كتب بسام ضو في “الجمهورية”:
القلق، الهواجس، الهجرة، البطالة، الفراغ السياسي، الفراغ الأمني، الفراغ الإقتصادي، الفراغ الإجتماعي، كلّها أمور وغيرها، دفعتنا إلى التوّجه نحو الصرح البطريركي الماروني في إعتباره، وفق وجهة نظرنا غير المُلزمة لأحد، آخر معقل للحرية في لبنان، بعد حالات الفراغ المستجدّة على كافة الصعُد. توّجهنا كباحثين ومناضلين نحو الصرح، أتى بعد طول معاناة مع الجماعة السياسية عندنا، آملين ربط قضايانا المصيرية المعقّدة بعضها ببعض بنحو مُبسّط، لإيجاد بعض الحلول لها، من خلال هذا الصرح الذي أُعطيَ له مجد لبنان.
غالبية الرأي العام حاليًا مضلّلة بفعل شعارات تُطلق من هنا وهُناك، ومجمل العّامة لا يقرأون ما يحصل بطريقة علميّة، بل للأسف يتأثرون مباشرة بما يُدلي به زعيمهم الذي يتعمّد تضليلهم لكي يبقى مسيطرًا عليهم غُبّ الطلب. والمؤسف، أنّ كل نشرات الأخبار في لبنان ترتكب أخطاء جمّة في حق الإعلام الصادق والشعب، وبالتالي تتحجّر في أذهان الناس الأفكار التي يطلقها كل زعيم، وهي شعارات لا تمُّت إلى الواقع بصلة. وإكتشفنا كباحثين وناشطين سياسيّن، أنّ الرأي العام اللبناني المقيم والمغترب، لا يرى حقيقة الأوضاع على ما هي عليه والتي يتخبّطون فيها، وعمليًا ينجّرون إلى تأييد أكثر السياسات إضرارًا بمصالحهم وهم لا يدرون ولا يشعرون.
لتلك الأسباب، لاحظنا كفريق عمل، أنّ الأمور ليست على ما يُرام، والوضع سائر في إتجاه التأزُّمْ، وقد تردّدنا كثيرًا قبل الإقدام على خطوة التواصل في ما بيننا، يقينًا منّا أننا سنُلاحق بعدد من التُهم الباطلة… وربمّا كان للغالبيّة منّا الفضل الكبير في دفعنا إلى إتخاذ القرار بالتوّجه نحو الصرح البطريركي، للتشاور حول رؤية وطنيّة، تهدف إلى التطّرق إلى أزمتنا الحالية المتأتية من فشل السياسيين الحاليين، وطرق معالجة هذه المعضلة.
الترّدُدْ في السنوات الماضية سببه جوهري كان نتيجة أنّ غالبية السياسيين لم يكونوا مستعدّين لسماع صوت الحق ولإنتقاد الأداء وللتنبيه… إذ في نظرهم، انّ أداءهم هو الأداء السليم الذي لا يشوبه أي نقض… ولن أخفي سِرًا أننا تعرّضنا، كلّما حاولنا إثارة أي أمر خارج عن الأطر السياسية الدستورية، لكثير من المضايقات، لأنّ الجو السياسي السابق والحالي معاديان لأي إنتقاد ولأي تعرُّض، بل لأي إشارة أو تنبيه على الفوضى السياسية القائمة.
تغيَّر الوضع بعض الشيء حاليًا، ولقد إنفجرت الأزمات منها السياسية ـ الأمنية ـ الإقتصادية ـ المالية ـ المعيشية ـ الإجتماعية، أمام عيون الجميع، ولم يعُد ممكنًا كمّْ الأفواه، وتشعّبتْ الأحداث وأخذ القلق يعود إلينا، حتى وإنْ إستمّر من في يدهم السلطة في إشاعة أجواء إيجابية كاذبة لكسب الوقت، وبالتالي تطبيق سياساتهم التدميرية المنتهجة منذ سنين.
