيعور الذي يسارع الى رمي الاطارات فوق النيران المشتعلة لترتفع ألسنتها الحمراء وسحب دخانها الاسود أكثر، يقول: “مطالبنا واضحة، نريد العيش بكرامة بعيداً من ذلّ السؤال، والا الموت واحد بالطرقات أو بالمنازل، بفيروس “كورونا” او بالجوع، لن نسكت عن ظلمنا ولن نسمح لهم مجدّداً باستغلالنا، لقد انتهت لعبتكم”.
امام النيران، يقف احمد “الثائر” وقد اخفى وجهه بقناع، يصرخ بغضب “لا نريد فتح الطريق، يومية العمل لا تكفي شيئاً أمام الغلاء، بل ان نار الاسعار أشدّ لهيباً من هذه النيران بعدما وصل سعر صرف الدولار الى عشرة آلاف ليرة، ادعو الجميع للنزول الى الشارع والتعبير عن غضبهم واحتجاجهم، لقد اصبحنا في الهاوية ونموت جوعاً وهم يختلفون على الحصص والمناصب والكراسي”. بينما اوضح علي الذي كان يعمل بالنجارة العربية وقد لوّن الشحتار وجهه بالسواد “لم نصمد امام الازمة، اقفلت المنجرة وأصبحت عاطلاً عن العمل ولدي أسرة مؤلّفة من ثلاثة افراد… من أين أُطعمهم، بتّ اشحد لاطعامهم”.
وحال الثائرين لا يختلف كثيراً، بعضهم لا يعرف الآخر، وحّدهم الاحتجاج على تردّي الاوضاع المعيشية فنزلوا بعفوية الى الشوارع، قطعوا الطرقات ومنها عند جسر “سينيق” المؤدّية الى صيدا والغازية والمدينة الصناعية بالاتجاهين، احتجاجاً على ارتفاع الدولار وعدم تأمين فرص العمل لهم. بإصرار طلب حسن مزيداً من الاطارات ليحرقها، وقال: “الدولار الواحد اصبح بعشرة آلاف ليرة ونحن بالاساس لا نملك العشرة آلاف ليرة لقد تربّينا على الاحترام لكن للاسف هذه البلاد بدها “زعران”، فلا عمل ولا حياة، وصلنا الى هذا الوضع المزري بسبب السرقات والهدر والفساد ومن دون حساب”.
في المقلب الآخر، شهدت ساحة الثورة عند “تقاطع ايليا” حراكاً غاضباً، صحيح نزل عشرات الناشطين ولكنّ دويّ احتجاجهم تردّد في مختلف ارجاء المدينة، اقفلوا الطريق بالاطارات المشتعلة لبعض الوقت، انتقلوا الى شارع رياض الصلح الرئيسي حيث تتواجد غالبية المصارف ومحلات الصيرفة، اقفلوها وكتبوا على واجهات بعضها، “يسقط حكم الدولار”، “انتم في خطر”.