كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في صحيفة الراي الكويتية:
ماذا وراء قلْب المجتمع الدولي مجدّداً «الساعة الرملية» في معْرض تحذيره من أن الوقت ينْفَد أمام لبنان لمنْع «الاصطدام الكبير»؟
سؤالٌ قبض على المشهد اللبناني وبدا أقوى مؤشراً إلى أن البلاد دخلتْ «بيت الرعب» بكل كوابيسه التي بدأت «تستيقظ» ومعها «صندوقة باندورا» التي أوشكت أن تُفتح من بوابة تَدَحْرُج الليرة في الهاوية السحيقة أمام الدولار الذي سجّل وثْباتٍ قياسية ناهز معها 13 ألف ليرة في السوق الموازية، من دون أن يشي الواقعُ السياسي باقتراب أزمة تشكيل الحكومة من نهاية النفق المُظْلِم الذي تسدّه حتى الساعة من الخلف كتلة التعقيدات الداخلية ومن الأمام الوقائع الإقليمية المحتدمة فوق «الفالق» الإيراني وامتداداته في المنطقة.
وتقاطعتْ أوساطٌ سياسية عند اعتبار «ناقوس الخطر» و«عصا التأنيب» اللذين لجأت إليهما كلّ من باريس ولندن وبلهجة أقلّ حدة واشنطن في الساعات الماضية بمثابة أوضحِ إشارة إلى أن السيئ بات وراء «بلاد الأرز» ليكون الأسوأ الآتي أمامها، ولكن مع صعوبة تقدير هل تحذير المجتمع الدولي من «تَهَوُّر» الطبقة السياسية فيما لبنان يمْضي من تدهْورٍ إلى آخَر هو توطئة لدينامية خارجية لا يُعرف أساساً هل سيكون ممكناً فصْلها عن المناخ المشحون في الطريق إلى تفعيل الاتفاق النووي مع إيران، أم أن الصراخ الدولي هو على طريقة «نفض اليد» و«اشهد أني بلّغت».
ولم يكن عادياً في رأي هذه الأوساط الكلام القاسي لوزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان حول «الانهيار الكارثي» الذي «يَنْفد الوقت» الفاصل عن حصوله مع دعوة السياسيين لتحرّكٍ «الآن قبل فوات الأوان» وذلك من فوق مبادرةِ إنقاذ لبنان التي ما زالت بلاده ترفع رايتها، قبل أن يلاقيه على «موجة الخطَر» نفسها القائم بالأعمال في السفارة البريطانية مارتن لنغدن الذي سأل بعد زيارته الجمعة، البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي «الى أي مدى يجب أن يسقط لبنان قبل أن تتحمل قياداته المسؤولية وتشكيل حكومة إصلاحية قادرة على وقف الانحدار المتهور للبلاد»؟، وصولاً إلى تأكيده «على قيادة التغيير أن تنطلق من الداخل ويجب أن يحدث هذا قريباً، فالوقت، مثل صبر الشعب اللبناني الذي طالت معاناته، بات ينْفد بسرعة».
ولم تتأخّر واشنطن بإكمال نصاب القلق الدولي المتعاظم وفق ما عبّر الناطق باسم خارجيّتها نيد برايس الذي شدد على وجوب أن يضع القادة السياسيون «مزايداتهم الفئوية» جانباً، وأن يغيّروا سلوكهم ويعملوا في سبيل المصلحة العامة للبنانيّين، داعياً إياهم للتخلّي عن «سياسة حافة الهاوية وتشكيل حكومة تنفذ الإصلاحات اللازمة بشكل عاجل»، مع إشارة ذات دلالاتٍ حملها كلامه عن «أننا لا نريد أن نقوم بأي شيء من شأنه في المقام الأول أن يزيد محنة الشعب اللبناني». وجاء هذا الموقف الأميركي فيما كان الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري يلتقي السفيرة الأميركية دوروثي شيا في اجتماعٍ رُبط بتحضيراتٍ يقوم بها لجولة خارجية جديدة قد تكون بينها الولايات المتحدة التي تَرَدَّدَ أنه طلب موعداً لزيارتها، من دون أن يلوح في الأفق بصيص ضوء بأن استيلاد الحكومة ممكن في المدى المنظور.
