Site icon IMLebanon

هل يصحّ الكلام عن “مبادرة روسية” في لبنان؟!

هذا السؤال يبدو مشروعا ومبررا في ضوء تطورين:

1 ـ «الانكفاء التام» في حركة المبادرة الفرنسية التي لم تحدث أي اختراق أوتقدم في الملف الحكومي، ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى إلغاء زيارته الثالثة الى بيروت وعدم إيفاد أي ممثل عنه، وإلى إجراء مراجعة شاملة للوضع في لبنان وطريقة مقاربته، بما في ذلك تحديد نقاط الضعف والخلل التي أدت الى فشل المبادرة الفرنسية حتى الآن، وفي الخطوة الأولى المتمثلة في«حكومة المهمة والاختصاصيين والإصلاحات».

2 ـ الحركة الديبلوماسية الروسية الناشطة وغير الاعتيادية في اتجاه لبنان، وتمثلت في:

٭ لقاءات في موسكو مع موفدين ومستشارين للرئيس ميشال عون (أمل أبو زيد) وللرئيس سعد الحريري (جورج شعبان) للوقوف على تفاصيل وظروف الأزمة وطبيعة العقبات التي تؤخر تشكيل الحكومة.

٭ اتصالات مع قادة الأحزاب والطوائف مرفقة بدعوات خاصة لزيارة موسكو. وهذه الاتصالات شملت جنبلاط وفرنجية وحزب الله الذي سيقوم وفد منه (محمد رعد- عمار الموسوي) بزيارة إلى موسكو منتصف هذا الشهر، وهذه الزيارة مقررة قبل لقاء الحريري- لاڤروڤ، وجدول أعمالها غير محصور في الملف الحكومي، إنما هناك نافذة مفتوحة لحوار يتعلق بملفات المنطقة، من سورية الى اليمن، وبما ينبئ برسم معالم مرحلة جديدة مقبلة في المنطقة.

٭ لقاء الحريري- لاڤروڤ (وزير الخارجية الروسي) في أبوظبي بحضور بوغدانوف (نائب وزير الخارجية والممثل الخاص للرئيس بوتين)، وقد تمخض عن بيان مهم صيغ بعبارات منتقاة وبدقة ديبلوماسية متناهية. أوساط الحريري أظهرت ارتياحا الى الكلام الروسي الذي تضمن ثلاث إشارات: الأولى عندما تقصد أن يخاطب الحريري برئيس حكومة لبنان وليس بالمكلف، حتى عندما تم لفته لهذا الأمر أصر على هذه التسمية. والثانية دعوته للإسراع بتشكيل حكومة مهمة لا حزبيين فيها، إذ للمرة الأولى يذكر الروس تسمية تكنوقراط بعدما كانت مواقفهم السابقة تؤكد دعم حكومة سياسية، فهم اقتنعوا من الحريري أن حكومة غير حزبية وحدها قادرة أن تحصل على مساعدات وتخاطب المجتمع الدولي. والثالثة أن الحكومة العتيدة يكفي أن تنال دعم غالبية القوى البرلمانية وليس كلها.

لكن هناك من ينقل عن الحريري عدم ارتياحه الى فقرات وردت في البيان الذي صدر عن الخارجية الروسية عقب اللقاء، الأولى الإشارة الى أن الحريري أتى بنتيجة الاستشارات النيابية للكتل البرلمانية في البرلمان اللبناني وتم تكليفه من الرئيس ميشال عون لتشكيل حكومة جديدة، والثانية الدعوة الى تشكيل حكومة تكنوقراطية تدعمها القوى السياسية والطوائف الرئيسية في البلاد، والثالثة تضمين الروس البيان إشارة تفيد بأن اللقاء تناول تكثيف جهود المجتمع الدولي لحل الأزمة السورية وقضية عودة اللاجئين السوريين الى ديارهم.

أوساط ديبلوماسية مهتمة بالتحرك الروسي الناشط لا تتحدث عن مبادرة روسية خاصة بلبنان، وتضع هذا التحرك في إطار عام هذه خطوطه ومرتكزاته:

1 ـ التحرك يأتي على خلفية ارتفاع درجة القلق لدى روسيا على الوضع في لبنان، ومن أن يؤدي غياب التفاهمات الداخلية الى إطالة أمد الفراغ الحكومي، ما يسبب مزيدا من التدهور السياسي والاقتصادي ويوصل البلد الى الانفجار الكبير. والروس قلقون من أن يدفع لبنان «فاتورة مؤلمة» وباهظة الثمن في الفترة الانتقالية للإدارة الأميركية الجديدة غير المهتمة بملفات الشرق الأوسط. فإذا كانت الجبهة الإيرانية محصنة وصعبة الاختراق عمليا، والوضع في سورية تحت المراقبة والضوابط الروسية، فإن الساحة اللبنانية هي التي تشكل «الخاصرة الرخوة» في هذه المرحلة. والخشية الروسية تكمن أيضا في انعكاس الانهيار في لبنان على الوضع السوري الهش اقتصاديا واجتماعيا وغير المستقر أمنيا، وعلى جهود روسيا للملمة هذا الوضع وإطلاق العملية السياسية.

2 ـ تفضل موسكو تبني المبادرة الفرنسية و«التلطي وراءها» بدل الدخول المباشر على خط الأزمة والحلول، فالملف اللبناني لا يشكل أولوية لدى روسيا، واهتمامها به يجري في إطار الملف السوري وكجزء منه أو كامتداد له. وبالتالي، من الصعب رؤية مبادرة روسية خاصة بلبنان أو الرهان على مبادرة روسية منافسة للمبادرة الفرنسية ومتعارضة معها.

3 ـ تدرك موسكو أن مفتاح الحل في لبنان يكمن ضمن الحلول المنتظرة السورية، وعلى قاعدة حفظ التوازنات في لبنان، ومراعاة الأدوار والمصالح الإقليمية المتصلة بالملف السوري، من جهة تحتفظ بصلات تعاون وتنسيق مع طهران، ومن جهة ثانية تفتح خطوطا جديدة مع دول الخليج القلقة من النفوذ الإيراني المتمادي في لبنان وسورية. وبالتالي، فإن لتحرك روسيا باتجاه لبنان «صلة» بما تحضره في سورية، إن لجهة إعادة سورية الى الجامعة العربية مع ما يعنيه ذلك من اعتراف خليجي متجدد بنظام الأسد بدأت بوادره من السعودية والإمارات، أو لجهة تحضير مؤتمر جديد للنازحين السوريين يمكن أن يعقد هذه المرة في بيروت، أو تهيئة الظروف لتأمين «خروج آمن ومشرف» لحزب الله من سورية، وفي مرحلة متقدمة من الحل السياسي.