كتب روي أبو زيد في “نداء الوطن”:
رسم الممثل جان بو جدعون خطّاً كوميدياً خاصاً. اشتهر بتقليده الشخصيات السياسية والثقافية والدينية على مدى 25 عاماً. يطلّ اليوم عبر برنامج “أنيس وموريس” على اثير “اذاعة لبنان”. “نداء الوطن” التقته فدار هذا الحوار الصريح والعفوي.
لماذا اخترت العودة من خلال “أنيس وموريس”؟
أردتُ إيصال الوجه الآخر لجان بو جدعون بعد مسيرة طويلة من تقليد الشخصيات في المجالات كافة.
قدّمت 5 برامج كوميدية لـ”إذاعة لبنان” منها “لوين يا مروان”، “شو الأخبار يا حديدان”، “تاكسي بلا أجرة” للأستاذ أحمد الزين الذي نوّه بأدائي وأعجب به، وصولاً الى “اللبناني مالو تاني” الذي استمرّ لعام ونصف العام وأخيراً “أنيس وموريس”. وتعمد الإذاعة الى التجديد في برامجها مبتعدةً عن الرتابة.
هل تواجه صعوبة في الكتابة لـ”إذاعة لبنان”؟
بالطبع، إذ يمنع تناول المواضيع السياسية والدينية أو حتى التطرّق الى الإيحاءات الجنسية. بل يجب الإضاءة على القضايا الإجتماعية بطريقة مُضحكة تليق بمستوى الإذاعة. وهكذا يتمّ الإشراف على نصي والتدقيق في محتواه.
لكنّك تقدّم الكوميديا بطريقة مختلفة.
كنت أجسّد الأدوار بحسب نصّ المخرج شربل خليل، أما “أنيس وموريس” فهو من إعدادي وتقديمي. لا أحبّ التطرّق الى المواضيع السياسية كما طلبتُ أن يوضع إسمي في الجنريك بإطار “تقليد الشخصيات”. أعتبر أنّ المادة السياسية “ناشفة” بشكل عام، رغم أنها تثير اهتمام الناس في ظلّ الظروف الصعبة التي يتخبّطون بها، وبتُّ أرفض تقليد شخصيات ماكرة أغرقت البلاد بالفساد لأكثر مــــن 30 عاماً.
ألا تجد صعوبةً في إضحاك الناس عبر الراديو بغياب المؤثّرات البصريــــة ولغة الجسد؟
الموضوع صعب جداً. فالتلفزيون، المسرح والسينما منصّات تتيح رؤية وسماع المادة الكوميدية المقدّمة. أمّا الراديو فمختلف كليّاً، إذ تكمن الصعوبة في إبقاء المستمع “على الموجة” كي لا يتشرذم. لذا على المعدّ أن يكون دقيقاً وحذراً في رسم خطّ معيّن يتيح إضحاك المستمع عبر إيصال الرسائل المناسبة. حين جسّد الممثل القدير أحمد الزين شخصية البيك في أحد الأعمال الدرامية، استوحيتُ منها “كاراكتيراً” يعاونه المستشار حديدان. وظهر “البيك” بطريقة إيجابية حثّت الناس على انتظار برنامجي الإذاعي.
هل ندمت بعد تقليد أي شخصية؟
كلا. أنا اعتمدت أسلوباً فنياً محضاً خلال العمل بغضّ النظر عن خلفيّاتها السياسية، الإجتماعية أو الدينية. أشير هنا أنه حين طُلب مني تقليد الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أو السيد حسن نصرالله، كان شربل خليل قد كتب النصّ لكنّني حوّلته على طريقتي الخاصة وقدمت المشهد بصورة مُقنعة وموضوعية وغير مشوّهة تجنّباً للوقوع في المحظور.
كيف تبني الشخصيّة؟
يقول الكاتب ساشا غيتري: إنّ “المظهر الخارجي يكشف عن مكنونات الداخل”، لذا أعمد دائماً الى “تخمير” الشخصية قبل تقليدها، فأتعايش معها بالكامل لأقدّمها بصدق وواقعيّة. طُلب مني ذات مرّة تقديم شخصية الروائي الراحل كرم كرم والد النقيبين الراحلين ملحم وعصام. لم أجد أي مقطع فيديو يُظهر شخصية كرم أو صوته، فبحثت مطولاً عنه وقرأت الكثير عن كيفية تصرّفه ومشيته وقدّمته آنذاك في مهرجان في دير القمر. بكى النقيبان حينها وهنّآني على تقديم والدهما بهذه الدقّة.
