نيسان، أيار وحزيران، هي ثلاثة أشهرٍ مفصلية أمام البلاد لحسم النتيجة النهائية في مواجهة فيروس كورونا، فإما الخروج من المأزق أو البقاء فيه. والرهان هنا لحسم أحد الخيارين متعلق بكمية اللقاحات التي من المفترض أن تدخل إلى البلاد. اليوم، لا يمكن التعويل على ما يصل من لقاحات، بحسب رئيس اللجنة الوطنية للقاح كورونا، الدكتور عبد الرحمن البزري، لضآلتها. لكن، مع ذلك، ثمة رهان على ما سيصل مستقبلاً مع سعي الدولة إلى تنويع المصادر والاتفاقات من استرازينيكا الى سبوتنيك إلى سينوفارم إلى جونسون إند جونسون أخيراً.
رسمياً، بدأ لبنان حملات التلقيح ضد فيروس كورونا، بالتزامن مع الذكرى «السنوية الأولى» لدخول الفيروس إلى البلاد. قبل أن يبدأ مرحلته الجديدة من المواجهة، كان يسابق الوقت لصياغة خطة وطنية لتحقيق العدالة في توزيع اللقاحات والوصول إلى مناعة مجتمعية بوقتٍ قياسي يعفي من الموت السائر بلا هوادة نحو «الحصاد». كانت تلك الخطة أوّل التحديات التي واجهت اللجنة الوطنية للقاح كورونا، وخصوصاً أنها تتعامل مع لقاحاتٍ تستخدم للمرة الأولى، ليس في لبنان وحده، وإنما في العالم. وكان هذا الأمر يستوجب من الفريق المتابع العمل «ليل نهار»، على ما يقول رئيس اللجنة الدكتور عبد الرحمن البزري، لتأمين بنود الخطة، والتي كان يقع على رأس أولوياتها إطلاق المنصة الإلكترونية. قبل فترة وجيزة من وصول أول دفعة من اللقاحات في شباط الماضي، أُطلقت المنصة الإلكترونية التي يفخر البزري بأنها «صُنع في لبنان». وأهمية هذه الأخيرة أنها كانت «العمود الفقري» للخطة، لكونها العصب الأساسي في عملية التمنيع، لناحية التزويد بالداتا الكاملة عن المسجلين وتقسيم المراحل تلقائياً.
أُنجِز العمل الأول، وعلى خلاف ما سرى حول انطلاقته المربكة، إلا أن ذلك لم يكن يشكل أدنى عائق أمام ورشة الأعمال. فبرأي البزري يكمن العائق في مكانٍ آخر: في كمية اللقاحات التي يتلقاها لبنان والتي لا تكفي حتى اللحظة الراهنة لمواجهة الفيروس، إذ ثمة فارق كبير اليوم بين «جهوزية الدولة اللبنانية» والكمية الواصلة من اللقاحات التي تصرف «في أرضها». بالنسبة إلى البزري، هناك ثلاثة أشهرٍ مفصلية، وهي نيسان وأيار وحزيران، لحسم النتيجة الفعلية في «مساعدة المجتمع في الخروج من المأزق»، المرهونة بـ«قدّيش عم يدخل لقاحات». واليوم، يدخل إلى لبنان ما يقارب 30 ألف جرعة أسبوعياً من لقاح شركة «فايزر» فقط. وهي كمية غير كافية، إذا ما أخذت بعين الاعتبار قدرة المراكز على تلقيح ما بين 30 إلى 50 ألفاً في اليوم الواحد «وبرياحة»، يؤكد البزري. هذا التحدي يولّد تحدياً آخر له علاقة بعدد الجرعات «إذ يفترض أن يتلقى كل شخص جرعتين من اللقاح، وهذا يفرض علينا تالياً أن نحسب أن مع كل توزيعة علينا أن نعطي المركز مرتين، مرة للجرعة الأولى وأخرى للجرعة الثانية». من هنا ما يهم في تلك المرحلة الحرجة هو الحصول على كميات كافية للقاحات ومن مصادر عدّة. ما عدا ذلك، لا يحتمل الوضع الراهن «التنظير». ولذلك، تعمل الدولة اللبنانية على تنويع المصادر، عن طريق عقد اتفاقات مع شركات تنتج لقاحات أخرى، غير فايزر، التي تزود لبنان بمليونين و100 ألف جرعة «قابلة للزيادة وبوتيرة أسرع»، على ما يقول البزري.
