IMLebanon

مؤشرات سياسية وأمنية تبعث على القلق في لبنان

الوضع يسير بخطى «ثابتة وسريعة» نحو «الانفجار»، وتشكيل الحكومة هو الأمر الوحيد المتاح حاليا لسحب فتيل هذا الانفجار. هذا باختصار ما آل إليه الوضع وما يمكن استنتاجه من خلال مؤشرات أمنية وسياسية تبعث على الارتياب والقلق، وهي:

1 ـ تفاقم حالة الغضب الشعبي وأعمال الشغب في الشارع، وهذا يحصل نتيجة الصعود المثير في سعر صرف الدولار ـ والانهيار المريع في قيمة الليرة، وأيضا نتيجة دخول جهات سياسية عدة على الخط للاستثمار في الفوضى وتصفية الحسابات وحيازة أوراق ضاغطة في معركة الحكومة.

ما يجري في الشارع هو نسخة منقحة ومطوّرة من ثورة 17 تشرين، وفي اتجاه أكثر تشددا وخطورة، بما يؤدي الى نشوء «وضع متدحرج» قابل للانفجار في أي وقت وعند أول حادثة دموية، ويصبح من الصعب ضبطه والسيطرة عليه، خصوصا أن الشارع عاد يسجل حالة اصطفاف وفرز على أساس طائفي، ويشهد، في موازاة ارتفاع المتاريس السياسية، مظاهر العودة الى خطوط تماس طائفية بعضها قديم ويرقى الى أيام الحرب، ونصفها جديد مثل الخط الساحلي الواصل بين العاصمة والجنوب، والذي شهد احتكاكات وحوادث متفرقة وحواجز أوقفت المواطنين ودققت في الهويات.
وهذه الحالة التي تختزن عناصر فوضى وفلتان وتسيّب أمني، تكتسب خطرا إضافيا بسبب:

٭ الارتباك السائد لدى المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية في التعاطي مع الوضع المستجد على الأرض، إذ ليس في خططها الدخول في مواجهة مع الشارع واستخدام القوة لفتح الطرقات أو قمع التحركات الاحتجاجية. وهذا الأداء الحذر الذي يعكس سياسة حياد بين السلطة السياسية والشارع، يعود الى أسباب كثيرة منها طبيعة الاحتجاجات الحادة وأحقيتها واتساع نطاقها وشمولها مختلف المناطق، و«الوهن» الذي أصاب أداء العسكريين الذين طالتهم الأزمة الاقتصادية بشكل مباشر ماديا ونفسيا، والذين أرهقتهم منذ سنتين حالة من الاستنفار الدائم والمهام المتشعبة.

٭ التشابك والتداخل الحاصل بين حركة وضغوط الشارع ومعركة الحكومة، وسط تضارب في الاتهامات السياسية:
هناك من يتهم تحالف الأحزاب المناوئة للعهد بتحريك الشارع للضغط على الرئيس عون بين حدين: حد أدنى هو التنازل في موضوع الحكومة، وحد أقصى هو الاستقالة. وهناك من يتهم تحالف حزب الله في السلطة بأنه يقف وراء عملية الشارع التي كانت انطلقت شرارتها من طرابلس، وذلك للضغط على الحريري وحمله على مغادرة المربع الحكومي الذي وضع نفسه فيه والقبول بـ«حكومة تسوية».

٭ الدعم والغطاء اللذان يلقاهما تحرك الشارع من مرجعيات حزبية ودينية كان أبرزها أخيرا البطريركية المارونية التي تشجع الناس على «الثورة وعدم السكوت». فمن خطاب 27 فبراير الذي ختمه البطريرك الراعي بوصايا «لا تسكتوا»، الى عظة يوم الأحد الماضي التي قال فيها إن انفجار الشعب ليبقى الوطن يبقى أفضل من انفجار الوطن… يظهر من جانب البطريرك الراعي موقف احتضان للثورة المتجددة وتشجيع على مواصلتها الى أن تحقق أهدافها.

2 ـ المؤشرات والتطورات السياسية التي تدل الى اتجاه أزمة الحكومة الى مزيد من التعقيد و«الانسداد»، ومن هذه ـ المؤشرات:
٭ خروج رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب «عن طوره» وتلويحه بورقة الاعتكاف، وهذه سابقة لم تحصل لأن الاعتكاف يسبق الاستقالة ولا يأتي بعدها، فيكون بمنزلة وقف تام لعمل الدولة ومؤسساتها وإعلان وفاتها.

ولكن يبقى أن هذا التهديد يعكس شعورا وقناعة لدى دياب بأن الأزمة الحكومية طويلة، وأن حكومته يمكن أن تستمر في تصريف الأعمال حتى نهاية العهد. ولذلك، فإنه أراد الضغط على الجميع للإسراع في تشكيل الحكومة، وكي يُخرج نفسه من هذه الورطة. وأما الضغط الفعلي المتأتي عن هذا الموقف، فإنه يصبّ عند رئيس الجمهورية ويخدم الرئيس المكلف أكثر. فبدل أن يلبّي دياب رغبة عون في تفعيل حكومة تصريف الأعمال، فإنه يذهب باتجاه وقف تصريف الأعمال.

٭ تلبّد الأجواء بين الحريري وحزب الله بعد هجوم الحريري المفاجئ على الحزب وتحميله مسؤولية في التعطيل والتصويب من خلاله على إيران. وقد استشعر الحزب أن ثمة رسالة تعمّد الحريري إرسالها إليه وعنوانها العريض ليس فقط الخروج من حال المهادنة، وإنما أيضا الاستعداد للمنازلة في السياسة وفي الشارع (وهذا ما يُترجم على طريق الجنوب). وهناك جانب آخر من الرسالة يفيد بأن الحريري لا يستطيع تأليف الحكومة بمشاركة الحزب الذي كبرت لديه التساؤلات والشكوك إزاء التأخر الحاصل في التأليف، وبأن الحريري يتعمّد إطالة أمد الفراغ، رغم كل التسهيلات التي قُدمت إليه، استدراجا لعروض معينة منتظرة.

٭ توقف حركة الوساطات بما فيها حركة اللواء عباس إبراهيم الذي أطفأ محركاته بعدما وصل مقترحه الأخير الى طريق مسدود. وهذا المقترح يقوم على موافقة عون على حكومة الـ18 التي يُصرّ عليها الحريري، وعلى أن يكون له ولفريقه 6 وزراء (ضمنا وزير الطاشناق) ما يعني التخلي عن الثلث المعطل، وأن تُعهد إليه وزارة الداخلية التي كان عرضها الحريري في أولى جولات التفاوض. ولكن الحريري عاد ليؤكد تمسكه بوزارة الداخلية، وليضيف على ذلك بأنه يشترط حصوله على ثقة نواب التيار الوطني الحر كي يعطي الرئيس عون خمسة وزراء مسيحيين، وإلا يعطيه ثلاثة وزراء.

هذا الجواب عزز الاعتقاد لدى رئيس الجمهورية بأن الحريري لا يريد ولا يستطيع تشكيل الحكومة، والمشكلة ليست في المبادرة وإنما في عدم القدرة على التأليف. وأما تصعيده فلا يهدف إلا الى تبرير هروبه الى الأمام وتغطية العجز لا أكثر.