ارتفع منسوب الحضور الروسي على الساحة الاقليمية في الآونة الاخيرة، مستفيدة من ضبابية السياسة الاميركية الخارجية حتى الساعة، في اعقاب استلام الادارة الجديدة برئاسة الديموقراطي جو بايدن الحكم منذ اسابيع قليلة. موسكو تتحرك على اكثر من صعيد، وتحمل في جعبتها اكثر من ملف، من التسوية السورية التي تسعى الى ان تبصر النور سريعا، وصولا الى ازمات ليبيا واليمن والوضع في الخليج واستقراره الامني الذي تحرص عليه بقوة، مرورا بالاتفاق النووي الايراني الذي ترى ان لا بد من احيائه.
غير ان مصادر دبلوماسية تشير لـ”المركزية”، الى ان ما يمكن استخلاصه من مواقف موسكو ومساعيها كلّها، هو ان لها اولوياتها الاقتصادية والتجارية وحساباتها الاستراتيجية في المنطقة، طبعا، الا ان هذه المصالح تتطلب تطويق نفوذ ايران، حليفتها المفترضة في منصة استانة للحل السوري، وهو الامر الذي تتقاطع فيه مع واشنطن، التي وإن اعتمدت سياسة مرنة مع الجمهورية الاسلامية، الا انها لا تزال ترى ان التصدي لتمدّدها العسكري والسياسي في الدول العربية، لا بد منه.
وفي موازاة هذا الموقف الروسي اللافت، يطبع تنسيقٌ وتعاونٌ العلاقات الروسية – الاسرائيلية. فموسكو تغض النظر منذ سنوات عن الغارات التي يشنها الطيران الحربي الاسرائيلي على نقاط تابعة لايران وحلفائها، في سوريا، وقد تسببت حتى الان بسقوط عشرات الجرحى والقتلى، من بينهم قيادات بارزة في الحرس الثوري الايراني وحزب الله. الى ذلك، يحرص الكرملين دائما على اراحة اسرائيل، ويتدخّل لحلحلة اي قضية عالقة بينها وبين النظام السوري مثلا. فمنذ اسابيع قليلة، رعى الروس عملية تبادل معتقلين بين دمشق وتل ابيب. وقبل هذه العملية، كانت موسكو توسطت في نيسان 2019، لإبرام صفقة تبادل أسرى، جرى بموجبها تسليم جثمان الجندي الإسرائيلي، زخاريا باومل، الذي فُقد في معركة “السلطان يعقوب” عام 1982 إبان الغزو الإسرائيلي للبنان، مقابل الإفراج عن أسرى سوريين.
اما اليوم، وفي وقت تبذل الحكومة الإسرائيلية “جهودا” لاستعادة رفات الجاسوس الأسطوري الإسرائيلي إيلي كوهين، الذي قتل في سوريا شنقا قبل 55 عاما، وفق ما أكده رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو في مقابلة مع قناة “آي 24 نيوز” الدولية التي تبث من تل أبيب، تلفت المصادر الى ان روسيا، تجهد ايضا على هذا الخط، لتأمين وصول اسرائيل الى مبتغاها.
وبعد، تذكّر المصادر برفض موسكو حصول ايران على اي موطئ قدم لها في طرطوس او على شواطئ المتوسط، يمكن ان يهدد المصالح الروسية، وتذكّر ايضا باصرارها على ان يفكّ بشار الاسد تحالفه مع ايران ويخرجها من ارضه، كشرط للتسوية السياسية الشاملة في البلاد.
تسرد المصادر كل هذه المحطات، لتشير الى ان في ظل هذه الاجواء كلّها، يزور وفد من “حزب الله” برئاسة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد العاصمة الروسية موسكو الاثنين للقاء المسؤولين والتشاور في الوضعين الحكومي والاقليمي. وتسأل “هل يمكن ان تكون هذه الزيارة معزولة عن مناخات الضغط الروسي على ايران في المنطقة”؟ وتجيب “الامر مستبعد وغير منطقي، وعلى الارجح، سيطلب الروس من ضيوفهم، وضع مصالحهم الخاصة الايرانية الهوى طبعا، جانبا، وفعل ما يجب فعله لتسهيل تشكيل حكومة تتلاقى والشروط والمعايير الدولية كي تلاقيها الدول المانحة في منتصف الطريق”. واذ ترفض اللعب على وتر “الفوقية” الروسية وتساهل “ايران” مع هذا السلوك، تقول المصادر “هل سيتجاوب الحزب مع المطلب الروسي، أم سيصرّ على ابقاء الحكومة ورقة في يد طهران الى ان تدق ساعة مفاوضاتها مع واشنطن”؟