كتب مسعود معلوف في “الجمهورية”:
يُقدّر عدد الأميركيين من أصل لبناني في الولايات المتحدة بنحو مليون ونصف المليون، وهم يتوزعون على معظم الولايات الأميركية، ويوجدون بكثافة أكبر في الولايات الشرقية مثل نيويورك وأوهايو ونيوجيرسي وفلوريدا، مع وجود قوي لهم في ولاية ميشيغن، وكذلك في الولايات الغربية وخصوصاً كاليفورنيا.
لقد برز اللبنانيون في مجالات الثقافة والطب والأعمال والفن والسياسة، وشغل عدد منهم مناصب حكومية هامة، على غرار السيدة دونا شلالا وزيرة الصحة في عهد الرئيس الأسبق كلينتون، كما أنّه في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، كان كل من وزير الدفاع (مارك إسبر) ووزير الصحة (اليكس عازار) من أصل لبناني، وكذلك مديرة الإتصالات في البيت الأبيض السيدة أليسا فرح.
لقد أكّد بايدن، حتى قبل تسلّمه الرئاسة، أنّ إدارته ستكون صورة مصغّرة عن الولايات المتحدة بتنوعها الديمغرافي والعرقي، وهو نفّذ وعده، إذ أنّ الحكومة والإدارة التي شكّلها ضمّت شخصيات من خلفيات متنوعة من جميع مكونات المجتمع الأميركي. ورغم أنّه لم يعيّن وزراء من أصول لبنانية أو عربية في حكومته، إلّا أنّه عيّن شخصيات من أصول لبنانية في مراكز هامة جداً في الإدارة، وهم: الدكتور بشارة شقير المولود في بيروت عام 1973، منسقاً عاماً لعملية التلقيح ضدّ الكورونا على صعيد كافة الأراضي الأميركية، وهذا منصب له أهمية كبرى في الظرف الحالي، حيث يَعتبر الرئيس بايدن محاربة جائحة كورونا من أولى أولوياته، والتلقيح هو من أهم وسائل محاربة هذه الجائحة.
كذلك تمّ تعيين اللبناني الأصل السيد هادي عمر المولود في بيروت عام 1967 مساعداً لنائب وزير الخارجية للشؤون الإسرائيلية – الفلسطينية، وهو يُعتبر بذلك الوسيط بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وقد باشر اتصالاته بكل من الفلسطينيين والإسرائيليين، بغية تأمين إعادة الحوار الذي انقطع بينهما أثناء ولاية الرئيس ترامب. وعيّن أيضاً اللبناني – الأرميني الأصل آيك هجينازريان مديراً للإتصالات الإقليمية في البيت الأبيض.
كذلك عيّن الرئيس بايدن مسؤولين كباراً من أصول عربية غير لبنانية في إدارته، من بينهم ريما دودين (فلسطينية)، برتبة نائب مدير الشؤون التشريعية في البيت الأبيض، وماهر بيطار (فلسطيني) برتبة مدير برنامج الإستخبارات في مجلس الأمن القومي، ودانا شباط (أردنية) مستشارة للشؤون التشريعية، وبريندا عبد العال (مصرية) في وزارة الأمن الداخلي.
بالرغم من أنّ وزارة الصحة ووزارة الدفاع هما الوزارتان اللتان تتمتعان بأعلى ميزانية في الحكومة الأميركية، إلّا أنّ أياً من الوزيرين عازار وإسبر في العهد السابق، لم يكن له تأثير على السياسة الأميركية تجاه لبنان، وذلك لأنّ الرئيس ترامب كان يستأثر بالقرارات ولا يستشير وزراءه ومعاونيه قبل اتخاذ قراراته والإعلان عنها، وهذا ما أدّى الى استقالة أو إقالة عدد من الوزراء وكبار الموظفين في إدارته.
أما الرئيس بايدن، فقد أعلن منذ البداية أنّه سيستمع الى الخبراء والعلماء والمستشارين، وسيطلع على آرائهم ودراساتهم، علماً أنّ القرار النهائي يعود له، ولكنه لن يتخذ القرارات الهامة إلّا بعد استشارة معاونيه، بعكس ما كان يفعله ترامب، الذي كان يدّعي أنّه يعرف بشؤون الجيش أكثر من كبار الضباط. كما أنّه كان يرفض القبول بآراء الأطباء والأخصائيين الذين كانوا ينبّهونه إلى خطورة جائحة كورونا، ولكنه كان يتجاهل آراءهم كي لا يؤثر ذلك على الحركة الإقتصادية، وبالتالي على حملته الإنتخابية.
صحيح أنّ لبنان غير وارد في الوقت الحاضر في سلّم أولويات إدارة الرئيس بايدن، وصحيح أيضاً أنّ مهمات الدكتور شقير والسيد عمر في إدارة بايدن، لا علاقة مباشرة لها بلبنان، إلّا أنّ اهتمام كل منهما في مجال عمله ونجاحه، قد يشجع الرئيس على الإستعانة بمزيد من الأشخاص اللبنانيي الأصل، مع العلم من جهة ثانية أنّ ما سيحصل على الصعيد الفلسطيني – الإسرائيلي، نتيجة للمفاوضات التي سيقودها السيد هادي عمر، قد يكون له انعكاس ما على الوضع في لبنان.
