كتبت جريدة الأخبار:
تأليف الحكومة لا يزال في المجهول. حتى تحذير فرنسا من خطر انهيار لبنان، إذا لم تسارع القوى السياسية إلى التصدّي للكارثة قبل فوات الأوان، لم يصل إلى مسامع المعنيين. إلى ذلك الحين، يتم العمل «على القطعة». مجلس النواب ينعقد اليوم لإقرار قرض البنك الدولي المخصص لبرنامج دعم الأسر الأكثر فقراً. واللجان المشتركة تنعقد الثلاثاء لبتّ اقتراح إعطاء كهرباء لبنان سلفة بقيمة 1500 مليار ليرة، بعدما حُسم أمر عدم عرض الاقتراح على جلسة اليوم، تماماً كما يُتوقع أن ينال اقتراح زيادة رواتب العسكريين المصير نفسه.
لم يضع الرئيس نبيه بري اقتراح القانون المعجّل والمكرّر الرامي إلى إعطاء سلفة لمؤسسة كهرباء لبنان لعام 2021 على جدول أعمال الجلسة التشريعية اليوم، الذي يقتصر على ثلاثة بنود: تعديل القانون الرقم 6 تاريخ 3/11/2014 المتعلّق بإبرام اتفاقية قرض مع البنك الدولي لدعم الابتكار في مشاريع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، طلب الموافقة على إبرام اتفاقية قرض بين لبنان والبنك الدولي لتنفيذ المشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الاجتماعي (دعم الأسر الأكثر فقراً)، واقتراح القانون الرامي إلى الإجازة للحكومة تعديل سقوف القروض الإسكانية.
وصار واضحاً أنه لن يعرض اقتراح الكهرباء على المجلس من خارج جدول الأعمال، حتى للتصويت على صفة العجلة. رأساً أسقَط عنه هذه الصفة، وحوّله إلى اللجان المشتركة محدّداً الثلاثاء المقبل موعداً لجلستها. وهذا يعني أنه مع توقّع إقرار الاقتراح في اللجان، فإنه سينتظر تحديد موعد جلسة تشريعية جديدة، لا يُعرف متى تنعقد. لكن قبل ذلك، ستكون الجلسة التي دعي إليها مصرف لبنان حاسمة لناحية تحديد قيمة السلفة. هل يسير المجلس بالاقتراح كما هو، فيُخصّص 1500 مليار ليرة لتغطية عجز الكهرباء، أم يتم خفض الرقم، بحيث يكون الاعتماد مخصصاً لتغطية ثلاثة أشهر على سبيل المثال؟ ذلك سيدخل الجلسة في إشكالات سياسية، مرتبطة أصلاً برغبة بعض الأطراف بالضغط على العونيين من بوابة الكهرباء. لكن مصادر في القطاع تعتبر أن مسألة الكهرباء لا تحتمل الدخول في بازار سياسي، وخاصة أن إدارة المناقصات سبق أن أطلقت مناقصة لتأمين الفيول لزوم مؤسسة كهرباء لبنان حتى نهاية العام، وعدم وجود اعتماد يمكن أن يعرّض المناقصة للإبطال، إلا إذا عدّل دفتر الشروط ليشمل أي فترة يحددها القانون.
في سياق سعيه إلى الدفع باتجاه إقرار السلفة، زار وزير الطاقة ريمون غجر رئيس الجمهورية ميشال عون، مشدداً على أن لبنان قد يذهب إلى العتمة الشاملة في نهاية الشهر الجاري في حال عدم منح مؤسسة كهرباء لبنان مساهمة مالية لشراء الفيول. وقال إن «لذلك عواقب كارثية على مختلف القطاعات، ولا سيما القطاع الصحي والاستشفائي، في ظل الظروف الوبائية الحالية الناتجة من جائحة كورونا، وأهمية تأمين الكهرباء بشكل دائم للمحافظة على جودة اللقاحات، إضافة الى تأثير العتمة الشاملة على الأمن الغذائي والسلامة العامة كما على قطاع الاتصالات والإنترنت».
وسأل غجر: «كم ستصبح قيمة الفاتورة التي سيدفعها المواطن للمولّدات إذا أطفئت المعامل؟»، مشيراً إلى أنها قد تصل إلى الضعف وربما أكثر. إذ إن كل كيلوواط ساعة لا تنتجه مؤسسة كهرباء لبنان ندفع قيمته للمولد بسبب استعمال الديزل والمازوت، بقيمة 30% زيادة. وهذه المشكلة لا تقع فقط على عاتق المواطن، بل أيضاً على مصرف لبنان الذي سيضطر إلى تصدير دولار أكثر إلى الخارج ليتمكن من دفع بدل المازوت. وبذلك نحن ندفع زيادة من الأموال الـ fresh dollars للخارج لتأمين بدل المازوت، ويتحمل المواطن بذلك فاتورة أكبر بمقابل خدمة سيئة».