إنّ الأفق مسدود أمامنا جرّاء تلك السياسات التي تُناقض الدستور وخصوصًا مقدّمته، علمًا أنّ الحالة العامة، سواء أكانت سياسية أو إجتماعية، أو إقتصادية مالية، كلُّها مرهونة لحزب يحمل السلاح خلافًا لوثيقة الوفاق الوطني ولقانون الدفاع الوطني المُقرّ بالمرسوم الإشتراعي الرقم 102 الصادر في 16 أيلول 1983 وتعديلاته، حيث تنصّ المادة الأولى منه على: «الدفاع الوطني يهدف إلى تعزيز قدرات الدولة وإنماء طاقاتها لمقاومة أي إعتداء على أرض الوطن وأي عدوان يوجّه ضدّه، وإلى ضمان سيادة الدولة وسلامة المواطنين. يمكن إستخدام القوى المُسلّحة في الحقول الإنمائية والإجتماعية شرط ألاّ يعوق ذلك مهامها الأساسيّة. يقرّر هذا الإستخدام بموجب مرسوم بناء على إقتراح وزير الدفاع الوطني والوزير المختص. يُقصد بالقوى المسلّحة: الجيش قوى الأمن الداخلي، الأمن العام وسائر العاملين في الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات الذين يحملون السلاح بحكم وظيفتهم».
إنّ الأفق مسدود في لبنان حاليًا من جرّاء تلك السياسات المرتهنة للخارج، والسيادة معدومة من جرّاء الإنتقاص منها على كافة المستويات.
وإزاء ما أسلفت، لا بُدّ من التفكير في بديل ما، والتفكير السليم يقتضي عدم الإتيان بحلول بسيطة على هيئة شعارات فارغة، من نوع حلول يطرحها بعض الخارجين عن القانون والمستفيدين من إستحقاقات معينة، ليبيعوا موقفًا ويحجزوا دورًا على حساب الدولة ومؤسساتها الشرعية المدنية والعسكرية. بل وفق وجهة نظري كباحث ومناضل، هو العودة إلى قواعد العلم السياسي والدستور والقوانين الدولية والقوانين اللبنانية المرعية الإجراء، وأيضًا قواعد الرُشد السياسي والمنطق الفكري والواقعية والموضوعية في التفكير والتخطيط، وليس لواقعية سياسية مفروضة علينا بقوة الإحتيال على الديموقراطية، وتكريس الجور والظلم اللذين تعاني منهما كل فئات الشعب اللبناني، والتي هي فعليًا تكريس سلطة التوتاليتارية والغوغائية على كل مقدّرات البلاد، والتحكُّم بمستقبلها دونما إحترام الحدّ الأدنى من قواعد الديموقراطية والعدالة والمشورة وحقوق الإنسان. وهنا كان لا بُدّ لنا من التفكير مليًا لما وصلنا إليه من خطورة، وبكوننا مناضلين شرفاء، وبكون لنا نظرة إلى واقع لبنان الحالي ومصيره داخليًا ـ عربيًا ـ دوليًا، فإنّ من واجبنا الوطني والخُلُقي والديني، وهو واجب الأمانة الذي يقتضي من أي باحث أو مناضل أو ناشط في الشؤون السياسية ـ الأمنية ـ الإقتصادية ـ الإجتماعية، أن يتجّه نحو صرحٍ أُعطيَ له مجد لبنان عن جدارة. نحن كمثقفين وباحثين ومناضلين لا ننتمي فعليًا إلى أحزاب تنتقص من كرامة الوطن وسيادته، وتأتمر بخارج وتنفّذ أجندته على ما هو حاصل اليوم خلافًا لقانون إنشاء وإدارة الجمعيات الخاضعة لقانون 1909 والتعديلات التي صدرت بموجب آخر تعميم يحمل الرقم 10/إم/2006، الصادر في 19/5/2006، لتلك الأسباب مجتمعة توّجهنا نحو الصرح، وكثّفنا لقاءاتنا من أجل الخروج بمشروع إنقاذي يُعيد للدولة المسلوبة الإرادة هيبتها وحضورها الوطني اللبناني ـ المشرقي ـ الدولي.
