كتب طارق ترشيشي في “الجمهورية”:
التوقعات التي سادت في الآونة الاخيرة حول إمكان ولادة الحكومة تحت وطأة تفاقم الانهيار الاقتصادي والمالي والمعيشي، وتسارع التطورات الاقليمية والدولية، تكاد ان تتبدّد بفعل استمرار الخلاف بين المعنيين بهذا الاستحقاق الحكومي، وتحديداً بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و»التيار الوطني الحر» من جهة، والرئيس المكلّف تأليف الحكومة سعد الحريري من جهة ثانية.
سيناريوهات متعدّدة حول مستقبل الاستحقاق الحكومي تغزو مختلف الاوساط السياسية هذه الأيام، وتبدأ من احتمال ولادة الحكومة في وقت لاحق من هذا الشهر، وتنتهي بتأخّر إنجاز هذا الاستحقاق الى منتصف الصيف، إن لم يكن الخريف المقبل، بحيث يطير معه استحقاق الانتخابات الفرعية، وتكون البلاد قد اصبحت على مدى اشهر من استحقاقي الانتخابات النيابية والبلدية في ربيع 2022 (في حال عدم إختراع المعنيين ما يفرض تأجيلهما)، واللذين سيعقبهما في خريف السنة نفسها استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية، التي بدأ البعض يبحث في فتاوى تجيز لرئيس الجمهورية البقاء في سدّة الرئاسة في حال تعذّر اجراء هذه الانتخابات في موعدها الدستوري.
الجديد على جبهة الاستحقاق الحكومي راهناً، هو مبادرة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، التي قَبل بموجبها رئيس الجمهورية أن لا يكون له ولـ»التيار الوطني الحر» الثلث الوزاري المعطّل، بحيث تكون حصتهما 6 وزراء (3+3) يُحتسب من ضمنهم الوزير الارمني، ويختار رئيس الجمهورية في الوقت نفسه وزير الداخلية من لائحة اسماء يُتفق عليها بينه وبين الرئيس المكلّف، ويُقال انّ هذه المبادرة تنتظر جواب الحريري العائد من ابو ظبي، حيث اجرى محادثات قيل انّها كانت مهمّة مع المسؤولين الإماراتيين، ثمّ مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي صادفت زيارته لدولة الامارات العربية المتحدة اثناء وجوده هناك.
ما بدا حتى الآن من بعض المحيطين بالرئيس المكلّف لا يدلّ الى انّه سيقبل هذا «العرض الرئاسي»، اذا جاز التعبير. فما يرشح من هؤلاء، انّ الحريري يعتبر انّ في مطاوي هذا العرض «ثلثاً معطّلاً مستتراً» يتكوّن من وزير الداخلية الذي سيسمّيه عون من اللائحة المشتركة بينه وبين الحريري، ويكون مثابة «الوزير الملك» تكراراً لتجربة سابقة عند توزير الدكتور عدنان السيد حسين في حكومة الحريري خلال عهد الرئيس السابق ميشال سليمان. إلاّ أنّ المحيطين بالحريري ما زالوا يتركون الباب مفتوحاً «نصف فتحة» امام خيار التفاهم، من خلال قولهم انّ الحريري لم يتلقَ بعد ما احتوته مبادرة اللواء ابراهيم من «تنازل رئاسي»، وعندما يتلقّاه سيبني على الشيء مقتضاه. كما انّ هؤلاء واستناداً الى ما قيل من أنّ تكتل «لبنان القوي» يقبل بطرح عون الجديد، أن لا يكون له ثلث معطل، وأنّه، أي التيار، لا يمنح الحكومة الثقة في الوقت نفسه. ففي هذه الحال لن يقبل الحريري ان تكون حصّة الرئيس 6 وزراء، وطالما انّ التيار لن يعطي الحكومة الثقة، لا ينبغي تمثيله في الحكومة، وعندئذٍ تكون حصّة الرئيس ثلاثة وزراء فقط، اسوة بتجارب سابقة، حيث كانت حصص رئيس الجمهورية في كل الحكومات ثلاثة وزراء فقط.
لذلك، ثمة توقعات بانعقاد لقاء في اي وقت بين عون والحريري، اللّهم الاّ اذا استعجل الأخير متابعة زياراته الخارجية، والتي يتصدّرها زيارة لمصر وأخرى الى الكويت وربما موسكو وعواصم عربية وغربية أُخرى، ما سيدلّ الى انّ أوان تأليف الحكومة لم يحن بعد.
