كتبت ليا القزي في جريدة الأخبار:
تعود اتفاقيّة قرض البنك الدولي المُخصّص لمساعدة الأسر الأكثر حاجة إلى مجلس النواب بعد وضع «مُلحقٍ» على النصّ الأساسي، يتضمن ملاحظات النواب. أوصلت النقاشات إلى خفض ملايين الدولارات من التكاليف، ما رفع عدد العائلات المُستفيدة. ولكن الجوهر لم يُمسّ، وتحديداً لجهة الصلاحيات الواسعة لـ«المجتمع الدولي» وتهميش دور إدارات الدولة وجمع بيانات اللبنانيين الخاصة.
15 مليون دولار أميركي هي قيمة «الوِفر» الذي تحقّق بعد ملاحظات النوّاب على قرض الـ 246 مليون دولار المعروف بـ«دعم شبكة الأمان الاجتماعي للاستجابة لجائحة كوفيد – 19 والأزمة الاقتصادية». الملاحظات التي قدّمها عددٌ من النواب لم تنحصر بالمصاريف التشغيلية لقرض البنك الدولي، بل تناولت انتقاد «الاجتياح الناعم» لمنظمات دولية عبر تخطّي الإدارات العامة ودورها التنفيذي والرقابي، وحصر إدارة القرض بكلّ تفاصيله، ضمنها التواصل مع العائلات وجمع معلوماتها الخاصة، ببرنامج الأغذية العالمي. إلا أنّ الملحق النهائي بالاتفاقية أبقى على تسيّد برنامج الأغذية للمشروع، مع خفض التكاليف بصورة سمحت بزيادة 14 ألفاً و250 أسرة للاستفادة من المساعدات.
في جلسة مجلس النوّاب اليوم، سيُناقش المُلحق المُتصل باتفاقية القرض، بعدما جرت «الموافقة مبدئياً» على القرض في اجتماع اللجان النيابية المُشتركة يوم 23 شباط الماضي. ليس من المُنتظر أن تشهد الاتفاقية ــــ أو المُلحق ــــ أي تعديل، «لأنّ القانون يمنع تعديل اتفاقيات القروض في مجلس النواب»، يقول أحد نواب كتلة «الجمهورية القوية»، مُنتقداً نقاطاً عدّة في نصّ الاتفاقية «وأهمها دفع المساعدات بالليرة، وغياب قاعدة بيانات موحدة، وكيفية وصول المبلغ إلى الناس». ويُشير أيضاً إلى أنّه «حتى لو تعهدت حكومة تصريف الأعمال الالتزام بتطبيق التعديلات، كيف نضمن ألا تتراجع الحكومة الجديدة عنها؟». وفي الإطار نفسه، لن تُعطي كتلة «الوفاء للمقاومة» موافقتها اليوم ما لم تُدرج التعديلات بمتن الاتفاقية الأصلية.
الردّ يأتي من المُلحق المُرسل من الأمين العام لمجلس الوزراء، القاضي محمود مكّية إلى مجلس النواب في 8 الشهر الجاري، وفيه أنّ وزارة المالية ستتولّى مخاطبة البنك الدولي «بالتوضيحات اللازمة لأصل مُقترح المشروع. دور المجلس النيابي مراقبة تنفيذ الحكومة للورقة التي وافقت عليها مع البنك الدولي وبرنامج الأغذية». رُميت المسؤولية على البرلمان الذي سيُشرّع اليوم مخالفة دستورية بإقرار اتفاقية قرض مُرسلة من دون مرسوم صادر بقرار من مجلس الوزراء. وأُلقيت على كاهل مجلس النواب مهمة تأمين مصادر تمويل البطاقة التمويلية للعائلات وتأمين فتح الاعتمادات، في تخلّ جديد من الحكومة عن صلاحياتها.