لئن كانت الدولة قد قامت بالتفاوض المباشر مع فايزر، إلا أنها تملك احتمالاً آخر لتعزيز الكميات، وهي عبر منصة «كوفاكس»، وهذا بالنسبة إلى البزري «احتمال مطروح على الطاولة»، يضاف إليه الاحتمال الثالث وهو ما يرتبط بقدرة فايزر على إعطاء المزيد من اللقاحات للدول «بعدما زادت خطوط الإنتاج». إلى فايزر، تجري الدولة مفاوضات مع الشركة البريطانية المنتجة للقاح استرازينيكا بالتفاوض المباشر وعبر منصة كوفاكس أيضاً، حيث من المتوقع أن تحصل عبرها على 340 ألف جرعة تقريباً. أما بالنسبة إلى الجرعات المتبقية والتي يقدرها البزري بمليوني جرعة، فهذه من المفترض أن تصل عبر ثلاث قنوات: من معمل استرازينيكا الرئيسي في روسيا ومن المعمل في كوريا الجنوبية ومن الهند بكمية أقل. أما الكمية الأكبر، فمن المعمل الروسي وهي بحدود مليون ونصف مليون جرعة، كونه «الأقرب، لأنه في حالة الوباء، غالباً ما تشحن اللقاحات من أقرب مطار إلى أقرب مطار».
ولكن، المشكلة التي تواجه الدولة هنا هي أن معمل استرازينيكا في روسيا قد حاز منذ أسبوعين فقط «ترخيصاً يفيد بأن المنتج الذي سيخرج من معمل روسيا هو نفسه الذي يخرج من بريطانيا»، ولذلك هذا يفرض تأخيراً قسرياً. أما بالنسبة إلى معمل كوريا الجنوبية «فقد طلبوا منا قبل يومين عبر منصة كوفاكس أن نعطيهم موافقة وقد فعلنا». وعلى خط استرازينيكا، هناك أيضاً 500 ألف جرعة لقاح ستصل، بحسب البزري، تحت عنوان تقديمات اجتماعية لمصلحة قطاعات محددة. يضاف إلى ذلك، 50 ألف جرعة لقاح أخرى ستأتي من معمل الهند لمصلحة الجامعة اللبنانية. أما على خط لقاح سبوتنيك الروسي، فتلك قصة أخرى، إذ إن المفاوضات مع الجانب الروسي دونها عقبتان أساسيتان: الأولى يفرضها الروسي، لناحية «عدم جهوزيته لإعطاء لبنان بسبب الضغط الداخلي والطلبات المحجوزة لدول أخرى». أما العقبة الثانية، فهي «خصوصية» اللقاح الروسي التي تفترض تعاملاً خاصاً معه، «لكون شروطه معقدة، إذ يحتاج إلى درجة حرارة خاصة وعمره قصير في البراد العادي، ومواصفات الجرعة الأولى تختلف عن الجرعة الثانية…». مع ذلك، يقول البزري إن الدولة تجاوزت العقبة الثانية، من دون أن تتمكن من حل الأولى، إذ إن «كلّ الذين قصدوا روسيا لم يأتوا بجواب إلى الآن».
