كتبت مرلين وهبة في “الجمهورية”:
يبرز في أروقة قصور العدل ملف دقيق وخطير، يتمثل بقرار عدد لا بأس به من القضاة بالانتقال الى الخارج، وذلك بعد الاستقالة أو من خلال خطوة «الاستيداع»، في حال تعذّر مسار الاستقالة، والرحيل، في محاولة للمأسسة من جديد. الأسباب متعددة، أبرزها الضائقة المعيشية التي يعاني منها القضاة وعوائلهم، بالإضافة الى حالات الإحباط التي يشعر بها الجسم القضائي بسبب الواقع الحالي في لبنان.
علمت «الجمهورية»، أنّ عدداً من القضاة الذين يفكرون جدّياً بالهجرة، تقدّموا باستقالتهم الى وزيرة العدل، وتمّ تحويل طلباتهم وفق الاصول الى مجلس القضاء لإجراء المقتضى. وعُلم انّ بين هؤلاء من قوبلت استقالتهم بالتريث قبل البتّ بها أو توقيعها، وذلك بغية إعطاء اصحابها مزيداً من الوقت للتفكير ملياََ وثنيهم ربما عن الإستقالة والرحيل.
وفي معلومات لـ»الجمهورية» ايضاً، انّ مجموعة من القضاة الشبان الذين يتراوح عددهم بين 30 و40 قاضياً، أرسلوا سيرهم الذاتية الى الخارج، بنية العمل، وتريثوا في تقديم استقالتهم قبل حصولهم على موافقة المؤسسات الخارجية الخاصة والعامة التي ارسلوا طلباتهم اليها. وفي المقابل، بادر قلة من القضاة الى طلب «الاستقالة» من السلك القضائي، بعد قرارهم النهائي بالهجرة، فيما يفكّر البعض الآخر البقاء في الإستيداع.
فما الفارق بين الاستقالة والاستيداع؟ وما هي أسباب هجرة القضاة من لبنان؟
توضح مصادر قضائية مطلعة على الملف لـ»الجمهورية»، انّ الاستيداع يعني ان يبقى القاضي في وظيفته انما لا يتقاضى أجره، الّا انّه في المقابل يخسر تدرّجه، بمعنى انّ طلب الاستيداع يُبقي القاضي في وظيفته ولكن يوقف تدرّجه. وتشير المعلومات، الى انّ القضاة الذين قرّروا مغادرة لبنان يتقدّمون بطلبات استيداع، فيما الاقلية يقدّمون استقالتهم.
ولفتت المصادر نفسها، الى انّ القضاة الذين يفضلون تقديم طلب الاستيداع بغية السفر، في محاولة لإيجاد فرص عمل في الخارج، واذا ما توافرت لهم، يقدمون على الاستقالة، لأنّه في حالة الاستيداع يحافظ القاضي على امكانية العودة الى مركز عمله اذا لم ينجح في ايجاد فرص العمل في الخارج، اما الاستقالة فلا يمكن له الرجوع.
وتوضح المصادر نفسها، انّ للقاضي الحق في الاستقالة من خدمته، مثل اي موظف في الدولة.
وعن مسار الاستقالة توضح المصادر نفسها، انّها في حاجة الى مرسوم جوّال يوقّعه وزيرا العدل والمال ورئيسا الحكومة والجمهورية، اي ليس من داعٍ الى اجتماع مجلس الوزراء.
وتوضح مصادر قضائية، انّ طلب الاستقالة يقدّمه القاضي الى وزير العدل بحسب الاصول، فيحيله الى رئاسة مجلس القضاء الأعلى للإطلاع وإجراء المقتضى. وعموماً يستدعي مجلس القضاء القاضي لاستيضاحه اسباب الاستقالة، وبعد موافقة المجلس عليها يُعاد الطلب الى وزيرالعدل الذي يُعدّ مشروع المرسوم ويحيله الى وزير المال ورئاسة الحكومة وبعدها رئاسة الجمهورية. وتلفت المصادر القضائية، الى عدم ضبط هذه التواقيع بأي سقف زمني.
أما القضاة الذين قدّموا طلبات استيداع واستقالات، فقد علمت «الجمهورية» انّ من بينهم احد قضاة المحكمة العسكرية، الذي سيتوجّه الى دولة الامارات العربية المتحدة للعمل هناك، وكذلك بينهم احد القضاة المنفردين الجزائيين في احد أقضية جبل لبنان.
اسباب هجرة القضاة
وعلمت «الجمهورية»، انّ القضاة الذين يستعدون للسفر هم من القضاة الشبان الذين تتراوح اعمارهم بين الثلاثين والاربعين عاماً. وأبدت وزيرة العدل ماري كلود نجم خشية كبيرة حيال هذا الملف وتبعاته. وفي المقابل ارتأت الدعوة بأسرع وقت ممكن الى دورة جديدة في معهد الدروس القضائية، للقضاء العدلي والاداري لتفادي الفراغ خلال السنين المقبلة، في حال تقلّص العنصر الشاب في الجسم القضائي.
الخليج الوجهة
وتفيد المعلومات، انّ دول الخليج هي الوجهة الغالبة للقضاة الشبان، كذلك يتمّ قبول طلبات قضاة من الكبار في السن لترؤس محاكم التمييز في تلك الدول .
عن الفراغ؟
في المحصلة، تخشى اوساط وزارة العدل من تنامي ظاهرة الاستقالات والاستيداعات، ومن حالة النزف التي سيتعرّض لها الجسم القضائي في حال فرغ من عنصر الشباب. وقالت مصادر قضائية، انّه ينبغي مقاربة هذه الحال «برفد القضاء بمجموعة شبابية وطاقات جديدة، لتكون جاهزة لتعبئة الفراغ الذي ستحدثه استقالات القضاة وخصوصاً الشبان منهم».
الطابع الأنثوي
وعن الخطورة التي يمكن ان تنجم عن استقالات القضاة الشبان، تشير مصادر قضائية مطلعة، الى «انّ الطابع الأنثوي يغلب اساساً على الجسم القضائي، بعد ارتفاع نسبة تفوّق الإناث في مباراة معهد القضاء خلال السنين المنصرمة، فكيف لو غادر مزيد من القضاة الشبان». وترى انّ هذا الامر اذا حصل «سيتسبب بخلل في المشهدية القضائية».
ولذلك، تؤيّد المصادر القضائية وجوب الإسراع في إجراء دورات قضائية عاجلة تبرّرها الحاجة، وذلك بعد التنسيق مع مجلس القضاء الاعلى ومجلس شورى الدولة. وتلفت المصادر، الى انّ الإعلان عن المباراة هو من صلاحية وزارة العدل.
كتاب رسمي
وفي المعلومات، أنّ وزيرة العدل تقدّمت بكتاب رسمي الى القضاء الاداري، تطلب فيه الاعلان عن دورة في معهد القضاء. اما بالنسبة الى القضاء العدلي فقد تمّت إثارة الموضوع مع رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود، الّا انّ الطلب الخطّي لم يُرسل اليه رسمياً بعد. فهل سيتجاوب المعنيون مع هذا المطلب؟