جدير بالإشارة هنا، الى أنّ التأثير الفعّال على الإدارة الحالية لجهة إثارة اهتمامها بلبنان ومشكلاته ومحاولة مساعدته، لن يأتي بالضرورة من داخل الإدارة عبر كبار الموظفين اللبنانيي الأصل الذين عيّنهم الرئيس بايدن في مراكز عليا، إنما من خارج الإدارة، وبواسطة المنظمات والمؤسسات اللبنانية – الأميركية غير الحكومية، التي لها علاقات جيدة جداً مع بعض الوزراء ومع الرئيس بايدن بالذات.
وتعمل على الساحة الأميركية منظمات غير حكومية متعددة، تُعنى بالشأن اللبناني، سواء على صعيد المساعدة الإنسانية مثل «مؤسسة رينيه معوض» وغيرها، او على الصعيد السياسي، من أجل لفت نظر الإدارة إلى الأوضاع في لبنان، وتشجيعها على دعم القضية اللبنانية واتخاذ قرارات من شأنها أن تساعد لبنان في ظروف معينة. وأهم هذه المنظمات «فريق العمل الأميركي من أجل لبنان» التي يزور رئيسها لبنان بصورة دورية على رأس وفد من مدرائها، ويجتمعون بكبار المسؤولين اللبنانيين، ومن ثم ينقلون الى الإدارة الأميركية انشغالات وهموم اللبنانيين، ويحثون المسؤولين الأميركيين على تقديم المساعدة السياسية والإقتصادية الممكنة.
هنالك أيضاً منظمة تُعنى بالدراسات وتنظّم لقاءات ومحاضرات عن الشرق الأوسط تُسمّى «معهد الشرق الأوسط»، ويرأسها الدكتور بول سالم، وهو نجل وزير الخارجية الأسبق إيلي سالم. ولا بدّ من التوضيح هنا، انّ هذه المنظمة مختلفة تماماً عن المنظمة المسمّاة «معهد واشنطن للشرق الأوسط»، التي هي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً باللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة.
لقد أسس «معهد الشرق الأوسط» أخيراً فرعاً لنشاطاته سمّاه «برنامج لبنان»، يهتم بالقضايا اللبنانية بصورة حصرية، وقد نظّم هذا البرنامج منذ أيام قليلة لقاء عبر تطبيق «زوم»، شارك فيه، بالإضافة الى رئيس المعهد الدكتور سالم، رئيس «فريق العمل الأميركي من أجل لبنان» السيد ادوار غبريال، الذي كان سفيراً للولايات المتحدة في المغرب من العام 1997 حتى العام 2001 في عهد الرئيس كلينتون، ومعروف عنه انّه مقرّب من وزير الخارجية الأميركي الحالي أنطوني بلينكن، كما لعب دوراً بارزاً في حملة الرئيس بايدن الإنتخابية. وشارك أيضاً في الندوة من دبي السيدة مي نصرالله رئيسة مؤسسة «المدراء الماليون اللبنانيون الدوليون» (لايف)، التي تأسست في لندن منذ سنوات، لمساعدة لبنان، ولها فروع في نيويورك ومدن أخرى، والسيدة منى يعقوبيان من «معهد الولايات المتحدة للسلام» الذي مقرّه واشنطن.
موضوع الندوة كان التحدّيات التي يواجهها لبنان وآفاق المستقبل. وقد أجمع المتحدثون على وصف لبنان بأنّه دولة فاشلة بجميع المقاييس، مركّزين على الفساد المستشري واستحالة تقديم أية مساعدة للدولة اللبنانية قبل تشكيل حكومة تتولّى القيام بإصلاحات جذرية. وقد أعلن السفير السابق ادوار غبريال انّ «فريق العمل الأميركي من أجل لبنان» يسعى حالياً لتأسيس صندوق مهمته تقديم مساعدات للشعب اللبناني. كما أشار الى أنّ «معهد الشرق الأوسط» ومؤسسة «لايف» بالإضافة الى «فريق العمل الأميركي من أجل لبنان»، يعدّون حالياً دراسة مشتركة حول لبنان، تتضمن اقتراحات للإدارة الأميركية حول سبل ووسائل المساعدة السياسية والإقتصادية التي يمكن للإدارة تقديمها في الظرف الحالي.
من هذا المنطلق، يبدو أنّ لبنان لن يكون غائباً عن اهتمامات إدارة الرئيس بايدن، وإن لم يكن ضمن أولوياتها. إذ أنّ الضغوط التي ستمارسها هذه المؤسسات، بالإضافة الى العلاقات القائمة بين شخصيات لبنانية وبعض كبار المسؤولين الأميركيين، من شأنها أن تحمل الإدارة الاميركية على متابعة ما بدأه الوزير بلينكن مع نظيره الفرنسي لودريان، من حث للمسؤولين في لبنان على تشكيل الحكومة دون إبطاء، وإجراء الإصلاحات المطلوبة خصوصاً لجهة محاربة الفساد، وإنجاز التحقيق في مسألة تفجير مرفأ بيروت. مع العلم أنّ الشؤون الداخلية، مثل محاربة جائحة كورونا ومعالجة الوضع الإقتصادي، ستبقى في طليعة أولويات الرئيس بايدن. كما أنّ العلاقات مع الصين وروسيا وأوروبا ستكون في طليعة أولويات السياسة الخارجية.