يختلف التعاطي مع لقاح سينوفارم الصيني عن اللقاحات الثلاثة السابقة، فإلى الآن لا اتفاق نهائياً مع الدولة الصينية. وقد لعبت بعض الظروف في تأخير هذا الاتفاق، فإضافة إلى تلك اللوجستية التي قد ترافق أي اتفاق، ثمة جانب آخر يتعلق بإدخال البعض وجلّهم من السياسيين هذا اللقاح من دون علم الدولة، «ولم نعرف لمن أعطي وكيف»، وهذا جعل اللجنة العلمية في الوزارة «تتعاطى معه بنظرة معينة». وفي هذا السياق، يشير البزري إلى أن اتصالات عدة جرت بينه وبين السفير الصيني في لبنان وبين الأخير ووزير الصحة العامة، حمد حسن، أبلغه على إثرها حسن أن من المستحسن أن يكون «هناك ملف لتطّلع عليه اللجنة العلمية كي تستطيع اتخاذ قرار واضح». ويضيف البزري إنهم أرسلوا ملفاً «وكان كتير حلو»، وكان أن ترافق هذا الأمر مع طلب الجيش اللبناني 150 ألف جرعة من اللقاح الصيني تتم دراستها هي الأخرى. مع ذلك، يلفت البزري إلى «أننا أعطينا موافقة على اللقاح ضمن مواصفات معينة بالاتفاق مع الجانب الصيني»، من دون الخوض في التفاصيل. لذلك، لا أعداد دقيقة عما قد يصل من لقاح سينوفارم. ما هو واضح اليوم، هو رقم الـ 200 ألف جرعة، منها 50 ألفاً قدمتها الصين، يضاف إليه 150 ألف جرعة التي يطلبها الجيش اللبناني و50 ألفاً أخرى هبة ستصرف بالتنسيق مع وزارة الصحة العامة، وهبة أصغر من الجيش الصيني إلى الجيش اللبناني. إلى هؤلاء، هناك شركة جونسون إند جونسون الذي تجري الدولة معها مفاوضات بشكل مباشر للحصول على اللقاح، كما عبر منصة كوفاكس، «وإذا صحّت المعلومات أن شركة MSD سوف تتضامن مع جونسون في خطوط الإنتاج، فهناك إمكانية أن تكون الكمية التي قد نحصل عليها أكبر».
فعالية اللقاحات
أيّ اللقاحات هي الأفضل؟ يرفض البزري التعامل مع اللقاحات على أساس ذلك التصنيف، معتبراً أن «اللقاح الأفضل هو الذي نستطيع الحصول عليه». من جهة أخرى، يؤكد البزري أنه لا تجوز المقارنة اليوم بين لقاح وآخر، وخصوصاً أن «المجموعات التي درست عليها فعالية اللقاح كان مختلفة». وانطلاقاً من هنا، ومن اعتبار أن معظم اللقاحات أخذت موافقات دولية، فإن «كل لقاح تتجاوز نسب الفعالية فيه الـ 70% هو ممتاز»، وبما أن «كل اللقاحات أثبتت عقب استخدامها بعد الجرعة الأولى أنها قادرة على تأمين حماية عالية ضد المرض الشديد،
وهذا ما يطمئن وخصوصاً لناحية قدرته في تخفيف الضغط على القطاع الصحي».
هل تدخل هذه اللقاحات تجارياً إلى لبنان أم لا؟ يفرض هذا السؤال نفسه مع إقرار الترخيص بالاستخدام الطارئ للقاحات وإعطاء وزارة الصحة العامة الموافقة للشركات بإمكانية استيراد اللقاح، بواسطة المنصة. لكن، قبل أن يفوت الأوان، يعود البزري إلى القوانين التي تفيد بأن الدولة اللبنانية هي التي لها حق التسعير بناءً على مجموعة من المعايير واستناداً إلى الكلفة الإجمالية للقاحات. وعلى ذلك، لا يحق لأي شركة أن تعلن عن أسعارٍ خارج نطاق الدولة، وإن كان ذلك «لا يعني أن تسعّر الدولة بأسعار تقلّ عن الكلفة التي تكبّدتها الشركات». وتجدر الإشارة هنا إلى أن «اللقاحين ذات الأسعار المقبولة هما سينوفارم واسترازينيكا كون هذا الأخير عندما بدأ العمل عليه كان الهدف منه عدم ابتغاء الربح».