وتراكمت في الساعات الماضية المؤشرات لمراوحة الملف الحكومي في دائرة التأزم العالي المفتوح على فصول أعتى من المواجهة السياسية: أوّلها الترويج لمبادرة متجددة أو اتصالات سيُجريها رئيس البرلمان نبيه بري، ما يعني عملياً انتهاء مسعى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم. وثانيها كلام المعاون السياسي لبري النائب علي حسن خليل الذي قيل إنه التقى الحريري بعد عودته من الخارج قبل أيام عن «أننا نرى الشلل في عدم القدرة على تشكيل الحكومة. ولا شيء يبشّر بحكومة قريبة». وثالثها بقاء القطيعة كاملة بين الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون من ضمن لعبة انتظارٍ «على السمّاعة» تُخْفي وراءها كل الشروط والشروط المضادة ذات الصلة بالحكومة وتوازُناتها وبحقيبتين «ملَكتين» (الداخلية والعدل).
ورابعها سؤال «التيار الوطني الحر» عشية إطلالة إعلامية لرئيسه جبران باسيل مساء اليوم «إلى متى سيظل الرئيس المكلف يحتجز في جيبه وكالة مجلس النواب»؟ معلناً في تلويح ضمني بـ«خطة ب» في ما خص تكليف الحريري أن «التمادي بعدم تشكيل الحكومة هو نوع من استغلال الصلاحية الدستورية وحرفها عن غاياتها، وما هو حاصل اليوم يطرح أسئلة جوهرية عن نيات الرئيس المكلف وأسباب عدم قيامه بواجبه وعن الخيارات الممكنة لمواجهة التعنت غير المبرر».
وفيما كان هذا الجو السياسي الساخن خيّم على الجلسة العامة للبرلمان، الجمعة، رغم «تمريرها على خير» وفق مُقايَضاتٍ شملتْ سحْب بري اقتراح قانون دفْع سلفة مليون ليرة لعناصر وضباط الجيش وسائر القوى الأمنية وإحالة اقتراح إعطاء سلفة لمؤسسة كهرباء لبنان لشراء الفيول (بقيمة 1500 مليار ليرة) على اللجان النيابية التي تجتمع الثلاثاء وسط سباقٍ مع العتمة الشاملة التي لوّح بها وزير الطاقة ابتداء من مطلع نيسان، تعبّر أوساطٌ مطلعة عن مَخاوف كبرى من تداعياتِ الانفلات الجنوني في سعر صرف الدولار الذي قفز في نحو 24 ساعة أكثر من 1500 ليرة إلى نحو 12500 في السوق الموازية.
وتصاعدت الخشية من أن يسبق انفجار الشارع الجميع ويقع المحظور في ظل الدلالات البارزة لكلام وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي عن أن الوضع الأمني في لبنان «تلاشى» والبلد «مكشوف على كافة الاحتمالات وليس فقط اغتيالات»، فيما بدت الاحتجاجات على مشارف «هبّة غضب» جديدة لاحت طلائعها مع تحركات في ساحة الشهداء وسط بيروت ونصب خيم وقطع طرق في عدد من المناطق في إشارة معبّرة عن «نفاد صبر» اللبنانيين بعد جيوبهم، وسط قيام العديد من المحال التجارية بقفل أبوابها لعدم قدرتها على اللحاق بتحليق الدولار.
وفي موازاة ذلك، كان وفد أهالي شهداء فوج إطفاء بيروت الذين سقطوا بانفجار المرفأ يحملون رسالة توجّهوا بها إلى منزل المنسقة العامة للأمم المتحدة في لبنان، نجاة رشدي، طالبت بتحقيق دولي في القضية.