كتب عمّار نعمة في “اللواء”:
قد يكون رئيس الحكومة المستقيل حسان دياب أكثر من يستعجل تشكيل حكومة جديدة تخرجه من واقع صعب جدا للبلاد حمّل حكومته، سيئة الحظ، مسؤولية كبيرة بما جرى.
مع استقالته على إثر كارثة تفجير مرفأ بيروت، تحولت حكومته الى مُصرفة للاعمال ذات صلاحيات محدودة، على امل ان تؤدي الاوضاع المزرية للبلد الى تشكيل سريع لحكومة اخرى تقود مسار الامور الى الانفراج مع بدء المفاوضات مع الخارج لتأمين الاموال التي يبدو لبنان في حاجة ماسة لها.
في هذه الاثناء، ومع اليقين بأن لا حكومة قريبة للرئيس المكلف سعد الحريري في غياب التوافق عليها، تحولت حكومة دياب الى حكومة أمر واقع يخشى اعضاؤها تلقفهم كرة نار القرارات الصعبة في المرحلة المقبلة وتحملهم مسؤوليتها. والملاحظ هنا ان حكومة تصريف الاعمال لا تجتمع كما الحكومات العادية وعلى الوزراء المعنيين فيها تسيير شؤون وزاراتهم اليومية إدارياً من دون الخروج بقرارات جديدة أو تصرفية، لكن في مقابل ذلك فإن على الحكومة الحالية ان تجتمع كما يجيز لها الدستور لاتخاذ قرارات في القضايا الملحة والإستراتيجية الكبرى التي تتعلق بسياسة الدولة العليا.
على ان الحكومة لم تجتمع منذ استقالتها ويصر دياب على ذلك اعتقادا منه انه بذلك يضغط على المعنيين لتأليف الحكومة المقبلة. إلا ان ضغط الرجل فشل مرارا لينتقل الى تحذير هو بمثابة التهديد أطلقه عبر تلويحه بالاعتكاف.
والواقع ان هذا التهديد هو تعبير عن موقف سياسي توجه به دياب في شكل عاطفي ليخاطب به الناس الذين يئنون تحت وطأة المآسي المتوالدة كل يوم. مرد هذا الاستنتاج يعود الى كون مصطلح الاعتكاف، حسب اكثر من خبير دستوري، غير وارد أصلاً في الدستور. وبما ان دياب لا يزال رئيس حكومة تصريف للأعمال بالمعنى الضيق ولا يزال توقيعه ضروريا في بعض المسائل ولو في الإطار الضيّق لتصريف الأعمال، فإن تخليه عن مهمته سيؤدي الى تعطيل حياة الناس ودياب يعلم ذلك تماما، لذا أراد تفجير مفاجأته لكي يحرك المياه الراكدة على صعيد التشكيل الحكومي وهو الذي لا قدرة عمليّة لديه للضغط على المعنيين في تشكيل الحكومة، وربما يصر على التشكيل لكي يقفز من مركب يتجه نحو الغرق!
على ان دياب لم يتخذ هذا القرار الكبير حتى اللحظة، ويعود الخبير الدستوري ميشال قليموس ردا على سؤال حول هذا الأمر، الى كون ان الحكومة عندما تستقيل فإن عليها واجب دستوري ان تصرف الاعمال بالحد الادنى اي بحدود معينة، ولكن ليس عندها واجب الاستنكاف تحت طائلة تعطيل سير المرفق العام، لأن تسيير الاعمال الادارية في اطار تصرف الاعمال ما هو الا لتسيير الامور من دون اتخاذ قرارات جديدة.
هو يشبّه هذه العملية بتلك المتعلقة بتصفية شركة ما لتأسيس شركة جديدة، وحتى تشكيل حكومة أخرى، يجب على الحكومة الحالية الاستمرار في تسيير المرفق العام في حدود عدم اخذ قرارات جديدة تحتم مساءلة الحكومة امام المجلس النيابي، لانه عندما تستقيل الحكومة لا يمكن حينها للمجلس النيابي ان يحاسبها كونها تعتبر جثة دستوريا.
من هنا يأتي التشديد على واجب تأمين تسيير المرفق العام كون ذلك يعد واجبا دستوريا. هو ببساطة تصريف للاعمال من باب تصريف الاعمال، لكن اذا اراد دياب ان يعتكف فهذا سيعتبر بمثابة تخلٍ المباشر عن المسؤولية الوطنية والدستورية ولا يجوز ذلك.
ويسأل قليموس: إذا لجأ رئيس الحكومة المستقيل الى الاعتكاف بينما نمر في هذا الظرف الحياتي والمالي والاقتصادي والامني، فمن سيتخذ القرارات؟ وكأنك تطلب سلطة واقعية تحل محله لأداء الدور فمن سيوقع محله لتسيير شؤون الوطن وخاصة في هذا الظرف العصيب، لذا فهذا لا يجوز دستوريا. وهو يدعو دياب الى عدم التلويح بعملية الاعتكاف وعلى الحكومة ان تقوم بتصريف الاعمال عملا بمبدأ القانون الاداري لتسيير المرفق العام وخاصة في الظروف الاستثنائية.
ليس معنى ذلك اعادة احياء حكومة مستقيلة كما لا يجوز في المقابل دستوريا ان تعتكف الحكومة او رئيسها او الوزراء فيها عن اداء مهامهم، لأنه عندئذ سيكون هناك حساب امام القانون والدستور، حسب الخبير الدستوري.
لذا بات من الواضح ان تحذير دياب جاء لقذف كرة النار عنه نحو المعنيين في تشكيل الحكومة وإلقاء الحمل بالغ الوزن عنه ودفع الضغوطات عنه لدفعه الى اتخاذ قرارات غير شعبية ومؤلمة لا يريدها وهو غير مضطر عليها، مثل القضية التي تقض مضاجع اللبنانيين وهي رفع الدعم أو حتى ترشيد الانفاق، ورمي الكرة في ملعب الحكومة المقبلة، لا بل الدفع في اتجاه الاسراع في تشكيل تلك الحكومة. من هنا يأتي تصنيف تحذير الاعتكاف بكونه تهديدا في السياسة بعد نحو سبعة أشهر على استقالة حكومته، أكثر منه تلويحاً بمنطق دستوري.