عقبات العمل
في التقسيمات الأولى للمراكز، لحظت الخطة الوطنية حوالى 50 مركزاً، انطلاقاً من الأخذ بعين الاعتبار أن «كمية اللقاحات ستكبر مع الوقت». لكن، عملياً، يعمل اليوم حوالى 28 مركزاً موزعة على المناطق اللبنانية، وإن بدرجات. وفي هذا الإطار، تبرز الخريطة السكانية كثافة سكانية وكذلك استشفائية في بيروت الكبرى وضواحيها، ولذلك من الطبيعي أن يكون هناك مراكز هي «عصب الشغل»، وهي متركزة في المناطق الكبرى، من دون أن يلغي ذلك المناطق الأخرى التي تحتاج إلى خدمة لقاحية. وقد أظهرت الخطة أن «هناك مراكز في لبنان كبيرة وتحتمل لقاحات أكثر بكثير مما كان مرصوداً لها، ولكننا كنا محكومين بالأولوية المعطاة لها وبكمية اللقاحات أيضاً». كما برزت مشكلة توزيع اللقاحات بسبب كميات اللقاح القليلة، مع ذلك يقول البزري «التزمنا بالخطة التي تقسم المراكز إلى ثلاثة: مراكز كبيرة تعطى ما يقرب من 300 جرعة ومراكز متوسطة تعطى بحدود 200 جرعة وثالثة أصغر تعطى بحدود 100 جرعة»، على أن تغذى هذه المراكز مرتين أسبوعياً «وهما يوما الاثنين والأربعاء». أما العقبة الأخرى، فهي مثلاً في المواصفات الدقيقة لبعض اللقاحات في ما يخص الحفظ، فخوف اللجنة مثلاً في البداية لم يكن من درجة الحرارة «الناقص 70» بقدر ما كان الخوف من انقطاع الكهرباء!
ومن التحديات التي نواجهها اليوم، عدم التوازن في التسجيل بين المناطق على المنصة، «ويعود الأمر إلى سببين، أحدهما أن الناس في بعض المناطق لا يعرفون كيفية التسجيل ولم يجدوا من يساعدهم، وهم الأغلبية، والثاني هو تردد بعض الناس في التسجيل كونه لقاحاً جديداً». ولئن كان يمكن تخطي السبب الثاني، إلا أن الأول «معضلة»، ولذلك يلفت البزري إلى أنه «عندما يتحسن العمل، يفترض أن نعمل على إرسال فرق إلى المناطق للتواصل مع المؤسسات والإدارات والمحافظين للمساعدة في التسجيل، كما التشجيع على تلقي اللقاحات».
المبادرات القطاعية
من الأمور الإيجابية التي قد تفتحها مسألة استيراد اللقاحات هو تعزيز المبادرات المجتمعية. وفي هذا الإطار، يشير رئيس اللجنة الوطنية للقاح كورونا، الدكتور عبد الرحمن البزري، إلى العمل على تشجيع اللجنة العلمية، بالتوافق مع وزارة الصحة العامة، لأن يكون هناك مبادرات قطاعية، بإشراف المنصة الإلكترونية. ومن شأن هذه المبادرات، والتي بدأ يظهر البعض منها، أن تساند الحملة الأساسية وأن تريح القطاع نفسه من خلال التمنيع. ويشير البزري إلى أنه «عندما تحدد تلك اللقاحات لأي فئة وبإشراف الدولة، فهذا من شأنه أن يخفف الضغط على كمية اللقاحات الأخرى». وتجدر الإشارة إلى أن هذه المبادرات لا تقوم منفردة بالتواصل مع الشركة، وإنما يكون ذلك من خلال اتفاق ثلاثي تقوم به الدولة، حيث تتعهد مباشرة مع الشركة للطرف الثالث وهو جزء من المجتمع اللبناني «والذي يقوم بالتسديد مباشرة». ومن بين تلك المبادرات، كانت مبادرة الجامعة اللبنانية ومؤسسة مخزومي لمصلحة مؤسساته وجزء لمصلحة وزارة الصحة ومديرية الطيران المدني ومبادرة لإحدى المؤسسات الأمنية. يضاف إلى تلك المبادرات مبادرة لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني لتأمين 300 ألف جرعة لقاح للاجئين الفلسطينيين.