IMLebanon

القطاعات تتهاوى والانهيار يتوسّع… والحلّ: مطاردة المنصات؟

لم ترقَ المقررات التي خرج بها الاجتماع الامني – الاقتصادي- المالي – القضائي الذي عقد امس في قصر بعبدا، الى مستوى الأزمة القاتلة التي تمر بها البلاد، حيث بدا “الاطباء” الذين تحلّقوا حول لبنان – المريض المتهالك الذي يفتك به سرطانٌ ينخره حتى العظم – ينظرون في حالة مريض آخر، مصابٍ بصداع بسيط. فأتت اجراءاتُهم، في نظر الناس والمراقبين، غريبة عجيبة ومنفصلة تماما عن الواقع! لسنا ندري اذا كان الطاقم الطبي هذا، لم ينجح بعد في تشخيص المرض وتحديد جذوره كي يتمكّن من وصف الدواء المناسب له، بحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”. الا انه على الارجح يعرف جيدا حقيقتَه، لكنه يفضّل طمر رأسه في الرمال والهروبَ الى الامام. فالمعاناةُ المعيشية التي يتخبط فيها الناس والتي دفعتهم الى العودة الى الشارع من جديد، ليس سببها منصات “الدولار” أو “الصرافون” او التهريب او النازحون السوريون، كي يدعوَ رئيس الجمهورية ميشال عون امس، الاجهزةَ المعنية الى التصرف لضبطها، بل ما أنزل اللبنانيين الى الطرقات مجددا هو أن اكثر من 70% منهم اصبحوا فقراء، بلا وظائف او مداخيل، أعجز من شراء أدويتهم وخبزهم والمحروقات. فهل رسَم اجتماعُ القصر خريطةَ طريق لحل هذه المعضلات؟ لا، لم يفعل…

الارقام الاقتصادية المخيفة يبدو لم يصل صداها بعد الى بعبدا، تتابع المصادر. فالحد الأدنى للأجور في لبنان بلغ ‏‏أدنى المقاييس المالية العالمية، وقد بات دخل اللبناني “أقل من دخل البنغلادشي”، ‏حيث الحد الأدنى للأجور في بنغلادش هو حالياً عند مستوى 95 دولاراً بينما الحد الأدنى ‏للأجور في لبنان أصبح أقل من 70 دولارا. الشركات تسرّح موظفيها. هذا الاجراء المؤلم لا يقتصر على الشركات الصغيرة او المتوسطة بل بات يطال شركات كبيرة لها اسمُها في البلاد، في القطاع التجاري والسياحي وفي قطاع المطاعم (…) اما تلك التي لم تلجأ بعد الى هذا التدبير القاسي، فتدفع لموظفيها نصف معاش بل أقل.

الانهيار يطرق ايضا ابوابَ القطاع العام والادارات الرسمية والشركات التابعة للدولة ومؤسساتها، وآخرهم اليوم مستخدَمو الضمان الاجتماعي الذين لوحوا بالاضراب في حال المس بحقوقهم. فالموظف العام اصبح معاشه نحو 150 دولارا. اما القاضي فيتقاضى نحو 400 دولار، فيما راتب العسكري لا يتخطى الـ120 دولارا. على اي حال، أتت صرخة قائد الجيش العماد جوزيف عون مدويةً امس، ودق جرس الانذار قويا، محذرا من الاسوأ الآتي اذا لم تسارع السلطة الى تحمّل مسؤولياتها. وقد سأل خلال اجتماع رأسه لكبار الضباط “البلد كله يعاني بسبب الوضع الاقتصادي، وكما أنّ الشعب جاع كذلك العسكريّ يعاني ويجوع، فما الذي ينتظره المسؤولون”؟ واذ لفت الى ان “ليس صحيحاً ما يحكى عن حالات فرار في الجيش بسبب الوضع الاقتصادي”، استطرد “بدكن جيش يضل واقف على إجريه أو لأ؟ فكل عام يتم تخفيض موازنة الجيش أكثر، الأمر الذي يؤثر سلباً على معنويات العسكريين”.

في الموازاة، أصبح موظفون بالعشرات، يفضّلون الاستقالة من وظائفهم بعد ان باتت رواتبهم لا تغطّي كلفة انتقالهم الى أمكنة عملهم. هذه هي الحال مثلا في شركة “طيران الشرق الاوسط” التي شهدت حركة استقالات لافتة في الايام الماضية، بعد ان رأى الموظفون ان مداخيلهم التي يقبضون بالليرة اللبنانية، تتآكل قبل ان يتقاضوها، مع ارتفاع اسعار المحروقات وكل شيء في البلاد.

في الخلاصة، الوضع المأساوي هذا لا تحلّه “مطاردةُ” الصرافين او منصات تحديد سعر الصرف، بل يُحلّ باجراءات جذرية تذهب مباشرة الى الهدف، أي بتشكيل حكومة جديدة مؤلفة من اختصاصيين، تنكبّ، بالتعاون مع المجتمع الدولي والمانحين، على ورشة اصلاح وانقاذ حقيقية، وفق خطة محددة، لتنطلق عمليةُ انتشال لبنان واللبنانيين من الحفرة… فأين هم أهل المنظومة من هذا العلاج؟!