كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
بمشهده كما بنتائجه فضح اجتماع بعبدا الأمني – الاقتصادي – السياسي أزمة النظام في لبنان. حيث لا حكومة ولو لتصريف الحد الادنى من الاعمال، ورئيس حكومة مكلف لا أمل له بالتأليف، ورئيس جمهورية بلا صلاحيات ولا سلطة تقريرية ولا تتوافر لديه امكانية الزام القوى الامنية برفع حاجز عن طريق، يلزمه بحكم الدستور قرار لمجلس الوزراء مجتمعاً.
إنفضح الدستور على مرآة الممارسة، اجتماع يرأسه رئيس الجمهورية ويحضره وزراء وكبار قادة الامن ومدعي عام التمييز، يتخذ قرارات غير قابلة للتنفيذ ولا يملك قدرة على ايقاف مصرفي يضارب في صرف سعر العملة. ما يؤكد ان هذا النظام لم يعد بمقدوره ان يستمر وقد ثبت أنه نظام لتبادل التعطيل.
في ظل ازمة متعددة الأوجه مالية واقتصادية ومعيشية وسياسية وأمنية، تبين بالممارسة وكأن الدستور لم يلحظ مثل هذه الحالات، وبغض النظر عن طائفة الرئيس وهويته السياسية وسواء كان ميشال عون او غيره في سدة الرئاسة، كيف يمكن لرئيس البلاد ان يكون مقيداً بهذا الشكل، وأن يكون رئيساً بلا صلاحيات عاجزاً عن مواجهة الازمة او حتى ادارتها؟ وهل من الطبيعي لرئيس حكومة تصريف اعمال ان يرفض انعقاد جلسة لحكومته لاعتبار ان الانعقاد قد يطيل أمد التعطيل، فيما تشكيل الحكومة غير متوافر عما قريب والازمة قد تطول اياماً واسابيع وربما اشهراً طويلة فهل تبقى الحال على ما هي عليه؟
خلال اجتماع بعبدا التزم قائد الجيش جوزف عون الصمت، غضبه الذي فجره خلال لقائه مع العسكريين ليس جديداً ويطالب بالقرار السياسي لانه يعرف ربما ان البلد محكوم بالتوافق السياسي، وان التصادم بينه وبين المتظاهرين سينعكس على وضع الجيش الذي قلصت الدولة ميزانيته، وهي تطلب منه بسط الامن على امتداد مساحة الوطن. اصلاً هي لم تدرجهم يوماً على جدول اهتماماتها.
لكلام قائد الجيش ابعاده وهو ذاته الذي كان يكرره في الآونة الاخيرة امام زواره، ويضيف عليه انه لا يريد ان يكون رئيساً للجمهورية ويكتفي بأن يكون قائد جيش ناجحاً، وفي السياق، رد على كلام ديبلوماسي بدأ يتردد في الاروقة الضيقة، مستفسراً عن امكانية ان يكون الحل من خلال الجيش والقضاء بحيث يتولى قاض متقاعد رئاسة الحكومة، بينما تتولى شخصية عسكرية رئاسة المجلس العسكري. كلام تجاوزه الزمن ولن يجدي نفعاً لا سيما مع وجود استشارات نيابية وتكليف لرئيس يعيش أسير تأمين الدعم لحكومته قبل تشكيلها تداركاً للفشل.
يوافق مصدر دستوري على ان الممارسة فضحت علة النظام الذي لم يعد مجدياً، ولكن كل الدساتير لا تنص عادة على تفاصيل، وأصل المعضلة برأيه لا تتعلق بصلاحيات الرئيس في بلد نظامه برلماني والكلمة الفصل فيه للسلطة التنفيذية مجتمعة، ولذا فالحل الدستوري لا يكون الا بتشكيل حكومة، مخالفاً في ذلك من يعتبر ان اصل المشكلة مرتبط بصلاحيات رئاسة الجمهورية، ليقول إن “المطلوب مجلس وزراء يتخذ القرارات لان نظامنا غير رئاسي كي يتخذ التدابير بل هو نظام برلماني للسلطة التنفيذية سلطتها. الامر هنا يتعلق بسوء نية في الممارسة يتلطى اصحابها بالدستور للمخالفة. وهذا ليس غريباً على بلد يزيد فيه عدد خبراء الدستور على خبراء السير. وهل سيحاسب رئيس حكومة مستقيلة لو عقد جلسة للحكومة لاقرار الموازنة او لاتخاذ اجراءات ضرورية لمعالجة الازمة المالية المعيشية، لكنها القرارات الصعبة والتي هي الكأس المرة التي يرفض الجميع تجرعها”.
خلال تاريخه اعتاد لبنان ان خلف كل ازمة انفراجاً ودائماً كان يتم تدوير الزوايا الا اليوم، حيث لا يجرؤ احد على المبادرة والبلد جامد الا من مبادرة مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم، الذي يحرك وحده الجمود الحكومي.
ولعلها المرة الاولى التي تلتقي فيها الازمات المعيشية المالية مع الازمة الامنية والسياسية مجتمعة، وتسد افق الحل واحتمالات الانفجار قائمة ومتوافرة، فيما الخارج ليس مستعداً بعد لمساعدتنا. يقول مصدر مطلع عن قرب ان “الجانب الفرنسي لم يعد مستعداً لأي خطوة ناقصة بعد الانتقادات التي تلقاها على مبادرته السابقة، فيما السعودي يمهد لبداية سياسية مع شخصيات سنية جديدة بعيدة كل البعد عن الطبقة الحالية، التي لم يعد لها مكان على سجل حساباته وهو غير مستعد للمساعدة قبل ان يكون شريكاً في اي تسوية مقبلة، تعيد “حزب الله” الى حدوده اللبنانية، اما الاميركي الذي ما اعتاد تفويض اي جهة بملف فهو على استعداد او انه دخل فعلياً مع الفرنسي بالتنسيق، لكن ضمن ضوابط معينة ايرانية سعودية”. هي اذا سلة متكاملة في الخارج، اما في الداخل فلا يمكن اختصار الازمة الحالية بصلاحيات بل هي ازمة تركيب حكومة، يفترض ان تحكم البلد لذا يريد الفريق العوني تعزيز وضع الرئيس بالثلث المعطل لإحداث توازن مع موقع الرئاسة الثالثة.