هل أنت مُقدّر في لبنان؟
نلت جوائز عدة وتكريمات كثيرة بفضل المحبّين. لكنّ التكريم الحقيقي مصدره الناس حين يقولون لي: “اشتقنالك أستاذ، ناطرينك”. مع الإشارة الى أنّ بعض الفنانين “محسوبين” على صنّاع أعمال معينة. أنا مكتفٍ ومرتاح بما وصلتُ إليه ومستمرٌّ بتقديمي الأفضل.
ما هو جديدك؟
أحضّر لـ”sitcom” ولفيلم سينمائي ومشاريع جديدة ستبصر النور قريباً.
كيف تقيّم الواقع الكوميدي في لبنان؟
بمجرّد مشاهدتك “المعلّمة والاستاذ” أو “أبو سليم” مثلاً يمكنك حينها المقارنة بين هذه الأعمال والأخرى الحديثة. بحر الكوميديا واسع، فشوشو كان يتقن فنّ التهريج عبر إيصاله الرسائل بذكاء وحنكة. نجحت الأعمال الكوميدية سابقاً بفضل مخرج يعمل على أداء الممثل وبنائه على عكس ما يحصل اليوم. فأضحى التمثيل “business” في معظم الأحيان. وللأسف اقترنت النصوص بالإيحاءات الجنسية كي تُضحك الجمهور وهذا أمر مهين ومعيب إذ على الممثل أن يرفع من شأن الفن الكوميدي وليس العكس.
من هو الممثل الكوميدي الأقوى على الساحة؟
“ضاعت الطاسة” في ظلّ وجود دخلاء على الساحة وتغييب بعض الوجوه الموهوبة. إنها لعبة “تنفيعات” و”محسوبيات” لخدمة مصالح خاصة. كيف يمكنك أن تضمن حقّك كفنان في ظلّ انقسام النقابات وعدم توحيدها مثلاً؟ لذا لا يمكنني التقييم اليوم مع سيطرة مبدأ “فرّق تسد” رغم وجود ممثلين ناجحين بشكل عام.
ما الذي ينقصنا كي نبني بلداً على مستوى أحلامنا وآمالنا؟يحتاج وطننا الى هيكليّة جديدة. فالحلّ يكون بالتعاون والحوار وليس بقوّة السلاح. لبنان بحاجة الى “نفضة” إجتماعية وإقتصادية فضلاً عن وجود الشخص المناسب في المكان المناسب. كذلك يجب فصل الدين عن الدولة.
هل شاركت في ثورة “17 تشرين”؟
كلا. بدايةً، أنا ثائر بأفكاري ومعتقداتي وتطلّعاتي، كما أنني لا أشارك بثورة في وطن تتحكّم فيه الطائفية والميليشيات والأحزاب بفرض السلاح. ما يثير السخرية أننا كلبنانيين نتخطّى طوائفنا ومعتقداتنا وانتماءاتنا السياسية حين نعيش في الغربة، لكننا “نتمترس” ضد بعضنا على أرض الوطن.
الشعب ذريعة كي تتمكّن الميليشات والأحزاب من ضمان استمرارها. إننا نعيش في زمن “الإقطاعية المقنّعة”.
لذا يجب “شطف الدرج من فوق”؟
أنا أثق برئيس جمهوريتي. أعتبره رجلاً نظيفاً يريد فعلاً أن يبني البلد، لكنّه مُحاط بميليشيات وأحزاب تتحكّم بها الدول الكبرى ما يمنعه من تنفيذ مخططاته الإصلاحية. صُدم عون لدى وصوله الى بعبدا بـ”التجذّر في الوسخنة والفساد” بالدولة ومؤسساتها.
ألا يستطيع مصارحة اللبنانيين بكلّ ما يحصل؟
لا نعرف ما يوجد في الكواليس السياسية، وقد يكون سكوته مفروضاً عليه من جهة ما أو ربّما لدرء الفتنة. على الشعب اللبناني محاسبة من صوّت لهم في الإنتخابات النيابية واعتماد الوعي والثقافة العامة. كيف يمكننا بناء وطن وما زال البعض يشكك بوجود فيروس “كورونا” حتّى اليوم؟