وإذا كان اقتراح سلفة الكهرباء لن يجد طريقه إلى جلسة اليوم، فإن مصادر مطّلعة تؤكّد أن الاقتراح المعجل المكرّر الذي قدّمه النائب علي حسن خليل، أول من أمس، ويطلب فيه إعطاء زيادة مؤقتة على رواتب الأجهزة الأمنية والعسكرية دوناً عن الموظفين المدنيين، بقيمة مليون ليرة، لن يكون بعيداً عن المصير نفسه. فردود الفعل المعترضة فاقت توقّعات واضعه، كما لم تنفع معه التبريرات التي قدّمها، والتي أشار فيها إلى أن «الحديث عن وضع القطاع العام والإداريين صحيح، لكن الاقتراح يشمل هذه الكتلة البشرية الكبيرة من جيش وقوى أمنية التي لا تعطل في كورونا وتتنقل بين المناطق على كافة الأراضي اللبنانية وتؤمن أكلها وشربها في هذه الظروف، وهذا الموضوع ليس جديداً في لبنان، بل حصل في ثمانينيات القرن الماضي حيث تم إعطاء مساعدة للجيش لحين ترتيب موضوع الليرة».
وبحسب ما تردد، وبعدما تبيّن أن مجرد طرح الاقتراح في الجلسة ستكون له تداعيات كبيرة، توقّعت مصادر مطّلعة أن لا يعرضه الرئيس نبيه بري من خارج جدول الأعمال. لكن لأن لا شيء رسمياً بانتظار انعقاد الجلسة، فإن موظفي الإدارة العامة حافظوا على موعد الإضراب التحذيري اليوم، على أن يتقرر في ضوء الجلسة ما إذا كانوا سيستمرون بالإضراب المفتوح المقرر الاثنين.
وفي سياق مطلبي آخر، وجّه حراك المتعاقدين رسالة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، متمنياً عليه «وضع اقتراح قانون احتساب كامل ساعات العقد على جدول أعمال اللجنة التشريعية، وذلك لاحتساب كامل ساعات الإضرابات التي تقوم بها الروابط، وأخيراً وزارة التربية وساعات الإضراب الذي نفّذه المتعاقدون احتجاجاً على قرار وزارة التربية تقليص ساعات كانون الثاني».
كل ذلك يؤشر إلى أن سياسة الترقيع لم تعد تجدي في مواجهة كل الأزمات التي تواجه البلد، لكن ذلك لم يستدع أي ردة فعل من القوى السياسية، الغارقة في السعي إلى تأمين مصالحها، بدلاً من الاستنفار لبدء عملية إنقاذية لم تعد نتائجها مضمونة. ولولا بعض المساعي المتفرقة، ومنها ما أشارت إليه قناة «الجديد» عن «لقاء عقد الثلاثاء الماضي بين رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وعلي حسن خليل، موفداً من الرئيس نبيه بري فور عودته من الإمارات استمر ساعة ونصف ساعة تمهيداً لبدء الحوار الذي سيقوده بري من أجل تأليف الحكومة»، لأمكن القول إن ملفّ التأليف ليس على جدول أعمال أي من القوى السياسية.
وعلمت «الأخبار» أن مسعى برّي يتركّز على فكرة تأليف حكومة من 20 وزيراً، لا يحظى فيها أي فريق بالثلث زائداً واحداً، على أن يتم اختيار الوزير الدرزي الثاني بالتوافق بين النائب السابق وليد جنبلاط والنائب طلال أرسلان (وهو ما بات الأول منفتحاً عليه)، وأن تكون حقيبة الداخلية من حصة الحريري، و«العدل» من حصة رئيس الجمهورية.
الإبطاء في تأليف الحكومة استفزّ وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، الذي اتّهم السياسيين اللبنانيين «بعدم تقديم المساعدة» لبلدهم الذي يواجه مخاطر «الانهيار» في وقت يعاني فيه لبنان أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة.
لو دريان، الذي فشل رئيسه إيمانويل ماكرون في إقناع القوى السياسية اللبنانية بتأليف «حكومة مهمة» سبق أن حدّد برنامجها الوزاري، قال: «قد أميل إلى القول بأن المسؤولين السياسيين اللبنانيين لا يساعدون بلداً يواجه مخاطر، جميعهم أياً كانوا»، مستنكراً تقاعس القوى السياسية عن التصدي لخطر «انهيار» البلاد.
وقال إن «الأمر يعود الى السلطات اللبنانية للإمساك بمصير البلاد، علماً بأن المجموعة الدولية تُراقب بقلق الوضع المتدهور». وحذّر لو دريان من أنه «إذا انهار لبنان، فستكون كارثة على اللبنانيين وعلى اللاجئين الفلسطينيين والسوريين والمنطقة بأسرها». أضاف: «لا يزال هناك وقت للتحرّك لأنه في الغد سيكون قد فات الأوان».