كتب معروف الداعوق في “اللواء”:
لم يؤدِ التدهور المالي المتسارع وانعكاساته السلبية على الاوضاع المعيشية والاجتماعية للبنانيين الى تغيير النهج السياسي للسلطة في تعاطيها مع ملف تشكيل الحكومة الجديدة، ولا يبدو في الافق ما يؤشر الى ان الاحتجاجات الشعبية الواسعة وتقطيع اوصال البلد وشل حركته، تستوجب اخراج ملف التشكيلة الوزارية من دوامة التعطيل القسري والممنهج لدى الفريق الرئاسي العوني، بل على عكس ذلك تماماً، تدل ممارسات هذه السلطة الى القفز فوق الانهيار الحاصل وتردداته، وتحاول بالالتفاف عليه وحتى قمعه بالقوة كما ظهر ذلك جلياً في مواقف وبيانات اجتماع بعبدا بالأمس.
ويبدو من خلال المواقف المعلنة والاتصالات الجانبية ان ملف تشكيل الحكومة الجديدة، لا يزال عالقاً في دائرة الشروط والمطالب التعجيزية التي يفرضها الفريق الرئاسي تحت عناوين وشروط متسلسلة، تبدأ من التلطي وراء صلاحيات رئيس الجمهورية بالمشاركة في عملية التشكيل، وكأن الرئيس المكلف سعد الحريري لا يشارك الرئيس او يتجاهله خلافاً للواقع، في حين تؤكد لقاءات التشاور المتواصلة التي وصلت الى حوالى 14 لقاء كذب هذه الادعاءات المضللة. أما الادعاء بالحفاظ على ما يسمونه بحقوق المسيحيين للتلطي وراءه فتدحضه اسماء الشخصيات المطروحة للتوزير والحقائب المسندة اليها، بينما يستشف من وراء ذلك الاصرار على حصول الفريق المذكور على الثلث المعطل بالتركيبة المقترحة وصولاً للاستئثار بحقيبتي العدل والداخلية ولا تستثني من هذه الشروط محاولات يائسة لتوزير حزبيين موالين وحتى التشبث بوزارة الطاقة كما ظهر ذلك جلياً في الاتصالات غير المعلنة، ما يعني ضمناً ان مطبات وعراقيل التشكيل، تطرح غب الطلب حيث تدعو الحاجة، ما دام ملف تشكيل الحكومة محتجزاً قسرياً بالتلازم والتضامن بين الفريق العوني وحليفه «حزب الله» اللذين تتقاطع مصالحهما معاً بتعطيل ولادة الحكومة عمداً ولحين تنضج الظروف وتتحقق مصالح كل منهما جراء ذلك.
فالفريق العوني، لا ينفك عن وضع الشروط والعقبات، للاستفادة قدر الامكان لتحسين شروطه والاستحصال على حصة وزارية وازنة في التشكيلة الحكومية، تمثيلاً وحقائب نوعية كما كان تمثيله بالوزارات السابقة او على نسقها بالحد الأدنى. وفي المقابل، لا يبدو «حزب الله» مستعجلاً لتشكيل الحكومة، وكما تظهر مواقفه الشحيحة بهذا الخصوص وصولاً الى ما كشف عنه اخيراً نائب الامين العام للحزب نعيم قاسم بأن ورقة تشكيل الحكومة لزّمت للطرف الايراني المفاوض في الصفقة المفترضة مع الجانب الأميركي، محاولاً إلقاء تهمة التعطيل بالرئيس المكلف بسبب معارضة السعودية له خلافاً للواقع وفي محاولة لنفي مسؤولية التعطيل عن الحزب وحليفه الفريق العوني.
وفي المقابل، يفترض ان يعود الرئيس المكلف الى بيروت قريباً، ولا يبدو انه سيبدل من تعاطيه في ملف تشكيل الحكومة شيئاً. فهو متمسك بتأليف حكومة مهمة استناداً للمبادرة الفرنسية، والكل بات يعلم ان التشكيلة الوزارية سلمت الى رئيس الجمهورية منذ اسابيع عديدة وما زالت محتجزة لديه ولم يقدم جوابه عليها، سلباً او ايجاباً حسب الدستور خلافاً لكل الادعاءات والاضاليل التي تروج من الفريق المذكور، علناً وفي الخفاء ضمن اسلوب التعطيل الممنهج لعملية تشكيل الحكومة كما اصبح معلوماً لدى الرأي العام برغم كل محاولات التكاذب والتهرب من مسؤولية العرقلة والتعطيل الممنهج. فالرئيس المكلف متمسك بتشكيل حكومة مهمة من اختصاصيين للمباشرة بحل الأزمة المالية والاقتصادية المتدحرجة، استناداً الى المبادرة الفرنسية، باعتبارها الحكومة المؤهلة لتولي مثل هذه المهمة في الظروف الحالية، لكي تستطيع التعاطي بانفتاح وقبول من الدول الصديقة والشقيقة والمنظمات والهيئات المالية والدولية وتباشر عملية الاصلاح المطلوبة في مختلف مؤسسات الدولة وإداراتها وتوقف الانهيار الحاصل بدون توقف.
فأي تبديل او تغيير في شكل وتركيبة الحكومة على غير ما ورد في المبادرة الفرنسية، يعني التخلي او الالتفاف على المبادرة المذكورة، ما ينتج عنه حتماً، انكفاء المجتمع الدولي عن التعاطي معها والاستجابة لمتطلبات الانقاذ وحل الازمة المالية المتدحرجة والدوران في حلقة مفرغة، كما حصل مع الحكومة المستقيلة التي لم تستطع فك العزلة المفروضة عليها عربياً ودولياً وباتت اسيرة الدوران في حلقة الفراغ والفشل والانهيار القائم في لبنان حالياً.
ولذلك، وفي ضوء الواقع القائم حالياً وفي حال استمرت اساليب وممارسات التعطيل الممنهج من الفريق العوني الرئاسي باسناد من «حزب الله» على النحو الحاصل، لتبديل وجهة تأليف حكومة الاختصاصيين في ظل الانهيار المتواصل باتجاه تأليف حكومة مطعمة او سياسيين لا افق لنجاحها، مقابل تمسك الرئيس المكلف بالتشكيلة الوزارية التي قدمها لرئيس الجمهورية والتزامه بمقتضيات المبادرة الفرنسية، كونها تشكل الفرصة الفريدة والملائمة لمساعدة لبنان للخروح من ازمته في ضوء تلكؤ معظم دول العالم عن تقديم اي مساعدة على هذا النحو وانعدام وسائل الانقاذ المحلية وغيرها، قد تؤدي هذه الممارسات الى اطالة امد ازمة تشكيل الحكومة لحين يتم الافراج عن ملف التشكيل من الجانب الايراني والذي يبدو انه متشبث بهذه الورقة لحساباته ومصالحه على حساب لبنان واللبنانيين وبتغطية من الفريق الرئاسي العوني كما هو ظاهر للعيان بدون لبس او مواربة.