شعورنا أننا بتنا خارج الإطار الفكري الذي يُخصِّب الزمان والمكان، وشعورنا أننا مُستعبدون وأمام إستغلال الحُكّام للظاهرة الطائفية المذهبية في لعبة حكم، وفي فرض أساليب سلطوية لا تليق إطلاقًا بمبادئ الحرية المسؤولة، فإنّ هذه الأمور تزيدنا إقتناعاً بأنّه يتوّجب علينا أن نرفع الصوت في وجه كل حاكم يستغّل الدولة بمؤسساتها وماليتها وأرضها وشعبها، ويُجنّدها لإرهابه الفكري ونشر جوّ التزمّتْ الفكري الذي يؤدي حتمًا إلى تقوقع المجتمع على نفسه وجموده الحضاري والثقافي والفكري وتخلّفه… وعلى الجانب الآخر، نحن كمناضلين شرفاء ومؤتمنين على رسالتنا الوطنية الحضارية، لن نتحمّل ولن نسمح لأن يأتي طرف يحكم خلافًا للنظام الديموقراطي، ليمنع ويهدِّدْ طرفًا دينيًا إئتُمن على مجد لبنان، من التعبير عن موقف سياسي معيّن، وعن الحاجة إلى حياة حرّة طالما لا تتعدّى منظومته السياسية المطروحة حرية أي لبناني، ولا تخُّل بالإستقرار الذي يحتاج إليه لبنان. وأستشهد هنا بما قاله سماحة الإمام محمد مهدي شمس الدين: «لبنان وطن نهائي لجميع بنيه ليس فقط إستجابة للمسيحيين، بل ضرورة للعالم العربي والعالم الإسلامي. وطننا لبنان ما فهمته إذًا سوى وطنٍ واحد هو الوطن نفسه الذي يستحقه المتحاورون حول مصيره بصفاء العقل وبراءة الذات. وأما الشيعة فعليهم، وهم ليسوا أقلية في الإسلام، أن يندمجوا في أقوامهم وفي مجتمعاتهم وأوطانهم، أي أن يتقدّم إنتسابهم الوطني بحق على الإنتساب إلى ما يتجاوز الأوطان، أو ما يتوقف عند حدود دونها…». ويضيف سماحته: «حذارِ إبدال الحوار العقلاني الحرّ الهادي بصراخ المطالبات التي تمزِّق ولا توّحد، تخلِف ولا توّفِقْ، ثم حذارِ خصوصًا أن يستنجد واحدنا بغريب على قريب».
إستعرضت كل هذه المعطيات الموضوعية لأوضِحْ بإسمي وبإسم رفاقي المناضلين الشرفاء، موقفنا السياسي الداعي في إستمرار إلى حرية هذا الوطن وسيادته، ولعدم التدخّل في شؤونه الداخلية، وإلى مزيد من الإجتهادات الفكرية المرتكزة على قواعد العلم السياسي، والداعمة لمواقف صاحب الغبطة. فلا شك عندنا، أنّ المجتمع الحرّ الذي تُنادي لأجله بكركي ونحنْ، يتفوّق على المجتمع الممزق والمنحني والمرتهن. وفق وجهة نظرنا، خطاب سيّد الصرح في لقاء 27 شباط يتعلّق بضرورة تمثيل الوطن في مجموعة سياسية عملاقة، مؤتمنة على الدولة ومؤسساتها وشعبها، وتحافظ على سيادتها التّامة والناجزة، برنامجها يرتكز على النقاط الآتية:
1- تعزيز تحالف الدولة اللبنانية مع المجتمعين الشرقي والغربي، أي التواصل عمليًا مع الدول العربية والأمم المتحدة.
2- دعم المناضلين الشرفاء، بما يوفِّرْ لهم المشاركة في ممارسة السلطة على قاعدة ما جاء في مقدمة الدستور الفقرة /د/.
3- بناء دولة قانون ومؤسسات، حيث ممارسة السلطة مقيّدة بأحكام القانون.
4- حماية الحقوق والحرّيات العامة والخاصة التي كفلها الدستور.
5- تعزيز إستقلالية القضاء ضمانًا للحرّيات العامة وصونًا للعدالة.
6- تعزيز مؤسسات الرقابة وتفعيلها وتحصينها.
7- إلتزام نصوص وثيقة الوفاق الوطني وتعديل ما يلزم تعديله.
8- الحرص على الشفافية في ممارسة العمل السياسي.
9- عدم الدخول في سياسة المحاور، أي إعتماد مبدأ سياسة «النأي بالنفس» ومنع التدخّلات الخارجية في شؤون لبنان.
إنّ لبنان في حاجة إلى راعٍ حكيم، لأنّ إنقاذ لبنان أولوية، وإنّ التوافق والمواءمة السياسية مطلوبان لإنجاح مبادرة سيّد الصرح. ونتمنى من جميع الأطراف تنحية الخلافات ومنطق المحاصصة الضيّق جانبًا وإعلاء مصلحة لبنان العليا.