استقبل المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في مكتبه في دار الإفتاء الجعفري سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد بخاري، حيث جرى مباحثة الأوضاع الداخلية والإقليمية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين الشقيقين.
وأكد السفير بخاري في خلال اللقاء “أن المملكة العربية السعودية تؤدي واجباتها تجاه لبنان من من دون تمييز بين طوائفه وفئاته، انطلاقا مما يمليه واجب الأخوة العربية الأصيلة مضيفا أنه ما من خصومة ولا عداء مع أبناء الطائفة الشيعية الكريمة”.
من جهته، أكد المفتي قبلان خلال اللقاء “أن الدين الإسلامي إنسانية ومحبة وقيم وأخلاقيات، بعيدا عن العناوين المختلفة من مذهب وملة وفروقات سياسية وغيرها. والدين الإسلامي بواقعه العملي جامع مذاهب، ومنطقه منطق إلفة وحماية دماء وأعراض وأرض وتعاون وتضامن، بعيدا عن الخصومات المذهبية، لقوله (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا). والمفروض أن يكون هذا المبدأ عنوان علاقة المسلمين، سواء أكانوا أفرادا أو جماعات سياسية، وهو ما نحتاجه اليوم بكل ضرورة”.
وأشار المفتي قبلان إلى أن “المنطقة تعيش ضمن إطار كارثة، ولا يمكن عزل بلدنا عن حرائقها واضطراباتها”، مضيفا: “الكارثة التي يعيشها لبنان اليوم تختلف تماما عن كل كوارثه السابقة، فلبنان الماضي قد انتهى، وصيغة البلد الدستورية والسياسية حولته إلى مزرعة، وجعلت منه ملعبا للصراعات والرسائل الإقليمية والدولية. وسيعاد تشكيله بطريقة مختلفة، والخشية من التوظيف الدولي، لأن طبيعة التوظيف الدولي هي في أخذ البلد نحو خيارات مختلفة، خيارات قد يكون لها علاقة بالفعل وردات الفعل بين المكونات اللبنانية”.
وأكد قبلان أن “الحل في البلد له أبواب عديدة، صحيح أن اللحظة الآن قد تكون ليست مواتية، ولكن لا بد من تطوير صيغة البلد إلى صيغة مواطنة. ولكن للأسف البلد اليوم بلا إنقاذ مالي يبقى ضمن دوامة معقدة، والخوف ليس على كيف سنخرج من الأزمة، لأننا في لحظة ما سنخرج منها، بل الخوف من الطريقة التي يمكن أن يخرج بها لبنان منها”.
وطالب المفتي قبلان بـ”دور فاعل للمملكة العربية السعودية لحل هذه الأزمة”، وتمنى “على الإخوة في المملكة العربية السعودية أن يلعبوا دور الإطفائي على الأقل. ونحن على يقين أن هذا الأمر سيهدئ من موجات الاحتقان القاسية. مع الفصل بين مساعدة لبنان وفكرة الخيارات، بالأخص فكرة “اتركوا لبنان ليسقط”، لأنها فكرة خاطئة بنتائجها، وآثارها ستكون كارثية، وستزيد أزمة المنطقة تعقيدا”.
وأكد أن “المملكة العربية السعودية في الذاكرة اللبنانية شقيق وعون، فيجب أن تبقى كذلك، لا أن تكون طرفا سياسيا. وهي ليست بحاجة إلى بازار سياسي، وهذا مطلوب منها اليوم، خاصة في أزمة البلد، بل من شأن هذه السياسة أن تفتح قنوات تهدئة وتؤسس لباب ثقة يمكن أن يفتح أبوابا جديدة”.
ولفت إلى أن “المشكلة اليوم بالخصومات العربية والإسلامية فهي تزيد تمزيقا للعرب والمسلمين. وما دامت الخصومات الإسلامية متأججة بهذا الشكل، فهذا يعني أننا أمام مزيد من الأزمات التي ستدفع المنطقة نحو الخراب أكثر فأكثر. فكلنا بحاجة لنوع من كسر عدم الثقة، ونزع الأحقاد وتنفيس الاحتقان لتهدئة الأزمات السياسية في بلداننا وفي ما بيننا”.
على المستوى المسيحي الإسلامي، أكد المفتي قبلان أن “لبنان محكوم بمبدأ: حماية المسيحي ضرورة لحماية المسلم كما أن حماية المسلم ضرورة لحماية المسيحي، وهذا مبدأ ضروري وأي اختلاف في وجهات النظر مع البطريرك الراعي سيظل تحت هذا المبدأ”، معتبرا أن “وثيقة البابا فرنسيس والمرجع السيد السيستاني كما وثيقة البابا مع إمام الأزهر الشيخ أحمد الطيب ضرورة مهمة وماسة لتأكيد الروابط الإنسانية، وطمر أسباب الأزمات خاصة الدينية. وهذا مطلوب بشدة منا كممثلين شيعة وسنة ومسيحيين وباقي الثقافات الدينية، ويجب أن يكون هناك قمة دينية مدعومة سياسيا، لتخفيف الشحن، والدفع نحو هدنة ومصالحات عن طريق إعادة توثيق علاقة المسلمين في ما بينهم ومع الآخرين”.