يُشير المُلحق إلى أنّ النسبة التي سيحصل عليها برنامج الأغذية العالمي لقاء عمله انخفضت إلى 0.5%، أي مليون و199 ألف دولار، بعدما كان قد طالب في المرحلة الأولى بـ 6.5% ثم 1%. المبلغ لن يُدفع من القرض، بل كـ«هبة» من «برنامج صندوق التمويل الخاص بعملية الطوارئ للبنان»، التابع للبنك الدولي. كذلك سيحصل البرنامج على 2.5 مليون دولار «عربوناً» عن عمليات التوزيع وما يرتبط بها. مسؤوليات برنامج الأغذية هي إدارة توزيع البطاقة الإلكترونية للمستفيدين، ومراقبة المعاملات المالية، ورفع التقارير، وتلقّي الشكاوى… أي القائم مقام الدولة. ويطالب بمهلة شهر قبل أن يبدأ توزيع البطاقات، تُخصّص للتوظيف والتخطيط وتحضير 120 مركزاً اجتماعياً جديداً (تدفع الدولة اللبنانية تكاليفها). ولكن إذا تأخّرت الحكومة بتزويد برنامج الأغذية بلوائح المُستفيدين من الدعم، فيُهدّد بتمديد فترة التوزيع وإطالة أمد البرنامج «وبالتالي ترتيب تكاليف إضافية». المُستفيدون من القرض أصبحوا 160 ألف عائلة، تحصل على مساعدة نقدية «لسنة واحدة» لا غير. في المرحلة الأولى، ستُوزّع 40 ألف بطاقة فقط، ثمّ تُضاف 40 ألفاً كلّ شهر على العدد الأساسي، لتصل البطاقات في الشهر الخامس إلى 160 ألف أسرة. سيحصل هؤلاء على مساعدة نقدية غذائية بقيمة 100 ألف ليرة، ومساعدة نقدية غير غذائية بـ 200 ألف ليرة شهرياً. جزء من رسوم التعليم تُدفع مباشرة إلى المدارس، وجزء مباشرة للأسر (ما بين مليون و200 ألف ليرة ومليون و921 ألف ليرة).
«الإنجاز» الثاني الذي يعتبر النواب أنّهم حققوه هو خفض المصاريف التشغيلية إلى 10 ملايين دولار، «مبلغ 21 مليون دولار المُتبقي سيُخصّص للتحويلات النقدية التي تزيد العائلات المستفيدة». أما بالنسبة إلى المصارف، فقد وافقت على خفض عمولتها لقاء طبع البطاقات وفتح الحسابات… من 3 ملايين دولار إلى مليون و700 ألف دولار. عدد الموظفين في تشغيل أنظمة المعلوماتية الخاصة بالمشروع لدى رئاسة مجلس الوزراء ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التربية والتعليم، انخفض أيضاً إلى 11 موظفاً بعدما لامس الـ 20، يوظّفون عن طريق «اعتماد شركة مُتخصصة»، وتُدفع جميع الرواتب بالليرة اللبنانية. إلا أنّ ذلك لا يُلغي إبقاء فتح باب التعاقد مفتوحاً، ولا سيّما بالنسبة إلى فريق العمل المطلوب وجوده في وزارة الشؤون الاجتماعية وعديده 12 شخصاً، والوظائف الإضافية في «وحدة الإدارة المركزية» في السرايا الحكومية. حصلت هذه الوحدة على صلاحيات واسعة، تتخطّى الوزارات المعنية، عبر توكيلها: قيادة التحضيرات لإعداد دليل عمليات المشروع، إدارة قاعدة بيانات والتحقق منها، المحافظة على معادلة قياس مستوى الدخل، إدارة حملات التواصل والتوعية، إدارة مهام المتابعة والتقييم والرصد، إدارة مهام العمليات المتعلقة بالمشتريات والتعاقدات… أما اللجنة التقنية فأُبقيت برئاسة وزير «الشؤون» بعد رفض كُتل نيابية كالقوات اللبنانية والبنك الدولي، أن يترأسها المدير العام لوزارة الشؤون الاجتماعية، القاضي عبد الله أحمد. وقد كان لافتاً أن تُحدّد فيها وظيفة «المُدير العام للمشروع»، وهو الأمر غير المسبوق في هذا النوع من اتفاقيات القروض.
تبقى ثغرة رئيسية لم تُحلّ بعد، وهي عدم امتلاك الدولة لقاعدة بيانات «حقيقية» تُحدّد الأسر المُستحقة للمساعدات. فكيف سيتم تحديد الأسر؟ بحسب المُلحق «سيتم اختيار الذين يملكون أدنى درجات الرفاهية والأفقر في البلد. ومن ثمّ تحديد أولويات الفئات الضعيفة». وسيُفتح التسجيل على قاعدة بيانات جديدة لمدّة شهر «ضمن معايير مُحدّدة من وزارة الشؤون الاجتماعية». الأمر المُثير للريبة في المُلحق، وقد قبلت به الدولة اللبنانية، هو أنّ على العائلات ملء استمارة «يتبيّن فيها رقم الهوية لكلّ فرد، وستكون الأولوية في الاختيار للأسماء التي قدّمت أرقام الهوية». البنك الدولي وبرنامج الأغذية، بغطاء من الدولة، يقولان علناً إنّهما غير مُهتمَّين بالمعايير ولا باستيفاء الشروط أو بدقّة البيانات!