على أنّ النزاع الدائر بين عون و»التيار الوطني الحر» من جهة، والحريري وحلفائه من جهة اخرى، يُحرج أفرقاء آخرين حلفاء لهما أو غير حلفاء. ومن الأطراف المُحرجة «الثنائي الشيعي»، الذي أيّد ولا يزال يؤيّد الحريري في ترؤس الحكومة، ويحضّه على الاستعجال في تأليفها، انطلاقاً من ضرورة ان يكون للبلاد حكومة تتصدّى للأزمات المتفاقمة على كل المستويات، والتي بلغت في رأي احد الأقطاب السياسيين مرحلة خطيرة جداً، تُحرج «الثنائي الشيعي» قبل غيره، وتظهره أمام الرأي العام كأنّه شريك في تعطيل التأليف الحكومي الى جانب الأفرقاء المعنيين، وهو الأمر الذي يحرص دوماً على تبرئة ساحته منه. لكن هذا الثنائي، وتحديداً «حزب الله»، يشعر بحراجة كبيرة نتيجة «التطرّف» الذي تتسمّ به مواقف الوزير جبران باسيل بما يمثّل، الى درجة انّ «الحزب» بمقدار حرصه على استمرار التفاهم مع «التيار» فإنّه في الوقت نفسه لا يجاريه بما يتخذه من مواقف تعوق تأليف الحكومة، وأنّ الحزب إذا خطر له الخروج من «تفاهم مار مخايل» فإنّ تقديره هو أنّه سيكون لهذا الخروج مضاعفات أخطر من تلك التي أثارها ويثيرها حتى الآن تأخير الولادة الحكومية، ولذلك هو يشعر بحرج كبير على باسيل ان يأخذه في الاعتبار.
والى ذلك، هناك ما بدأ يثير الريبة ازاء مستقبل الاستحقاق الحكومي من زاوية انّ بعض الاوساط السياسية المعنية بالاستحقاق مباشرة او مداورةً، بدأت تتحدث عن الخيارات التي يمكن اللجوء اليها في حال وصول الحريري الى خيار الاعتذار عن التأليف، إذا تعذّر عليه التوصل الى اتفاق مع عون وباسيل، او مع رئيس الجمهورية على الاقل، وكذلك في حال لم تتوافر له المعطيات الاقليمية والدولية المشجعة، التي يقول البعض إنّه ينتظرها، علماً أنّه كان قال اخيراً عبر مكتبه الاعلامي انّه لا ينتظر مثل هذه المعطيات وانما غيره هو من ينتظرها، وأنّ العرقلة هي في الداخل وليست في الخارج. ويذهب بعض الأوساط الى الحديث عن انّ المخرج في حال اعتذار الحريري يمكن ان يكون الذهاب الى تأليف «حكومة انتقالية «لا يتمّ الاختلاف على من يُختار لرئاستها، لأنّ الافرقاء يعتبرون انّ مثل هذه الحكومة ستكون مهمّتها بالدرجة الاولى اجراء الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وتمهيد الطريق امام الحكومة التي ستنجم عنها، لتحقيق الاصلاحات الاقتصادية والمالية والادارية التي يطالب بها الشعب اللبناني والمبادرة الفرنسية والمجتمع الدولي عموماً.
غير انّ قطباً سياسياً بارزاً مطلعاً على اجواء الاستحقاق الحكومي، يجزم بأنّ الحريري لن يكون في وارد الاعتذار، لكثير من الاعتبارات والاسباب لديه وفي الواقع، وانّ الامل يبقى معقوداً على وجوب ان ينزل المختلفون على التأليف عن الشجرة التي صعدوا او أُصعدوا اليها، فيتبادلون التنازلات لتأليف حكومة تبدأ على الاقل بتفريج الأزمة، عبر الشروع في تنفيذ الإصلاحات التي كان الحريري قال انّها تحتاج الى 6 اشهر لإنجازها، ولكن بغض النظر عمّا اذا كانت هذه المدة كافية أم لا، فإنّ الحكومة الموعودة، إذا قدّر لها أن تولد، فإنّها ستعيش حتى نهاية ولاية رئيس الجمهورية وليس لستة اشهر فقط.